صفحات سورية

إبتسامات في دمشق

null
جاكي خوجي
في احدى لحظات الذروة للانتفاضة الثانية قررت حكومة شارون الاعلان عن عرفات “شخصية غير ذات صلة”. أعلنت ولم تكف عن البحث عن الوسائل للتصدي له. هكذا هو بشار الاسد من ناحية الولايات المتحدة. من شدة ما طلبت واشنطن عزله، لم تكفّ عن التردد في الاستراتيجية التي ينبغي تبنيها لاجل احناء رأسه.
ولكن من تابع في الاشهر الاخيرة الخطوات السياسية للزعيم السوري فانه لم يرَ احتفالا كهذا. الاسد نزل عند ساركوزي، استضافه في دمشق، استقبل بحرارة في نيودلهي، تصاحب مع اردوغان، تبادل الابتسامات في موسكو وجلب ايهود اولمرت الى طاولة المفاوضات بعد ثماني سنوات من الجمود العميق.
القدس لم تسجل حتى الان ولو ذرة انجاز في هذه المحادثات، ولكن ليس هكذا في دمشق: حتى الآن، تلوح الاتصالات في اسطنبول كبداية خروج سوريا من العزلة الخطيرة التي فرضت عليها. الاهداف التالية للاسد هي تحسين العلاقات الباردة مع دول اوروبية اخرى وفتح محور من جديد للحوار مع واشنطن، الامر الكفيل بان يتم في كانون الثاني المقبل، مع التغيير في الادارة هناك.
بعد ثلاث سنوات ونصف السنة من اغتيال “سيد لبنان” رفيق الحريري وخمس سنوات من اندلاع الحرب في العراق، يتبين للاسرة الدولية ان الحملة العالمية لمعاقبة دمشق لم تعطِ الثمار المنشودة. بتأخر قليلاً، ولكن ليس كثيرا جدا، كانت باريس اول من عرف انه في حشر دمشق نحو الزاوية لن يتوب الاسد بل العكس؛ فعندما تضيق الامور عليه سيكون مضطرا للبحث عن الاستثمارات المالية والظهر السياسي والتزود بالسلاح لدى ايران الاسوأ من كل شيء آخر.
رحلة نيكولا ساركوزي الى دمشق في نهاية الاسبوع الماضي هي اول زيارة لزعيم غربي لسوريا بعد خمس سنوات. الصفحة الجديدة التي فتحها الرئيس الفرنسي في علاقاته مع الاسد تتاح بقدر كبير بفضل الضعف النسبي لادارة بوش في اشهرها الاخيرة. نهج الرئيس الفرنسي كفيل بان يرمز الى بداية نهاية العقيدة الاميركية التي فرضت على دمشق مقاطعة بالقوة تترافق ومطالب مهينة لا يمكن الاستجابة لها.
من أجل تشريع مبادراته الجديدة عمد قصر الاليزيه الى غض النظر عن طريق العنف الذي توصلت فيه الفصائل المتنازعة في لبنان الى حل مسألة الرئاسة. حكومة لبنان، التي تشكلت تحت رئيسها الجديد ميشال سليمان، هي حكومة أكثر راديكالية من سابقتها واقرب من أي وقت مضى من مواقف “حزب الله”. سوريا، التي حرّكت في الطبخة البيروتية بالتحكم من بعيد، لم تقف في وجه “حزب الله” بل ايدته. وهذا لم يمنع الفرنسيين من امتداح دمشق في أنها حضّت على الحل في لبنان. هذا لا يعني أن ساركوزي فرح بقيام حكومة “حزب الله” في لبنان ولكن عندما تريد البقرة ان تُرضع العجل اذا كان يرغب في أن يرضع، فان عليها ان تعرف كيف تغمض عينيها.
ليست هذه هي المرة الوحيدة التي تثبت فيها دمشق بان العناد مجدٍ. فعلى مدى بضع سنوات تعرض الاسد لضغوط اميركية واسرائيلية، تضمنت ايضا استخداما للخيار العسكري لاجباره على تعديل علاقاته مع المتمردين في العراق والتنكر لحماس و”حزب الله”. اما الاسد فرفض ذلك دون أن يضمن مقابلا ودفع الاسرة الدولية الى هجر خيار القوة. بعد خمس سنوات ونصف السنة من اندلاع الحرب في العراق وسنتين من حرب لبنان لا يوجد اليوم زعيم غربي يفكر بجدية في تشديد العقوبات على سوريا او تنفيذ هجوم على اراضيها.
في اسرائيل يوجد الكثيرون ممن يرون في استئناف المحادثات حيلة دمشقية ترمي الى ازاحة الضغط الدولي عن الاسد. هذه الحجة غير ذات صلة، ولكنها غير خفية ايضا. توق دمشق للتقرب من واشنطن معروف ويقال علانية. في الوضع الاقتصادي المهزوز، استثمارات اميركية وازالة العقوبات التي فرضت عليها هي أهداف ملحة حتى قبل استعادة الجولان. في هذه الاثناء، بينما تغرق اسرائيل في حروب داخلية وتسعى بيأس لايجاد رئيس حكومة تالٍ لها، يجني الاسد الارباح. في شرق اوسط متطرف ومتأصل الزمن هو ذخر. وفقدانه قد يكلف حياة البشر. من يدري ماذا سنفوت الى أن تقرر واشنطن والقدس ما الذي تريدانه بالضبط في القناة السورية.

(“معاريف” 7/ 9/ 2008)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى