صفحات مختارة

تساؤلات بشأن التحول الديموقراطي في العالم العربي

عبدالله تركماني()
يشهد العالم اتجاهاً متزايداً نحو الديمقراطية منذ نهاية الحرب الباردة في العام 1989، ولعل من المفارقة أنّ رياح التحولات الديمقراطية التي هبّت على العالم انكسرت عند حدود العالم العربي.
ما يثير تساؤلات عديدة: هل تتوافر شروط حقيقية لصياغة مشاريع تحول ديمقراطي في العالم العربي تحول دون احتمال قيام مشاريع ظلامية أو حروب أهلية تغرق بلداننا في المزيد من التأخر والمزيد من الأزمات؟ مَن هي القوى المؤهلة لصياغة تلك المشاريع، وما هي أدواتها وما هي قدراتها على جعل تلك المشاريع قادرة على جذب الجماهير إليها، بعد كل الخيبات التي أُصيبت بها مشاريع الإصلاح في الحقبة الماضية؟ وهل تستطيع الدول العربية التي لم تتعاطَ ـ بعد ـ مع متطلبات التغيير والإصلاح والديموقراطية بأن تبقى على حالها دون إصلاحات وتغييرات وتجديد؟ هل تجاوزت رياح الإصلاح والدمقرطة المنطقة العربية وتركتها تتخبط في استبداداتها، وفشلت في إحداث التغيير المنشود؟ وهل عادت السياسة الأميركية تحديداً والغربية عموماً إلى سابق عهدها حيث يتأسس تعاملها مع المنطقة وشعوبها وأنظمتها على قاعدة “الوضع القائم”؟ وهل ما زالت القوى والبنية الداخلية في أغلب المجتمعات العربية عاجزة فعلاً عن إجبار “الوضع القائم” على التغير والانفتاح نحو دمقرطة حقيقية؟
وعلى مستوى آخر: ما هي الأسباب الحقيقية لمقاومة التحول الديمقراطي في العالم العربي؟ هل هي الثقافة السياسية السائدة التي ترفض من ناحية المبدأ القيم الديمقراطية؟ هل هي التيارات الإسلامية التي ترى أنّ الديمقراطية نظام غربي مستورد لا يتفق مع مبدأ الشورى الإسلامي؟ أم لأنه ليس هناك طلب حقيقي من قبل الجماهير للديمقراطية؟ هل لأن المجتمع المدني العربي، بما فيه من أحزاب سياسية ومنظمات متنوعة، من الهشاشة أو الضعف بحيث لا يستطيع فرض الخيار الديمقراطي على النظم السياسية الحاكمة؟
الإجابات عن هذه الأسئلة وغيرها هي في غالبها محبطة، وربما أكثر الخلاصات إحباطاً هي مسألة الحاجة إلى دور حاسم من الخارج للضغط باتجاه الدمقرطة والإصلاح السياسي، وأنه من دون هذا الدور فإنّ القوى الداخلية أضعف من أن تحقق التغيير المنشود. لكنّ المعضلة الكبيرة هنا تكمن في أنّ الدور الخارجي فاقد للمصداقية السياسية، واهتمامه بهذه الأجندة أثار شبهات عميقة ليس فقط حول الغايات النهائية، بل تسبب أيضا في إثارة سمعة سيئة حول المشروعات الديموقراطية نفسها.
وفي الواقع يختلف المحللون في تقييمهم لطبيعة التطورات التي تشهدها بعض البلدان العربية على صعيد التحول الديمقراطي. فبين مشكك في جدية ومستقبل “المشهد الديمقراطي”، ومتفائل بما يمكن أن يفرزه هذا المشهد من آثار مجتمعية إيجابية، حتى وإن كانت بطيئة، على المدى البعيد. ولكن تظل هناك بعض الظواهر المهمة التي يمكن الاتفاق عليها والتي تؤثر بشكل كبير على إمكانات مسار التحول الديمقراطي.
1 ـ هيمنة نخبة سلطوية على عملية التحول، إذ ما تزال النظم تحتكر الهيمنة على السلطة السياسية وتحول دون اكتساب فاعلين سياسيين الخبرة السياسية المؤثرة والقدرة على تفعيل مجتمعاتهم وأخذ زمام المبادرة، كما يبدو أنّ عملية التحول تتقدم ببطء شديد أو تراوح مكانها أو تتراجع في بعض الحالات.
2 ـ وضوح المطالب وغموض الوسائل، الظاهرة الأخرى اللافتة للانتباه هي اتفاق الفاعلين السياسيين على التحول والانتقال الديمقراطي كهدف استراتيجي، مع عدم وضوح الرؤية حول وسائل تحقيق هذا الهدف وطرق تعزيز هذه الأهداف.
3 ـ الدور الخارجي، إنّ اهتمام الأطراف الخارجية، خاصة الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي، بالدفع بأجندة الإصلاح ودعم التحول الديمقراطي قد أثار جدلاً كبيراً وشكوكاً كثيرة. إذ يبدو أنّ الغرب لا يزال غير قادر على تبنّي الخيار الديمقراطي في المنطقة، لما قد يفرزه من وضعية جديدة غير موالية للمصالح الغربية.
وبشكل عام فإنّ الملاحظ لحالة الديمقراطية في بلادنا العربية, لابد أن يتوصل إلى استنتاجين أساسيين: أولهما، أنّ المنطقة العربية مازالت من أقل مناطق العالم تأثراً بالتطور الديمقراطي الذي يشهده العالم, والذي يتضمن انتقال نظم الحكم من الاستبداد إلى الديمقراطية، نحو أشكال أكثر تعددية وتنافسية واحتراماً لمنظومة حقوق الإنسان. وثانيهما، أنه في أغلب البلدان العربية توجد تجاذبات عديدة حول منهج وأسلوب تعزيز التطور الديمقراطي وغايته.
لقد حان الوقت للإصلاح والتحول الديمقراطي لبدء الطريق نحو التخلص من التبعية والتهميش وإعادة إنتاج الفقر والتأخر والتفاوت والجهل والتسلط، وذلك من خلال الاعتراف بانهيار عصر عربي بأنظمته وأحزابه ومؤتمراته وعقائده، وإجراء مراجعة شاملة للشعارات الكبيرة المعتمدة على أفكار تجاوزها الزمن، ونقد للذات، والبدء بقبول وفهم الوقائع العالمية الجديدة وانعكاساتها المحلية، ووضع حلول للحاضر والمستقبل لا تُستحضر من مفاهيم الماضي إلا بمقدار ما تنطوي على جدوى للحاضر والمستقبل.
() كاتب وباحث سوري مقيم في تونس
المستقبل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى