سرّي للغاية: بناء مفاعل نووي سوري بوسائل أُخرى
وهيب ايوب
“ما من رجلٍ يستطيع أن يعلن لكم شيئاً غير ما هو مُستقرٌ في فجرِ معرفتكم وأنتم غافلون عنه”
جبران خليل جبران
في عام 1981 قصفت إسرائيل المفاعل النووي العراقي، فذهبت عشرات المليارات من الدولارات في لحظات هباءً منثورا، فما قيمة أن نبني مفاعلاً نووياً دون أن نستطيع حمايته أو الدفاع عنه؟
وفي عام 1991 نفذت الولايات المتحدة ومعها تحالف دولي وعربي عدوانا على العراق عبر مهاجمته بالصواريخ والطائرات، ولم يستطع نظام صدام إطلاق طائرة واحدة في الهواء، بل قام بدفن بعضها في رمال الصحراء وتهريب الجزء الآخر لعدوته اللدودة إيران!
ثم تكررت المأساة عام 2003، إذ تم قتل عشرات الألوف من أفراد الجيش العراقي وتدمير معظم عتاده واحتلت العراق.
معمر القذافي، برعونته المعهودة وسياساته الصبيانية، كبد الشعب الليبي مئات المليارات من الدولارات، صرفها على بناء مصانع لأسلحة غير تقليدية، إضافة إلى قضية لوكربي وغيرها من المغامرات الثورجية الرعناء. وعندما شعر بالسخونة تقترب وأن الموس ستلحق ذقنه… تراجع كالولد الشاطر، ولكن بعد ماذا؟!
وإيران الخمينية بقيادة أحمدي نجاد قد تجر على شعبها كارثة، لن نستطيع تقدير مداها ووصفها إلا بعد وقوعها، وقد تكون وشيكة بحال استمرار القيادة الإيرانية بسياساتها المتهورة وتصريحاتها الغبية.
مؤخراً، وعلى الأراضي السورية في منطقة الشمال، قامت فرقة محمولة من الكومندوز الإسرائيلي بعملية إنزال في موقع ادعت أنه مفاعل نووي سوري، فأخذت بعض العيّنات ثم غادرت لتأتي الطائرات الإسرائيلية لاحقاً وتقصف الموقع وتدمره. والأنكى من هذا وذاك، أن يأتي مصوّر صحافي إسرائيلي إلى ذات الموقع ليلتقط صور الموقع بعد تدميره؛ ناهيك عن تحليق الطيران الإسرائيلي في سماء دمشق وفوق القصر الجمهوري، دون أن يجد من يقول له، “محلا الكحل بعينك؟!”.
إن هذه الأنظمة التي تستقوي على شعوبها، غير قادرة على حماية قن دجاج فكيف بمفاعل نووي؟!
ما نفع المفاعلات والطائرات والدبابات إن كنا لا نستطيع حمايتها أو استخدامها في الحرب. فلو تم شراء طائرات رش زراعية بدل الطائرات الحربية، وبدل الدبابات والمجنزرات تراكتورات وجرارات لفلاحة الأرض، أما كان أنفع لشعبنا من سلاح تنتهي صلاحيته بالتقادم؟
وأما عن بناء المفاعلات النووية، فإن الشعب السوري نفسه هو أفضل “مفاعل نووي”؛ وهو عصي على الضرب والتدمير، فيما لو أُعيد بناء هذا المجتمع ولا يحتاج لا لماء ثقيل ولا إلى يورانيوم مخصّب، ومكونات مفاعيله بسيطة، لكنها ليست سهلة:
أولاً: رفع حالة الاستبداد والفساد عن الشعب وإطلاق طاقاته وإبداعاته، وإطلاق الحريات السياسية، ليعاد تشكيل مجتمع مدني حقيقي يحظى فيه كل مواطن سوري بمواطنة حقيقية، من خلال إرساء مبدأ القانون والعدالة وتوزيع ثروات البلد على كافة أبنائه وليس استئثار فئة قليلة بـ 90% من خيراته و90% من الشعب يأكل الفتات.
ثانياً: محو الأمية والقضاء على الجهل والفقر والبطالة واعتماد تنمية حقيقية في الاقتصاد والمجتمع، من خلال إصلاح نظم التعليم في المدارس والجامعات، والكف عن العمل بنصيحة “دانلوب” ( التلقين والترديد )، وإفساح المجال لإبداعات الأفراد والمؤسسات والتوقف عن تهجير العقول.
ثالثاً: تحديث بنية المجتمع والدولة ومؤسساتها وإعادة هيكلتها على أسس علمية حديثة، وانفتاحها على الثقافات والحضارات في العالم.
رابعاً، والأهم: بناء الدولة على الأسس المدنية العلمانية، وفصل الدين عن الدولة، وجعل مسألة الإيمان بين الإنسان وخالقه، دون وسيط يتاجر بالاثنين معاً، بحيث يشعر المسلم والمسيحي والدرزي والشيعي والكردي والآشوري وسواهم أنهم متساوون في المواطنة دون تفرقة أو تمييز، وأن الدولة والقانون ترعى مصالح الجميع وتحميهم، دون أن يضطروا للجوء إلى قبائلهم وعشائرهم وطوائفهم ومذاهبهم طالبين الحماية.
لا نتحدث هنا عن أوهام وما ورائيات وأفكار سريالية، ولولا إيماننا بأن سوريا كبلد تمتلك الموارد الطبيعية والطاقات البشرية لتحقيق نمو اقتصادي هائل يمكن من خلاله مضاعفة مستوى دخل الفرد السوري خمسة أضعاف خلال عدة سنوات لكنا صَمَتنا. ماليزيا التي يتقارب فيها عدد السكان مع سوريا ولا تمتلك من الموارد الطبيعية أكثر مما تمتلكه سوريا، تجاوز دخل الفرد فيها أكثر من 10000$ بعد أن كان لا يتجاوز الـ 500$ قبل عدة سنوات. ولا نريد الحديث عن سنغافورة وتايوان وكوريا وسواهم.
عندما نسمع أن القوى المعارضة والناشطة في المجتمع السوري استطاعت من خلال تفاعلها مع الجماهير السورية إطلاق سجناء الرأي والفكر والسياسة والثقافة، من ميشيل كيلو وعارف دليلة إلى البطلة فداء الحوراني ورفاقهم جميعاً، نستطيع حينها القول، إن بناء “المفاعل النووي” الحقيقي الذي لا يُقهر قد بدأ!
قد يسأل أحدهم، إذا امتلكنا كل هذا ولم يكن لدينا طائرات ودبابات وصواريخ، فكيف نحمي الوطن؟
الجواب ببساطة: الإنسان السوري هو السلاح الأقوى، وإذا ما كان الوطن مهدّدا بالاحتلال والغزو الخارجي، فما على السلطات السورية سوى توزيع بندقية وقنبلة ورغيف خبز وقنينة ماء على كل مواطن سوري، وعندها لن تقوى، لا إسرائيل ولا الحلف الأطلسي معها، بكل جبروته، على احتلال شبر من أرضه والبقاء فيها.
* الجولان المحتل- مجدل شمس