صفحات سورية

وجهاً لوجه : السلطة والمعارضة في سورية


ثائر الناشف

تمعن السلطة الحاكمة في سورية برصد تحركات المعارضة السورية داخلياً وخارجياً , لأسباب تعتبرها جوهرية لمواجهة كل تحرك من شأنه المس بأمنها القومي وإضعاف صورتها أمام الشارع السوري المؤلف من طبقات مسحوقة لتدني مستويات عيشها الكريم , رصدها الأخير انصب حول حركة إعلان دمشق , الذي شكل نشاط أعضاؤه ببيانهم الأخير تجاوزاً لكل الخطوط والسقوف بحسب موقف السلطة , قد يكون تحرك النملة من جحرها أنشط وأسرع من تحرك الإعلان برمته.

على أي حال , حتى النملة يحسب لها ألف حساب إذا قامت بحركة مفاجئة من دون علم السلطة , فما بالنا إذا تجمعت جزر المعارضة المبعثرة ؟ وباعتقادي كعربي متابع لما يجري في العالم العربي من شد وجذب بين مكونات مجتمعاته , ولست سورياً كي لا أحسب على جهة من الجهات , وبالتالي التعاطف والميل مع أحد المشاريع الجهنمية المعدة لتفتيت العرب كشعب قبل أن يكونوا كأمة , ومن هذه المشاريع .. المشروع الفارسي الشيعي , والأميركي التقسيمي , والإسرائيلي التفتيتي , والكردي الفيدرالي .. ولهذا السبب قلت بأنها سلطة ولم أقل نظام سوري , رغم انزعاج أهل السلطة من نعتهم بكلمة نظام , قانونياً السلطة هي الوجه الآخر للسيادة ومن يملك السيادة يملك الشرعية , والشرعية لا تكتمل بغير سلطة تأتي من خلالها سواء بانتخاب أو بانقلاب أو ببيعة .

بالمقابل تفتقر المعارضة لأن يقال عنها معارضة بالمعنى الواسع للكلمة , لجملة من الأسباب , أولاً .. لعدم اعترف السلطة بها , ثانياً, لتشتت برامجها وتعدد شخوصها على مستوى الزعامة , ثالثاً , لشدة الاتهامات المتبادلة بين أعضائها , رابعاً , لبعدها عن هموم الشارع المسحوق الذي تعتبره شعبوياً أقل ثقافة من ثقفتها , وحاجاته الكثيرة التي تعجز السلطة عن تلبيتها بخططها الثلاثية أو الخماسية التي لا تنتهي .

أما الشيء الايجابي الذي يحسب للمعارضة , عدم دورانها في الأفلاك الإقليمية ’ وقلة ارتباطها بسياسات الأحلاف الكبرى القائمة , فلا تقارن ارتباطات المعارضة السورية بارتباطات المعارضة اللبنانية , حزب الله الذي يتزعم المعارضة اللبنانية , هو رافعة ولاية الفقيه , والحامل الأول للمشروع الشيعي بكل أخطاره المذهبية , تحت عنوان مقاومة المشروع الإسرائيلي واسترجاع فلسطين التاريخية من البحر إلى النهر .

كذلك حركة حماس , لم يعد همها الالتزام ببرنامج إصلاح وتحرير أراضي عام 67 , بقدر ما يهمها تمتين صلاتها بإيران وصولاً للإيقاع بسلطة الرئيس عباس , التي ناورت بداية ثم اعترفت بسلطته بدليل تشكيلها حكومة هنية المقالة ومشاركتها الانتخابات التشريعية , هذا عدا عن المعارضة العراقية التي تحكم بغداد اليوم وارتباطها الفاقع بإيران وأميركا .

قد يجادل أهل السلطة أن زيارة المعارض فريد الغادري لإسرائيل , أقوى دليل على ارتباط المعارضة بالمشروع الإسرائيلي الأخطر بين المشاريع كافة , أو لعل ما نشرته السيدة ماريا معلوف من معلومات مطعون بصحتها تفيد حسب ادعاءات معلوف بارتباط ميشيل كيلو بفريق 14 مارس الحاكم للبنان , والمصنف من قبل السلطة السورية بالمنتج الإسرائيلي , وبعقلية السلطة , إذا صادف (س) السوري (ع) اللبناني وكان (ع) اللبناني أميركي الجنسية فهذا يعني أن (س) السوري متآمر على السلطة والوطن , فماذا لو كان (ع) اللبناني مصنف بأنه يحمل الجنسية الإسرائيلية , أي مصير سينتظر (س) السوري عندها؟.

مصير كيلو السجن رغم عدم صحة معلومات معلوف , أما مصير الغادري الذي زار إسرائيل تحت الضوء , والتقى قياداتها , تم سحب جنسيته السورية التي لا يزيد عمرها عن تسع سنوات فقط , رغم عدم حاجته له في الوقت الحاضر كونه يحمل الجنسية الأميركية , الجنسية الأعظم والأقوى في العالم . فزيارة الغادري تأتي من باب رد الاعتبار الشخصي – قبل أن تكون ممثلة لشريحة واسعة من المعارضة – على زيارة رجل الأعمال إبراهيم سليمان , على مبدأ (أنا) هنا يا سلطة , وليس على مبدأ (نحن) هنا .

علماً أن إسرائيل بعكس العرب , تصغي جيداً لوجهات النظر المختلفة قبل أن تدلي بدلوها والإقدام على أي خطوة , وهي لن تقدم على إعادة الجولان طال الزمان أم قصر , مع ذلك ترحب بأي زائر يهبط في مطار اللد (بن غوريون) من باب الاعتراف بها شيئاً فشيئاً

تقف السلطة والمعارضة على مسافة واحدة بالنسبة لإسرائيل , لا لكونها العدو المشترك لكليهما أو لأنها تحتل فلسطين , بل لأنها الجار الأشد خطراً , إن حرباً أو سلماً , وتبقى قضية الاعتراف بها الحد الفاصل بين السلطة والمعارضة , في الشكليات لا أحد يعترف بها ,أما الجوهر فلا يعني الاعتراف بها وحسب , بل لا يستطيع أحد أن يستمر في الحكم أو يصل إليه دون القبول بوجودها كأمر واقع, رغم عدم شرعية وجودها, فإسرائيل ككيان ونظام قادرة على زعزعة كيان الأنظمة المجاورة لو شاءت بوسائل غير مكشوفة .

بالغوص في أعماق الداخل يتبين أن أي فرد قد يكون له تأثير على السلطة أكثر من المعارضة , ربما تلجأ السلطة إلى هذا التكتيك للشعور بالعظمة للقول إنه لا توجد معارضة أو لا وجود لها حتى إن وجدت .

نستذكر هنا ما قاله وزير الخارجية وليد المعلم لفضائية ANB حينما سألته الزميلة زينة فياض عن المعارضة التي يتزعم عبد الحليم خدام أحد أجزائها, أجابها المعلم بأنه لا توجد معارضة وأننا لا نحسب لها حساباً ونشغل بالنا بها , واستدرك قائلاً … المعارضة الحقيقية هي المعارضة في لبنان .

على كل حال لا تخفي السلطة السورية تعاطفها وتأييدها للمعارضة اللبنانية حتى الساعة , ويبدو أن المعارضة في مفهوم السلطة السورية هي المعارضة التي تشل حركة البلد وتنصب الخيام في وسطه وليست خطابية إلكترونية كحال المعارضة السورية.

مهما اشتدت الادعاءات والأقاويل عن دور السلطة في زعزعة الأوضاع في لبنان والتأثير على الفصائل الفلسطينية , تظل هذه السلطة صمام أمان ضد أي انفجار يستهدف الداخل السوري , رغم كثرة الانفجارات والاضطرابات الحاصلة في المحيط , فالأمن المفقود في المحيط توفره السلطة وتحافظ عليه بشتى الوسائل , انطلاقاً من حاجتها الماسة للأمن لأنه يشكل الحلقة الأقوى في بنية السلطة , وأي إضعاف لهذه الحلقة هو إضعاف للسلطة , لهذا السبب لا تعير السلطة بالاً للمعارضة , طالما أنها توصد أبواب (الفوضى) جيداً , فعندما ترفض السلطة الحديث مع المعارضة والاصغاء إليها بعقد مؤتمر وطني يؤسس لعلاقة جديدة بينهما , فإن أسباب رفضها ناجمة عن الخشية من عواقب وتداعيات فتح الأبواب الموصدة أمام المعارضة , فالسلطة مترددة في فتح الأبواب أو لا تريد فتحها , تطبيقاً لمبدأ (الباب الذي يأتيك منه ريح سده واستريح) ولو حاولت المعارضة فتحه كمحاولة إعلان دمشق الأخيرة , فإن السلطة ستعتبره تهديداً وإضعافاً لحلقة أمنها القومي , لذا لم يكن مستغرباً الأحكام التي صدرت بحق أنور البني وميشيل كيلو , صيغة الحكم الأساسية المس بالأمن القومي .

تتوهم السلطة والمعارضة في التسابق بتأمين متطلبات الشريحة الأوسع في الشارع , شريحة الشباب , فالمعارضة وتحديداً جبهة الخلاص لا تهدأ قنواتها بإرسال الرسائل الحماسية إلى هذه الشريحة , عاقدة الآمال عليها بالتغيير كما لو أنها تخاطب الشباب الأوكراني أو كأن الشباب السوري على جبل من قش, شرارة واحدة تكفي لإشعاله , ولا تعلم أن صواعق البطالة والعطالة والفساد النازلة على رأسه جعلته مخصياً هارباً من واقعه إلى الجحيم , ولا تقل مراهنة السلطة عن المعارضة فيما يخص هذه الشريحة المغلوبة , فخطاب السلطة يشعر المرء بأن ما يحصل عليه الشباب من نعيم أبدي , لا يحصل عليه وهو في الجنة, قد توجد ثلة من الشباب المحسوبين على السلطة يحظون برعايتها ونفقتها , وهم بكل الأحوال لا يعضون اليد التي ترعاهم , فتظن السلطة أنها تحمل جميع الشباب على أكتافها, فيما الواقع يشي بأن غالبية هؤلاء الشباب أصبحوا تحت الأرض.

والمثير للسخرية أن السلطة حمّلت ذات مرة بلسان وزير إعلامها محسن بلال في لقاء مع قناة الجزيرة, حكومة فؤاد السنيورة بأنها والأكثرية النيابية , اسهمتا في ترحيل وتهجير الشباب اللبناني إلى الخارج , لو يعلم الوزير بلال كم هي أعداد الشباب السوري في الخارج لما نبس ببنت شفة , عدا عن الشباب الذي يعيش الغربة في الداخل.

ختاماً ,الكفة ستبقى تميل لصالح السلطة أمنياً وسياسياً وحتى اجتماعياً , ليس لأن الشباب يقف بثقله وراءها – هو خارج هذه المواجهة لو دخلها لقال كلمته وحسم المواجهة من الجولة الأولى – بل لأنها تملك مفتاح الباب الذي لو فقدته سيؤدي إلى انتقال الكفة لصالح المعارضة .

لا يوجد في الأفق ما يشير بأنها ستفقده, إن فقدته فإنها تحتفظ لنفسها بنسخة مشابهة طبق الأصل, لا تملكها المعارضة ولا تملك بديلاً عنها .

كاتب عربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى