ثورة ليبيا

ليبيا… يتبع !

سميح صعب
يختلف مشهد التغيير بين ليبيا وكل من تونس ومصر. ومحق معمر القذافي عندما يقول انه ليس زين العابدين بن علي او حسني مبارك. انه يأخذ ضمناً على الرجلين رضوخهما للانتفاضتين الشعبيتين في بلديهما عندما قررا التنحي كل على طريقته. ويشعر القذافي بأن مبارك وبن علي تركاه وحده في مواجهة عاصفة التغيير في المنطقة. ولو كان رأسا النظامين في تونس ومصر لا يزالان في السلطة لما كان الشعب الليبي تجرأ على حاكمه.
بهذا المعنى يبدو القذافي وحيداً ليس في مواجهة المطالبين بالتغيير في ليبيا وحدها. لقد تشجع الليبيون بسقوط رأسي النظامين التونسي والمصري، وبات من الصعب ارجاع عقارب الساعة الى الوراء. وحتى الاستعانة بالمعطى الاجتماعي الموجود في ليبيا مثل التركيبة القبلية او التهديد بحرب اهلية او بتقسيم البلاد الى دويلات متناحرة او التلويح بالعودة الى عصر ما قبل النفط، كلها عناصر لم يعد من الممكن ان تعيد للقذافي ما فقده وهو إرهاب الشعب وتخويفه. كما ان التهويل بهذه الاوراق لم يعد في امكانه اقناع الناس بالتراجع عما حققته ألا وهو كسر حاجز الخوف الجاثم على صدور الليبيين منذ 42 سنة.
كل ما في امكان القذافي ان يفعله الآن هو ان يطيل معركة اسقاطه ليس إلا. والحرب الاهلية التي يلوّح بها لو حصلت فإنه سيكون خاسراً فيها، وهي لن تعيد توحيد البلاد تحت سلطته، وكل ما في الأمر انها ستشكل عامل استنزاف للبلاد كلها. ولا يبدو ان شعار انا او الفوضى سيجدي في وقف نزوع الليبيين الى التغيير، مدفوعين بالنموذجين التونسي والمصري وعوامل داخلية.
وهنا تجدر الاشارة الى ان ما يحدث في ليبيا ما كان ليحدث لو انه لم تكن هناك تربة صالحة لحدوثه. ما كان التغيير الذي حصل في تونس ومصر وحده كافياً لدفع الليبيين الى التجرؤ على نظام القذافي. لا بد ان العوامل الذاتية والاحتقان الذي كان يعتمل داخل المجتمع الليبي على مدى عقود، هي الاساس الذي دفع الشعب الى النزول الى الشارع. تونس ومصر كانتا العامل المشجع كي يترجم الليبيون ما يفكرون به على ارض الواقع.
ولا شك في ان القذافي ادرك فور فرار بن علي ان ثمة شيئاً غير عادي قد يحدث في المنطقة وان تونس لن تكون حالة معزولة، لذلك خرج الزعيم الليبي بعد ساعات من نبأ رحيل بن علي على شاشات التلفزيون ليؤنب الشعب التونسي مخاطباً إياه بأن الرئيس التونسي السابق لم يفعل ما يسيء الى تونس، وتالياً كان قرار الانقلاب عليه خاطئاً.
وفي الايام الاخيرة قبل تنحي مبارك، داوم القذافي على الاتصال بالرئيس المصري السابق، وكان يدافع عن سجله المالي الذي كان محط انتقاد من المحتجين في ميدان التحرير.
وبالدفاع عن بن علي ومبارك كان القذافي في الواقع يدافع عن نفسه وكأنه كان يعرف سلفاً انه لن يستطيع درء عاصفة التغيير عن نظامه. وها هو الآن يحاول تأخير السقوط من خلال تأنيب الشعب المطالب برحيله والتذكير بـ”المجد” الذي حققه لليبيا.
ومهما كانت الدوافع التي حدت بالليبيين الى المطالبة بالتغيير، فإن الشعب يعيد اليوم صوغ خريطة سياسية جديدة لبلاده بعد سبات طويل. والليبي يشعر بأنه يجب ان يكون على قدم المساواة مع التونسي والمصري الذي تمكن أخيراً من تحريك المجتمع وصنع التغيير والمطالبة بأبسط حقوق المواطن ألا وهو الكرامة التي تأتي قبل الخبز أحياناً.
النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى