سيمور هيرش: واشنطن مهدت لشن الحرب على إيران
قال الصحفي الأميركي الشهير سيمور هيرش في مقاله الذي نشرته مجلة نيويوركر تحت عنوان “تهيئة ساحة الحرب” إن واشنطن سعت بكل ما أوتيت من قوة لزعزعة الاستقرار في إيران تمهيدا لشن الحرب عليها، عبر القيام بنشاطات سرية ودعم الأقليات المنشقة عن الحكومة في طهران، وهذا نص المقال:
في أواخر العام الماضي وافق الكونغرس على طلب الرئيس الأميركي جورج بوش الرامي إلى تمويل تصعيد كبير لعمليات سرية ضد إيران، وفقا لمصادر سابقة وحالية في أجهزة المخابرات والكونغرس والجيش. وقد ورد ذكر هذه العمليات -التي طلب الرئيس تمويلها بمئات الملايين من الدولارات- في تحقيق رئاسي وقعه بوش، حيث صممت تلك العمليات لزعزعة استقرار القيادة الدينية في البلاد.
واشتملت النشاطات السرية على دعم الأقليات مثل الأهواز العرب والجماعات البلوشية فضلا عن منظمات منشقة أخرى. كما تضمنت جمع معلومات استخبارية حول برنامج إيران النووي المشتبه به.
العمليات السرية ضد إيران ليست بالأمر الجديد. فقد كانت قوات العمليات الخاصة تقوم بعمليات على الحدود جنوب العراق بتخويل رئاسي منذ العام الماضي.
وتمحورت تلك العمليات حول إلقاء القبض على أعضاء في الجناح المسلح للحرس الثوري الإيراني المعروف بالقدس، ونقلهم إلى العراق للتحقيق معهم، وملاحقة أهداف تعرف بأنها ذات قيمة عالية ضمن حرب الرئيس على الإرهاب، بالقتل أو الاعتقال.
ولكن حجم وهدف العمليات في إيران التي شاركت فيها وكالة المخابرات المركزية الأميركية وقيادة العمليات المشتركة (JSOC) قد اتسع نطاقها في إيران، بحسب مسؤولين سابقين وحاليين. كما أن تفاصيل تلك النشاطات لم تحدد طبيعتها في التحقيق الجديد، ما أثار تساؤلات كبيرة حول طبيعتها لدى العديد من قادة الكونغرس.
وفقا للقانون الفدرالي فإن أي تحقيق رئاسي في غاية السرية، يجب الإعلان عنه بمجرد البدء بعمليات المخابرات السرية، وخاصة أمام القيادات الديمقراطية والجمهورية في مجلسي الشيوخ والنواب والأعضاء الكبار في وكالات المخابرات الهامة المعروفة بـ”عصبة الثمانية” حيث يتم بعدها إعادة برمجة تمويل هذه العملية من عمليات سابقة حسب الحاجة، من قبل لجان الكونغرس ذات الشأن التي يجب هي الأخرى أن تطلع على العمليات.
قال شخص مطلع على محتويات التحقيق وشارك في “العمل مع مجموعات معارضة وتمرير الأموال” إن “التحقيق كان يتمحور حول تقويض الطموحات النووية الإيرانية، والحكومية من خلال تغيير النظام”. وأضاف “قدم التحقيق نطاقا جديدا من النشاطات في جنوب إيران وفي المناطق، خاصة الغربية منها، التي يقوى فيها عود المعارضة السياسية البلوشية.
رغم أن القلق بشأن طبيعة التحقيق انتاب بعض المشرعين، و”كان هناك نقاش حاد على مستويات عالية” حسب مصادر مطلعة، فإن تمويل التصعيد حظي بالموافقة.
وبعبارة أخرى، فإن بعض الأعضاء في القيادة الديمقراطية -التي تسيطر على الكونغرس منذ انتخابات 2007- كانت على استعداد للتعاطي سرا مع الإدارة في توسيع نطاق النشاطات السرية الموجهة ضد إيران، رغم أن مرشح الحزب المفترض للرئاسة باراك أوباما قال إنه يفضل المحادثات المباشرة والطرق الدبلوماسية مع إيران.
وكان طلب التمويل قد جاء في نفس الفترة التي حاولت فيها الإدارة التعاطي مع تقييم المخابرات القومي (N.I.E) الذي صدر في ديسمبر/كانون الأول والذي توصل إلى أن إيران أوقفت نشاطها النووي عام 2003.
الإدارة من جانبها قللت من أهمية ذلك التقييم، وقد استمرت -رغم قولها إنها ملتزمة بالدبلوماسية- في التأكيد على أهمية العمل العاجل لمواجهة التهديد النووي الإيراني.
الرئيس بوش شكك بنتائج التقييم، وسار على خطاه كل من وزير الدفاع روبرت غيتس ووزيرة الخارجية كوندوليزا رايس، فضلا عن المترشح الجمهوري للرئاسة جون ماكين.
في هذه الأثناء أحيت الإدارة الاتهامات القائلة إن القيادة الإيرانية شاركت في قتل جنود أميركيين بالعراق: سواء بطريقة مباشرة عبر إرسال وحدات مغاوير إلى داخل العراق، أو غير مباشرة من خلال تقديم المواد المستخدمة في القنابل المزروعة على جوانب الطرق، وفي وسائل أخرى مميتة. (هناك شكوك حول دقة تلك المزاعم، فكانت صحيفة تايمز البريطانية من بين من أورد بأن غموضا كبيرا ما زال يحيط بمدى التورط الإيراني).
القادة العسكريون والمدنيون في وزارة الدفاع (البنتاغون) يشاطرون البيت الأبيض قلقه حول الطموحات النووية الإيرانية، بيد أن هناك خلافا حول ما إذا كانت الضربة العسكرية هي الحل الأمثل.
بعض مسؤولي البنتاغون يعتقدون كما أبلغوا الكونغرس والإعلام، أن قصف إيران ليس ردا عمليا لقضية الانتشار النووي، وأن المزيد من الدبلوماسية ضروري.
عضو في مجس الشيوخ قال لي إنه في أواخر العام الماضي التقى روبرت غيتس بالتجمع الديمقراطي في الكونغرس على غداء غير رسمي (تعقد مثل تلك الاجتماعات بشكل دوري) وحذر من عواقب ضرب إيران قائلا -بحسب العضو في الكونغرس- “سنخلق جيلا من الجهاديين، وسيضطر أحفادنا إلى مقاتلة أعدائنا في ديارنا”.
فكانت تعليقات غيتس صدمة للديمقراطيين على الغداء، وقد سأل عضو في الكونغرس ما إذا كان غيتس يتحدث باسم بوش أو نائبه، ليجيب غيتس “أنا أتحدث بالنيابة عن نفسي”. المتحدث الرسمي باسم غيتس أكد أنه ناقش عواقب قصف إيران في الاجتماع، ولكنه لم يفصح عما قاله دون أن يطعن في وصف عضو مجلس الشيوخ.
هيئة الأركان المشتركة التي يترأسها الأميرال مايك مولين كانت “تدفع بشدة بالأمور في الاتجاه المعاكس لضغط البيت الأبيض الرامي إلى توجيه ضربة عسكرية ضد إيران” كما قال لي شخص مطلع على التحقيق. وعلى غرار ذلك، قال مستشار في البنتاغون شارك في الحرب على الإرهاب “ما لا يقل عن عشرة ضباط كبار بمن فيهم قادة قتال قادوا عمليات عسكرية في العالم، أثروا كثيرا في هذه المسألة”.
أكثر الضباط وضوحا كان الأميرال ويليام فالون الذي ترأس حتى وقت قريب القيادة الأميركية الوسطى، وتحمل مسؤولية القوات الأميركية في العراق وأفغانستان.
ففي مارس/آذار قدم فالون استقالته تحت الضغط بعد أن قام بسلسلة من المقابلات التي توضح تحفظاته حول الهجوم العسكري على إيران. فمثلا، قال أواخر العام الماضي لصحيفة فايننشال تايمز البريطانية إن “الهدف الحقيقي للسياسة الأميركية هو تغيير سلوك الإيرانيين، وإن الهجوم عليهم كوسيلة لتحقيق ذلك الهدف لا يبدو من وجهة نظري هو الخيار الأول”.
الأميرال فالون أقر عندما تحدثت معه في يونيو/حزيران بأنه سمع أن ثمة أناسا في البيت الأبيض كانوا مستائين من تصريحاته العلنية. “العديد من الناس يعتقدون بأن أمامك خيارين فقط: إما مع أو ضد الإيرانيين” كما قال لي. وأضاف “لنكن جديين ثمانون مليونا يعيشون هناك، وكل واحد هو فرد قائم بذاته، والاعتقاد بأن هناك واحد فقط من خيارين ضرب من الهراء”.
وعند الحديث عن حرب العراق، قال فالون “هل تذمرت حول أي شيء تم اقتراحه في ذلك الشأن؟ أتحدى. رغم أن بعضها كان في غاية الغباء”.
موافقة القيادة الديمقراطية على الالتزام بضخ ملايين الدولارات لصالح العمليات السرية في إيران كان أمرا لافتا في ظل المخاوف العامة لدى المسؤولين أمثال غيتس وفالون وآخرين.
“وعملية المراقبة لم تجر بشكل سليم فقد كانت تحت إشراف الإدارة” كما قال الشخص المطلع على التحقيق. “عملية المراقبة فاسدة، وهذا الشيء الذي نجيزه أمر خطير”.
عضو ديمقراطي كبير في الكونغرس قال لي إنه كانت لديهم مخاوف بشأن الاحتمال بأن فهمهم لما تنطوي عليه العمليات الجديدة يختلف تماما عن مفهوم البيت الأبيض. إحدى القضايا المتعلقة بذلك هي الإشارة في التحقيق، -كما قال الشخص المطلع- إلى العمل الدفاعي القاتل من قبل منفذي العمليات الأميركيين في إيران. (في مطلع مايو/أيار، نشر الصحفي أندرو كوكبيرن عناصر التحقيق في مجلة كاونتربونتش).
مسؤول سابق في المخابرات قال إنه تم إدخال عنصر اللغة في التحقيق بطلب من سي آي أيه. العمليات السرية التي أعدت في التحقيق تسير بالتوازي جنبا إلى جنب مع تلك العمليات التي تقوم بها قوات المهام العسكرية الآن في إيران، وهذا يتم تحت إشراف قيادة العمليات المشتركة (JSOC).
ووفقا لتفسير إدارة بوش للقانون، فإن النشاطات العسكرية السرية، خلافا لعمليات سي آي أيه السرية، لا ينبغي توضيحها في التحقيق، لأن الرئيس يملك حقا دستوريا بقيادة القوات القتالية في الميدان دون الرجوع إلى الكونغرس.
ولكن الحدود بين العمليات ليست دائما واضحة المعالم: في إيران، عملاء سي آي أيه والقوى الإقليمية لديها مهارات لغوية ومعرفة باللغة المحلية تؤهلها للاتصال مع منفذي العمليات التابعين لـJSOC، ويعملون معهم لتمرير المنفذين والأموال والمواد إلى إيران القادمة من قواعد غامضة غرب أفغانستان.
ونتيجة لذلك، قدم الكونغرس وجهة نظر جزئية حول كيفية استخدام الأموال التي يصدق عليها. إحدى الأمور المنوطة بقوات المهام الخاصة لـJSOC التي تقضي بملاحقة “أهداف ذات قيمة عالية” لم ينص عليها التحقيق بشكل مباشر.
إن ثمة إدراكا متناميا في أوساط بعض المشرعين بأن إدارة بوش في السنوات الأخيرة دمجت بين العمليات الاستخبارية والعسكرية كي تتجنب تبليغ الكونغرس بكل ما تفعله.
“هذا أمر هام جدا” يقول المطلع على التحقيق. “إن سي آي أيه احتاجت التحقيق للقيام بعملها التقليدي، ولكن التحقيق لا ينطبق على JSOC”. وكان الرئيس بوش قد وقع على أمر تنفيذي بعد أحداث 11 سبتمبر/أيلول يمنح فيه البنتاغون رخصة للقيام بأعمال لم تستطع القيام بها دون إخطار الكونغرس.
وينطوي الطلب على قيام الجيش “بتهيئة مساحة للمعركة” وباستخدام ذلك المصطلح يستطيعون تحاشي مراقبة الكونغرس. “كل شيء كان مبررا في ظل الحرب على الإرهاب”.
ويضيف المطلع أن “الإدارة الأميركية تعمل على تضبيب الخطوط: كان دائما هناك ظل رمادي –بين العمليات التي يطلع عليها القادة في الكونغرس وبين ما لا يطلعون عليها- ولكن الآن الظل واه”.
المسؤول السابق في المخابرات قال لي إن “الوكالة تقول إنها لن تقدم على المساعدة في قتل الناس دون تحقيق”. لقد كان يشير إلى التهديد القاتل الذي يواجه بعض عملاء الوكالة لمشاركتهم في تسليم المعتقلين والقيام بتعذيب المشتبه بهم في إطار الحرب على الإرهاب.
“هذا ما أثار سخط العسكريين” كما قال. وبقدر ما كانت سي أي أيه قلقة، (قال المسؤول السابق في المخابرات إن التخويل الكامل يشتمل على القتل، رغم أن ذلك لم يكن جزءا مما أعد لهم). فقد كان الأمر يتعلق بجمع معلومات وتقديم الدعم. والتحقيق الذي أرسل إلى الكونغرس كان تسوية توفر الغطاء القانوني لسي أي أيه في حين أنها تشير إلى استخدام القوة القاتلة ضمن تعابير غامضة.
إن لغة الدفاع المميتة دفعت ببعض الديمقراطيين -حسب مصادر في الكونغرس مطلعة على وجهات النظر هناك- إلى استدعاء مدير سي أي أيه والقوات الجوية الجنرال مايكل هايدن إلى اجتماع خاص أكد فيه أمام المشرعين أن اللغة لم تضف شيئا أكثر من توفير السلطة لمنفذي العمليات في القوات الخاصة على الأرض في إيران، لإطلاق النار إذا ما تعرضوا للاعتقال أو الأذى.
المشرعون من طرفهم لم يقتنعوا بذلك، فكتب أحد رجالات الكونغرس رسالة شخصية إلى الرئيس بوش يصر فيها على أنه “لا عمل مميتا” قد خول به داخل الحدود الإيرانية. ومنذ يونيو/حزيران لم يتلق أي جواب.
أعضاء الكونغرس أعربوا عن شكوكهم في الماضي إزاء المعلومات التي قدمها البيت الأبيض. وفي 15 مارس/آذار 2005، أعلن ديفد أوبي الذي كان عضوا ديمقراطيا بارزا في لجنة الاعتمادات التابعة للبرلمان إبان سيطرة الجمهوريين على الكونغرس، أنه تجاهل تعديلا كان ينوي أن يقدمه ذلك اليوم، وأن ذلك من شأنه أن يقطع التمويل عن برامج الاستخبارات القومية إذا لم يوافق الرئيس على إبقاء الكونغرس على علم بالنشاطات العسكرية السرية التي تجري في إطار الحرب على الإرهاب.
وقد غير رأيه، كما قال، لأن البيت الأبيض تعهد بالمزيد من التعاون. “الفرع التنفيذي فهم أننا لا نحاول أن نملي ما يفعلوه” قال ذلك في كلمة ألقاها في ذلك الوقت. “نحن نحاول بكل بساطة أن نرى أن ما يفعلونه يتطابق مع القيم الأميركية ولن يدخل البلاد في مشاكل”.
أوبي رفض أن يعلق على طبيعة العمليات في إيران، ولكنه أوحى لي أن البيت الأبيض نكث عهده بشأن استشارة الكونغرس. وقال “أشك بأن شيئا من هذا القبيل يجري، ولكن لا أعرف ما يمكن تصديقه”.
تشيني كان يريد دوما ملاحقة إيران، ولو كان لديه مزيد من الوقت لوجد طريقا لذلك. ما زلنا لا نملك معلومات كافية من الوكالات، ولدي ثقة ضئيلة جدا بأنها ستزودنا بمعلومات قائمة على أسس وطيدة.
لم يعلق على التحقيق أحد من الديمقراطيين الأربعة في عصبة الثماني سواء رئيس الأغلبية في الشيوخ هاري ريد أو رئيسة البرلمان نانسي بيلوسي أو رئيس لجنة المخابرات في مجلس الشيوخ جون روكفلر أو رئيس لجنة المخابرات التابعة لمجلس النواب سيلفستر رييز، مع إشارة البعض إلى أن الأمر في غاية السرية.
واكتفى مساعد أحد أعضاء القيادة الديمقراطية -متحدثا عن نفسه- بالإشارة إلى قيود عملية عصبة الثماني. إن الإخطار بالتحقيق، كما يقول المساعد “مجرد إخطار ولا يشكل دليلا على البدء بالنشاطات”.
والمراقبة المناسبة لنشاطات الاستخبارات المستمرة تجري باطلاع كامل من قبل أعضاء لجنة المخابرات. ومع ذلك، لدى الكونغرس الوسائل التي يتحدى فيها البيت الأبيض عندما يتلقى التحقيق.
إن لدى الكونغرس السلطة لحجب التمويل عن أي عملية حكومية. كما يمكن لأعضاء القيادة الديمقراطية في مجلسي الشيوخ والنواب المخولين بالاطلاع على التحقيق، إذا ما أرادوا ذلك، أو إذا ما انتابتهم نفس المخاوف، أن يخرجوا بأساليب لبذل كل ما يستطيعوا من نفوذ للتأثير على سياسة الإدارة. متحدث باسم سي أي أيه قال “من القواعد أن لا نعلق بأي طريقة كانت على المزاعم المتعلقة بالنشاطات السرية أو النتائج المزعومة”. البيت الأبيض أيضا رفض التعليق على ذلك.
عضو في لجنة الاعتمادات التابعة لمجلس النواب أقر بأنه رغم النصر الديمقراطي في انتخابات نوفمبر/تشرين الثاني، فإن “الأمر قد يستغرق عاما آخر قبل بسط السيطرة على نشاطات المخابرات” ومضى يقول “نحن نتحكم بالأموال ولا يستطيعون القيام بشيء دون المال. فالمال كل شيء. ولكن ينتابني شكوك بهذه الإدارة”. وقال “هذه الإدارة اتسمت بالسرية التامة”.
من مفارقات رحيل الأميرال فالون أنه كان في كثير من الأحوال على توافق مع الرئيس بوش بشأن التهديد الذي تشكله إيران. فقد كانت تربطهم علاقات عمل وطيدة، كما قال لي فالون.
وعندما أدار القيادة المركزية الأميركية في الحرب على الإرهاب (CENTCOM) كانا على اتصال دائم. في 4 مارس/آذار أي قبل أسبوع من استقالته، أدلى فالون بشهادته أمام لجنة الخدمات العسكرية التابعة لمجلس الشيوخ بأنه كان “متحمسا للوضع في العراق وأفغانستان”.
وحول الدور الذي يلعبه قادة إيران، قال “لم يكن إيجابيا على الإطلاق، وكان مدمرا، ولم أتغاض عن أي من نشاطاتهم. ولم أر حتى الآن عملا تقوم به إيران منذ أن كنت في عملي يوحي بأن طهران تقوم بشيء إيجابي يساعد المنطقة”.
أوضح فالون لي في حديثنا بأنه يعتبر أنه من غير المناسب التعليق علنا على الرئيس أو نائبه أو على العمليات الخاصة. ولكنه قال إنه سمع أن البعض في البيت الأبيض يناهضون وجهة نظره حول إيران.
“عندما توجهت إلى CENTCOM، كان الإيرانيون يمولون كل كيان داخل العراق. فقد كان من مصلحتهم إخراجنا، ولذلك قرروا قتل العديد من جنودنا قدر استطاعتهم. ولم لا؟ لم يعرفوا من سيخرج أولا، ولكنهم يريدون خروجنا”.
“لقد تيقنت بأنني لن أستطيع إيجاد حل للمشكلة في العراق دون اللجوء إلى الجيران. ولحل المشكلة في العراق، كان علينا أن نشرك إيران وسوريا، كان علي أن أعمل مع الدول المجاورة”، كما يقول فالون.
قال لي فالون إن تركيزه لم يكن منصبا على القضية النووية الإيرانية، أو تغيير النظام هناك، بل على “إطفاء لهيب النيران في العراق”. فقد كان هناك نقاشات مستفيضة في واشنطن وفي الميدان حول السبيل لمشاركة إيران. وحول خيار قصف طهران، قال فالون إنه يعتقد بأن “ذلك قد يحصل فقط إذا أقدم الإيرانيون على تصرف أحمق”.
إن استقالة فالون، رغم كل ذلك، تبدو مدفوعة ليس فقط بسبب تعليقاته السلبية بشأن قصف إيران، بل أيضا بسبب إيمانه القوي بقيادته وإصراره على ضرورة تبليغه بالعمليات الخاصة التي تجري في المناطق التي يتحمل مسؤوليتها.
أحد المدافعين عن فالون الجنرال المتقاعد في المارينز جون جاك شيهان الذي كان يتولى في آخر مهامه رئاسة القيادة الأطلسية الأميركية، حيث كان فالون نائبا له. في العام الماضي، رفض شيهان عرض البيت الأبيض ليصبح “قيصر” الرئيس في الحروب بالعراق وأفغانستان.
و”من الأسباب التي جعلت البيت الأبيض يختار فالون قائدا لـCENTCOM كونه مفكرا إستراتيجيا وقد أظهر مهاراته في المحيط الهادي” كما قال لي شيهان. (خدم فالون قائدا للقوات الأميركية في المحيط الهادي في الفترة الواقعة بين 2005 و2007).
“وكان مسؤولا عن صنع إستراتيجيات متماسكة تتعلق بإيران والعراق وأفغانستان، كذلك فإن القائد المقاتل من حيث القانون يعد مسؤولا عن جميع العمليات العسكرية التي تجري داخل منطقة العمليات التي تخضع لمسؤوليته”.
ولكن ذلك لم يحصل، يقول شيهان. “فعندما حاول فالون التحقق من النشاطات السرية والعلنية التي يجريها الجيش في منطقته، قامت مجموعة صغيرة في قيادة البيت الأبيض بإغلاق الباب في وجهه”.
هذا القانون الذي تطرق إليه شيهان هو ميثاق إعادة تنظيم الدفاع لعام 1986 المعروف بـGoldwater-Nichols الذي حدد التسلسل القيادي بدءا من الرئيس ووزير الدفاع مرورا برئيس هيئة الأركان المشتركة، وحتى قادة القتال الآخرين الذين يتحملون مسؤولية جميع جوانب العمليات العسكرية بما فيها التدريب والعمليات اللوجستية المشتركة.
تلك السلطة كما ينص عليها الميثاق، لم تكن لتشترك فيها مستويات أخرى من القيادة، غير أن إدارة بوش كجزء من حربها على الإرهاب، أنشأت سياسات جديدة تعمل على تقويض القادة الإقليميين، ومثالا ذلك، فقد منحت الإدارة فرق العمليات الخاصة في القيادات العسكرية المنتشرة حول العالم، أكبر أولوية من حيث الدعم والتجهيز.
إن تحييد التسلسل القيادي التقليدي في السنوات الأخيرة كان نقطة توتر بين البيت الأبيض والجيش الرسمي.
“تماسك الإستراتيجية العسكرية قد تضاءل بفعل النفوذ المدني والتوجيه غير المبرر للعمليات العسكرية غير التقليدية” يضيف شيهان. “إذا كان لديك مجموعات صغيرة تخطط وتنفذ عمليات عسكرية دون معرفة وسيطرة القائد القتالي، فإنه من الطبيعي أن لا يكون هناك إستراتيجية عسكرية متماسكة، وينتهي الأمر بكارثة، كما حدث لجهود إعادة الإعمار في العراق”.
الأميرال فالون المعروف باسم فوكس (الثعلب) كان على علم بأنه سيواجه صعابا جمة كأول ضابط بحرية يتولى قيادة CENTCOM التي عادة ما يترأسها قائد بري، كما أخبرني أحد زملائه العسكريين.
كما كان فالون مدركا بأن مجتمع العمليات الخاصة سيكون مثار قلق. “قال فوكس إن ثمة العديد من الأشياء الغريبة التي تجري في العمليات الخاصة، وقد قلت له إن عليه أن يفهم ما يقومون به”، بحسب زميل فالون. وأضاف “عناصر العمليات الخاصة فهموا في نهاية المطاف أنهم بحاجة إلى فوكس، ولذلك بدؤوا يتحدثون إليه. وكان فوكس سيكسب معركته مع العمليات الخاصة لولا تشيني”.
مستشار البنتاغون قال إن “فالون استقال لأنه كان يحاول بطريقته الخاصة منع نشوب الحرب ضد إيران، وعليك أن تعجب به لذلك”.
في الأشهر الأخيرة، ووفقا لوسائل الإعلام الإيرانية، كان هناك تصعيد في العنف بإيران، من الصعوبة بمكان في هذه المرحلة المبكرة، رغم ذلك، أن يعزى ذلك لنشاطات سي أي أيه أو JSOC، أو تقييم تأثيرها على القيادة الإيرانية.
إن تقارير الصحافة الإيرانية تخضع لمراقبة حثيثة من قبل العقيد المتقاعد من القوات الجوية سام غاردينر الذي يدرس الإستراتيجية في كلية ناشيونال وور، ويصنع الآن ألعابا حربية منصبة على إيران لصالح الحكومة الفدرالية، والجامعات ومكاتب الأبحاث.
الصحافة الإيرانية “منفتحة جدا في وصف عمليات القتل التي تجري داخل البلاد” كما يقول غاردينر. ويضيف “إنها صحافة خاضعة للسيطرة ما يجعل من نشرها لمثل هذه الأشياء أمرا مهما للغاية. بدأنا نرى الحكومة من الداخل”. ويتابع “قلما يمر يوم دون أن نرى اشتباكا في مكان ما. فقد وقعت أربع حوادث في نهاية الأسبوع الأخير وذكر الإيرانيون أسماء ضباط الحرس الثوري الذين تم قتلهم”.
وفي مطلع هذا العام، زعمت مجموعة أهوازية مسلحة أنها اغتالت عقيدا في الحرس الثوري، وقد أقرت الحكومة أن الانفجار الذي وقع في مركز ثقافي في شيراز في المناطق الجنوبية من البلاد وأسفر عن مقتل ما لا يقل عن 12 شخصا وإصابة أكثر من مائتين، كان عملا إرهابيا وليس كما قيل في بادئ الأمر بأنه مجرد حادث.
لا يمكن معرفة ما إذا كان هناك مشاركة أميركية في أي حادث يقع بإيران، ولكن، وفقا لغاردينر، فإن الإيرانيين بدؤوا ينحون بلائمة بعض الحوادث علنا على الولايات المتحدة وبريطانيا العظمى وكذلك أخيرا على سي آي أيه.
إن مشاركة وكالة المخابرات الأميركية في انقلاب إيران عام 1953، ودعمها لنظام لا يحظى بشعبية هو نظام شاه محمد رضا بهلوي الذي أطيح به عام 1979، لقي استنكارا لسنوات من قبل رجال الدين الحاكمين في طهران، وقد ساهم ما حدث في كل ذلك.
“وهذا هو الهدف النهائي للإيرانيين وهو إنحاء اللائمة على سي أي أيه” كما يقول غاردينر. “وهذا شيء جديد، وتصعيد آخر وشحن للتوترات. إنه يحشد الدعم للنظام ويظهر للناس أن ثمة تهديدا مستمرا قادما من الشيطان الأكبر”. ومن وجهة نظر غاردينر، فإن العنف وليس إضعاف الحكومة الدينية في إيران، ربما يجلب الدعم لها.
ربما كثير من العمليات ينفذها منشقون في إيران وليس أميركيون في الميدان. ومن المشاكل التي تحيط “بتمرير المال” -لنستخدم مصطلح الشخص المطلع على التحقيق- ضمن الإعداد السري هو أنه من المستحيل التحكم بمصير تلك الأموال ومن ينتفع بها.
ومع ذلك، فإن ضابطا كبيرا في المخابرات قال “لقد تعرضنا للكشف بسبب نقل أسلحتنا ومعدات الاتصال. وسيكون الإيرانيون قادرين على تقديم الحجة بأن المعارضة ملهمة من قبل الأميركيين”.
كم مرة حاولنا ذلك دون أن نطرح السؤال المناسب؟ هل يستحق الأمر هذه المجازفة؟ أحد العواقب المحتملة المترتبة على هذه العمليات ربما ينطوي على القمع الإيراني العنيف لإحدى المجموعات المنشقة، وهذا ما قد يمنح إدارة بوش الذريعة للتدخل.
إن الإستراتيجية التي تقضي باستخدام الأقليات العرقية لتقويض إيران أمر خاطئ، وفقا لفالي نصر الذي يدرس السياسات الدولية في جامعة تفتس، وهو زميل رفيع المستوى في مجلس العلاقات الخارجية.
ويقول نصر إن “مجرد وجود مجموعات عرقية في لبنان والعراق وأفغانستان، لا يعني أن إيران تعاني من القضية ذاتها”. وأشار نصر لي إلى أن “إيران بلد عريق كفرنسا وألمانيا، ومواطنوها قوميون”.
كما أن الولايات المتحدة تبالغ في التوتر العرقي بإيران. إن الجماعات العرقية التي تحاول الولايات المتحدة أن تمد يدها لها هي إما أنها مجموعات مدمجة بشكل جيد في النسيج الإيراني، وإما أنها مجموعات صغيرة هامشية لا تملك أي تأثير على الحكومة أو قدرة تمكنها من إحداث تغيير سياسي في البلاد.
ويضيف نصر “تستطيع دائما أن تجد بعض الجماعات النشطة التي تذهب لتقتل شرطيا، غير أن العمل مع الأقليات يحمل في طياته سلبيات كبيرة ويعمل على إقصاء أغلبية المجتمع”.
قد تبدي الإدارة الأميركية استعدادها للاعتماد على المنظمات المنشقة في إيران وإن كان هنا ما يستدعي الاعتقاد بأن تلك المنظمات عملت ضد المصالح الأميركية في الماضي.
إن استخدام العناصر البلوشية مثلا مثير للمشاكل، كما أخبرني روبرت بير وهو ضابط سري سابق في وكالة سي أي أيه وقد عمل لعقدين من الزمن في جنوب آسيا والشرق الأوسط.
فالبلوشيون هم من المتطرفين السنة الذين يكنون الكراهية للنظام في طهران، ولكن يمكنك أن تصنفهم كالقاعدة. “وهؤلاء أشخاص يجزون رؤوس الكفار وهم -في رأيهم- الإيرانيين الشيعة”.
المفارقة هنا أننا نعمل مجددا مع متطرفين سنة كما فعلنا في أفغانستان في الثمانينات من القرن الماضي. فرمزي يوسف الذي أدين بلعب دور في قصف مركز التجارة العالمي عام 1993، وخالد شيخ محمد الذي يعتبر أحد المخططين البارزين في أحداث 11 سبتمبر/أيلول، هما من المتطرفين السنة البلوش.
ومن الجماعات المناهضة للنظام التي تعتبر الأكثر نشاطا وعنفا في إيران اليوم هي جند الله، وهي تعرف أيضا بحركة المقاومة الشعبية التي تصف نفسها بأنها قوة ضاربة من أجل حقوق السنة في إيران.
“وهذه منظمة سلفية شريرة يحضر أتباعها نفس المدارس كما يفعل المتطرفون الباكستانيون وطالبان” بحسب ما قاله لي نصر. “ويشتبه بارتباطهم بالقاعدة ويعتقد أن لديهم صلات بثقافة المخدرات”.
فقد أعلنت جند الله مسؤوليتها عن تفجير حافلة ركاب لجنود الحرس الثوري في فبراير/شباط 2007، أسفر عن مقتل ما لا يقل عن 11 عسكريا. ووفقا لبيير وتقارير صحفية فإن جند الله تعد واحدة من الجماعات الموجودة في إيران التي تستفيد من الدعم الأميركي.
إن لدى سي أي أيه ووكالات العمليات الخاصة علاقات طويلة الأمد مع جماعتين منشقتين في إيران: مجاهدي خلق المعروفة في الغرب باختصار (M.E.K) وكذلك الجماعة الكردية المنشقة وهي حزب الحياة الحرة في كردستان أو كما يسمى بـ PJAK.
ورغم أن جماعة مجاهدي خلق كانت مدرجة على لائحة الإرهاب لدى وزارة الخارجية الأميركية لأكثر من عقد من الزمن، فإنها تلقت في السنوات الأخيرة أسلحة ومعلومات استخبارية من الولايات المتحدة بشكل مباشر أو غير مباشر.
بعض التمويل السري الذي أذن به أخيرا، بحسب مستشار البنتاغون، ربما ينتهي به المطاف في صناديق مجاهدي خلق. “إن قوة المهمات ستعمل مع مجاهدي خلق” والإدارة الأميركية تتوق إلى ما سيتمخض عن ذلك من نتائج”.
وأضاف المستشار “أن مجاهدي خلق لا يملكون من يدقق في حساباتهم، كما يُعتقد بأن قادتهم قد تلقوا أموالا طائلة لسنوات. وليت الناس يعرفون أرصدتهم الطائلة وإن كان ذلك لا يعود بالفائدة على ما تصبو إليه الإدارة الأميركية”.
إن الحزب الكردي PJAK الذي قيل بأنه يتلقى دعما سريا من قبل الولايات المتحدة، يعمل ضد إيران من قواعد في شمال العراق لأكثر من ثلاث سنوات. (إيران، شأنها شأن العراق وتركيا، لديها أقلية كردية، ويسعى حزب PJAK وجماعات أخرى لنيل الحكم الذاتي في المنطقة التي هي الآن جزء من هذه الدول).
وفقا للمتخصص في الشؤون العسكرية سام غاردينر، فإن ثمة زيادة لافتة في عدد العمليات العسكرية التي وقعت بين PJAK والإيرانيين وكذلك هجمات إرهابية استهدفت مواقع إيرانية في الأسابيع الأخيرة.
ففي مطلع يونيو/حزيران، قالت وكالة الأخبار فارس إن قرابة عشرة من عناصر PJAK وأربعة جنود من حراس الحدود الإيرانيين سقطوا في اشتباكات وقعت قرب الحدود العراقية.
في اشتباك آخر وقع في مايو/أيار قتل ثلاثة من الحرس الثوري وتسعة من مقاتلي PJAK. كما تعرضت تركيا -وهي عضو في حلف الناتو- لهجمات إرهابية متكررة من قبل PJAK، وكانت التقارير التي تشير إلى الدعم الأميركي لتلك الجماعة مثار توتر بين الحكومتين.
كما ذكر غاردينر الرحلة التي قام بها رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي إلى طهران في شهر يونيو/حزيران. فبعد عودته، أعلن المالكي أن حكومته ستحظر أي اتصال بين الأجانب وجماعة مجاهدي خلق، ما شكل صفعة للتعاملات الأميركية مع تلك الجماعة.
وقد أعلن المالكي أن بلاده غير مستعدة لتكون مسرحا تنطلق منه عمليات سرية ضد بلاد أخرى. وكانت تلك إشارة، بحسب غاردينر، إلى ترجيح كفة مصالح بلاده على كفة المصالح الأميركية.
ومن حيث المزاعم الأميركية بشأن التورط الإيراني في مقتل الجنود الأميركيين “لم يبد المالكي أي استعداد لخوض لعبة إنحاء اللائمة على إيران”.
وأضاف غاردينر أن باكستان وافقت على تسليم أحد قادة جند الله إلى الحكومة الإيرانية. “ويبدو أن العمليات السرية الأميركية تلحق الضرر بالعلاقات مع حكومتي العراق وباكستان، وتقوي الصلة بين طهران وبغداد”.
إن اعتماد البيت الأبيض على منفذي عمليات مشكوك فيهم وعلى خطط تضم أعمالا قاتلة داخل إيران، أثار سخط وقلق وكالات المخابرات والعمليات الخاصة.
ويُعتقد أن عمليات JSOC في إيران هي نموذج لبرنامج عمليات استخدمت، مع بعض النجاح، في استهداف قيادة طالبان في المناطق القبلية بوزيرستان على الحدود الباكستانية الأفغانية. بيد أن الأوضاع في وزيرستان لا يمكن مقارنتها بنظيرتها في إيران.
المسؤول السابق في المخابرات أبلغني أن “البرنامج في وزيرستان نجح لأنه صغير وأداره شباب أذكياء” “لقد نفذه محترفون”. فعناصر من وكالة إن إس إي وسي آي أيه ودي أي أيه، من وكالة الاستخبارات في الدفاع، كانوا في الداخل مع قوات خاصة ومخابرات باكستانية، وكانوا يتعاملون من أشرار”.
ويضيف “يجب أن نكون حذرين في قصف الصواريخ، علينا أن نضرب منازل معينة في أوقات معينة. والناس الذين يراقبون على الأرض من خلال المناظير يبتعدون مئات الياردات ويختارون مواقع محددة بحسب خطوط الطول والعرض. ونحن نبقى على أهبة الاستعداد حتى يدخل الهدف إلى المنزل ونتأكد من أن عناصرنا بعيدين حتى لا يلحق بهم الضرر”.
ومن أهم الأهداف البارزة للبرنامج كما يقول المسؤول السابق، كان أبو ليث الليبي وهو قائد كبير في حركة طالبان، الذي قتل في 31 يناير/كانون الثاني إثر قصف صاروخ وسقط 11 آخرون.
وفي 26 مارس/آذار، نشرت صحيفة واشنطن بوست الأميركية تقريرا يفيد بازدياد عدد الضربات الناجحة التي استهدفت طالبان والوحدات المتمردة الأخرى في المناطق القبلية بباكستان. ثم تلاه مقال يقول إن طالبان قامت، ردا على ذلك، بقتل عشرات المشتبه بهم في تزويد الولايات المتحدة وحلفائها بمعلومات حول أماكن قادة طالبان.
ويعتقد أن العديد من الضحايا هم من الجواسيس الأميركيين، وقد تم تسجيل بعض إعداماتهم –أحدها كان بجز الرأس- وتوزيعها على دي في دي تحذيرا للآخرين.
ليس من السهولة بمكان تكرار ذلك البرنامج في إيران. “فالكل يجادل حول قائمة الأهداف ذات القيمة العالية” كما يقول المسؤول السابق في المخابرات.
“إن عناصر العمليات الخاصة شعروا بالإحباط لأن مكتب تشيني وضع أولويات لأنواع الأهداف، وهاهو الآن ينفد صبره ويمارس الضغوط من أجل تحقيق النتائج. ولكن الأمر يستغرق وقتا طويلا للوصول إلى الأشخاص المناسبين من أجل تحقيق الأهداف.
المستشار في البنتاغون قال لي “إن نتائجنا في القرن الأفريقي كانت رائعة نتيجة لاستخدام بدائل وأعلام مزيفة وهي الأساليب الأساسية لمكافحة التجسس ومحاربة التمرد”.
وقد بدأنا نشعر بالقلق والاضطراب في أفغانستان. غير أن البيت الأبيض سيقتل البرنامج إذا ما استخدمه في الحالة الإيرانية، فما يجري من استخدام ضربات انتقائية واعتقالات في وزيرستان شيء وفي إيران شيء آخر.
البيت الأبيض يعتقد أن مقياسا واحدا يناسب أحجام الجميع، غير أن القضايا القانونية التي تحيط بعمليات الإعدام التي تجري خارج نطاق القضاء في وزيرستان أقل إشكالية، لأن القاعدة وطالبان تعبران الحدود إلى أفغانستان وتعودان ثانيا بسبب مطاردة القوات الأميركية والناتو لهم. الوضع ليس جليا في الحالة الإيرانية، لا سيما أن جميع الاعتبارات -قضائية وسياسية وإستراتيجية- مختلفة تماما في إيران”.
وأضاف المستشار “ثمة معارضة كبيرة داخل الوكالة الاستخبارية لفكرة شن حرب سرية داخل إيران، واستخدام البلوشيين والأهواز. إن قادة وكالة العمليات الخاصة تملك شجاعة لافتة، ولكنهم قد لا يرفعون صوتهم ضد تلك السياسة. إيران ليست وزيرستان”.
استطلاع غالوب الذي أجري في نوفمبر/تشرين الثاني قبل نشر تقييم المخابرات القومي، وجد أن 73% ممن استطلعت آراؤهم يعتقدون أن على الولايات المتحدة أن تلجأ إلى الطرق الدبلوماسية والعقوبات الاقتصادية لوقف برنامج إيران النووي، في حين أن 18% فقط فضلوا العمل العسكري المباشر.
الجمهوريون أكثر ميولا للضربة العسكرية من الديمقراطيين. إن القلق الذي صاحب الحرب في العراق أثر دون أدنى شك في تحمل الرأي العام لأي ضربة عسكرية ضد إيران. وهذا المزاج العام قد يتغير بسرعة.
إن احتمال التصعيد أضحى جليا مطلع يناير/كانون الثاني عندما قامت خمس زوارق إيرانية -يُعتقد أنها تنضوي تحت قيادة الحرس الثوري- بسلسلة من الحركات العدوانية تجاه ثلاث سفن بحرية كانت تسير في مضيق هرمز.
وقد أشارت تقارير أولية حول الحادث صدرت عن المكتب الإعلامي في البنتاغون إلى أن الإيرانيين بثوا لاسلكيا تهديدات إلى السفن تفيد بتفجيرها. وفي مؤتمر صحفي في البيت الأبيض، وصف بوش في اليوم الذي توجه فيه إلى الشرق الأوسط، الحادث بأنه استفزازي وخطير، وكان هناك شعور بالأزمة والسخط حيال إيران. وجاء أبرز عناوين إحدى الصحف البريطانية “دقيقتان من الحرب”.
غير أن نائب الأميرال كيفن كوسغريف وهو قائد القوات البحرية الأميركية في المنطقة سارع إلى نزع فتيل الأزمة، فقد أبلغ هيئة الصحافة في البنتاغون عبر مؤتمر مصور عن بعد من مقر قيادته في البحرين في السابع من يناير/كانون الثاني بأنه لم يتم إطلاق طلقات تحذيرية.
“نعم، إنه أكثر خطورة مما شاهدناه، ولكن لنضع الأمور في نصابها، نحن نقوم بالتفاعل والاتصال مع الحرس الثوري الإيراني والملاحة البحرية بشكل منتظم” كما قال كوسغريف. وأضاف “لم أشعر من خلال التقارير التي تلقيتها بأن هناك ما يستدعي الخوف من الزوارق الخمسة”.
كان لحذر كوسغريف ما يبرره، ففي غضون أسبوع أقر البنتاغون بأنه لا يستطيع بشكل حاسم تحديد ما إذا كانت الزوارق الإيرانية هي مصدر البث الإذاعي المشؤوم، وأشارت تقارير صحفية إلى أن البث جاء من قبل جهة مخادعة معروفة منذ زمن طويل بإرسال رسائل مزيفة في المنطقة.
ورغم ذلك، فإن تصرف كوسغريف أثار سخط تشيني، وفقا للمسؤول السابق في المخابرات. ولكن الدرس من هذا الحادث قد تم استيعابه: وهو أن الرأي العام أيد فكرة الانتقام، بل وتساءل عن سبب عزوف الولايات المتحدة عن عمل أي شيء.
المسؤول السابق قال إنه بعد أسابيع قليلة جرى اجتماع في مكتب نائب الرئيس، وكان “الموضوع يتمحور حول كيفية خلق أسباب لشن الحرب بين طهران وواشنطن”.
في يونيو/حزيران، قام الرئيس بوش بزيارة وداعية إلى أوروبا وشرب الشاي مع ملكة بريطانيا إليزابيث الثانية وأكل الغداء مع الرئيس الفرنسي وقرينته. وكانت المحادثات الجادة قد جرت بعيدا عن الأنظار، واشتملت على سلسلة من اللقاءات حول الجهود الدبلوماسية الجديدة التي تهدف إلى إقناع الإيرانيين وقف برنامج تخصيب اليورانيوم.
(إيران تقول إن برنامجها النووي لأغراض سلمية وقانونية حسب معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية). وزيرة الخارجية الأميركية شاركت في تطوير رزمة جديدة من الحوافز، غير أن موقف الإدارة التفاوضي بدا كما هو: لا يمكن إجراء محادثات حتى توقف إيران برنامجها.
الإيرانيون من طرفهم رفضوا بشكل قطعي الشروط المسبقة، تاركين الوضع الدبلوماسي أمام طريق مسدود. ولم يردوا رسميا حتى الآن على الحوافز الجديدة.
إن هذا المأزق المستمر يؤرق العديد من المراقبين، فقد كتب وزير الخارجية الألماني السابق جوشكا فيشر أخيرا في صحيفة مقالا يقول فيه إنه قد لا يكون “ممكنا تجميد برنامج إيران النووي خلال مدة المفاوضات لتجنب مواجهة عسكرية قبل اكتمالها كليا. وإذا ما أخفقت المحاولة الأخيرة، فإن الأمور ستزداد خطورة في الحال”.
وعندما تحدثتُ الأسبوع الماضي إلى فيشر الذي يجري اتصالات مكثفة في المجتمع الدبلوماسي، قال إن آخر طريقة أوروبية تشمل عنصرا جديدا: استعداد أميركا والأوروبيين للقبول بشيء يقل عن الوقف الكامل للتخصيب كخطوة وسطية.
“الاقتراح يفيد بأن على الإيرانيين وقف تصنيع أجهزة الطرد المركزي الجديدة ويقوم الطرف الثاني بوقف نشاطات العقوبات الأخرى في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة” كما يقول فيشر، رغم أنه يتعين على إيران تجميد نشاطات التخصيب عندما تبدأ المفاوضات الرسمية. “وقد يكون ذلك مقبولا لدى الإيرانيين إذا كان لديهم نوايا حسنة”.
أما القضية الكبرى، يضيف فيشر، فهي في واشنطن. “أعتقد أن الأميركيين منقسمون على أنفسهم حيال قضية ما يجب فعله تجاه إيران”.
“بعض المسؤولين يشعرون بالقلق إزاء نتائج الهجوم العسكري ويعتقد آخرون أن الهجوم لا يمكن تجنبه. إنني أعرف الأوروبيين، ولكن ليس لدي أدنى فكرة حول ما ستؤول إليه هذه القضية عند الأميركيين”.
هنا قضية معقدة أخرى: السياسات الرئاسية الأميركية. كان باراك أوباما قد قال إنه إذا ما انتخب رئيسا للبلاد سيبدأ بمحادثات مع إيران دون شروط انهزامية مسبقة (رغم أن ذلك فقط سيكون بعد وضع قاعدة دبلوماسية) صحيفة واشنطن بوست نقلت عن راندي تشونيمان مدير الأمن القومي لحملة ماكين قوله إن ماكين يؤيد موقف البيت الأبيض، وإن البرنامج يجب تعليقه قبل البدء في المحادثات. ما يقترحه أوباما بحسب تشونيمان هو مجرد عقد مؤتمر لراعي بقر من طرف واحد.
إن تشونيمان المعروف بأنه محافظ يعد أهم قناة اتصال بين ماكين والبيت الأبيض. وهو صديق ديفد أدينغتون كبير موظفي ديك تشيني.
لقد سمعتُ تقارير مختلفة حول تأثير تشونيمان على ماكين رغم أن بعض المقربين من حملة ماكين يتحدثون عنه كمستشار محتمل للأمن القومي إذا ما انتخب ماكين، ويقول آخرون إنه شخص لا يؤخذ به على محمل الجد، بينما “يبلغ تشيني وآخرون ما يريدون أن يسمعوا” بحسب أحد مستشاري ماكين.
من غير المعروف ما إذا كان ماكين وهو الشخصية الجمهورية رفيعة المستوى في لجنة الخدمات العسكرية التابعة لمجلس الشيوخ قد اطلع على العمليات في إيران.
وقد كرر أوباما في المؤتمر السنوي للجنة العلاقات الأميركية الإسرائيلية العامة في يونيو/حزيران دعوته إلى اللجوء إلى “الدبلوماسية القاسية والمناسبة “. ولكنه أيضا قال إلى جانب ماكين إنه سيبقي على التهديد بالعمل العسكري ضد إيران ضمن الخيارات المحتملة.
الجزيرة نت