سجن صيدنايا ومقولة: أُكِلـْتُ يوم أُكِلَ الثور الأبيض
نـوري بـريـمـو
في سابقة أخرى خطيرة، وبحجة أنّ بعضاً من السجناء ((الإسلاميين حسب زعم السلطات)) كانوا ينوون أو يتهيّأون للقيام بعصيان مدني داخل السجن ، إقترفت أيادي أجهزة الأمن السورية مجزرة أخرى جماعية بحق العشرات من معتقلي الرأي والضمير المحبوسين على خلفيات مختلفة وأحكام صورية وظروف إعتقال لا تطاق تحت وطأة المعاملة الرديئة التي يتعرّضون لها في تلك الزنازين الظلماء بسجن صيدنايا العسكري الواقع شمال وبالقرب من العاصمة دمشق، وذلك في صبيحة يوم السبت (5 ـ 7 ـ 2008م) وإستمرت فيه القلاقل وسط تكتم إعلامي حكومي حتى اليوم التالي، حيث إقتحمت الشرطة العسكرية التي كانت بالمرصاد كافة الزنزانات بشكل عنفي تخلـّله إطلاق رصاص حي أدى إلى مقتل العشرات بحسب التقديرات الأولية التي تطرّقت لذكر بعض أسماء الضحايا.
وقد أفادت مصادر حقوقية خبرية إتصلت هاتفياً مع بعض المساجين وإلتقت بعدد من ذوي المعتقلين الذين حاولوا الإقتراب من موقع الحدث بشق الأنفس ودون جدوى، بأنّ مظاهر عسكرة حلول المشكلة كانت فاضحة لسلوك الجهات الأمنية ، ويُقال بأنه كان يُشاهَد دخول وخروج سيارات الإسعاف والإطفائية وسط دخان أسود متصاعد من المبنى وصعود مئات السجناء وتحصّنهم على سطح السجن الذي بات مطوقاً ومعزولاً عن الخارج بعد أن أضحى محيطه أشبه ما يكون بثكنة عسكرية معززة بشتى صنوف العتاد والسلاح والأفراد، في حين سارت الأمور بإتجاه المزيد من المفاقمة والتصعيد اللذان قد نجم عنهما مزيداً من سفك الدماء، وما قد ينجم عنه مختلف التبعات والتداعيات داخل السجن وخارجه.
يُذكـَر بأنّ غالبية المعتقلين المحتجزين في سجن صيدنايا العسكري، هم من العسكريين المحكوميين والإسلاميين واللبنانيين والفلسطينيين ومن السياسيين الكورد وباقي أطياف المعارضة الديموقراطية السورية الساعية لمراكمة حراكها السلمي الهادف لإجراء تغيير جذري من شأنه الإتيان بالبديل الديموقراطي الذي يُعتبَر المرتكز الرئيسي لبناء الدولة المؤسساتية العصرية عبر الحوار والتوافق والإقرار بالتعددية السياسية والقومية والدينية والطائفية في إطار الكل السوري المختلف، والقبول بمبدأ التداول السلمي للسلطة التي ينبغي عدم إحتكارها من قبل أية جهة كانت، أي بناء سوريا العدل والحق والقانون والإنصاف.
ويُعَـدُّ هذا الهجوم المسلـّح على أناس مسجونين عزّل، ليس الأول الذي تقترفه أجهزة أمن النظام السوري، فقد سبق لهذه الأجهزة الحاكمة بالعرفي والفارضة لحالة الطوارىء أنْ عبثت بأمن المواطنين وإقترفت بحقهم جرائم بشعة لأكثر من مرّة وفي أكثر من مناسبة وبلا أية مناسبة، والشواهد في هذا المجال اللاديموقراطي كثيرة وتشهد عليها عملية الإحراق المتعمّد لسينما عامودا التي كانت مكتظة بمتفرّجين كورد معظمهم من النساء والأطفال الذين قضوا نخبهم جمعاً، وحادثة إضرام النار في سجن الحسكة التي أودت لمقتل عشرات السجناء الكورد، وأحداث حماه وجسر الشغور وقرية عتمة وحي المشارقة بحلب وسجن تدمر وغيرها من الإنقضاضات العسكريتارية التي قطفت بحصيلتها رؤس آلاف المواطنين السوريين وشرّدت ونفت عشرات الآلاف من المعارضين للنظام في حقبة الثمانينات من القرن الماضي، وأيضاً إنتفاضة آذار (2004م) التي شهدتها كافة المناطق الكوردية والتي راح ضحيتها بالرصاص الحي عشرات الشهداء في كل من القامشلي وعفرين وحلب ومئات الجرحى وآلاف السجناء من باقي المناطق، وجريمة ليلة عيد نوروز (2008م) التي أدت إلى مقتل ثلاثة شبان كورد أيضاً بالرصاص على يد دورية أمنية معربدة أقدمت على ذلك الفعل الإجرامي بشكل مباغت وعلى حين غرّة…!؟، وأخيراً وقد يكون ليس آخراً هذه الجريمة النكراء التي حدثت في سجن صيدنايا الملطخ بدماء السوريين الأبرياء.
وبغض النظر عن إنتماءات الضحايا ولنفترض جدلاً بأنهم فعلاً أصحاب ميول أو توجهاته إسلاموية، فإنّ الرصد الإعلامي لحالات إنتهاك حقوق الإنسان السوري سواءً أكان عربياً أم كوردياً أم علوياً أم سنياً أم غير ذلك، وتسليط الضوء قدر الإمكان على ما يجري داخل بلدنا من مآسي بحق الأفراد والجماعات وخاصة نشطاء الحراك الديموقراطي المهتمين بالشأن السوري العام الذي بات محظوراً لا بل ممنوع الإقتراب منه، يوحي أي (الرصد) إلى أنّ هذا الإنقضاض الأمني على سجن صيدنايا تحت مسمّى مكافحة شغب الأصوليين…!؟، يعني فيما يعنيه بأنّ أهل الحكم في سوريا يطبقون بحق أهالي البلد خطط تهويشية فتنوية تعتمد على مبدأ فرّق تسد وترمي للإستفراد بفئة سورية بمعزل عن الأخرى، فعندما هدّموا حماة وقتلوا سجناء تدمر وحظروا نشاط الإخوان المسليمن وتعاملوا معهم بالإعدام وفق المادة (49) التي أدت إلى تهجير الآلاف منهم، قالت السلطة بأنها تريد تخليص البلد من هذه العصابة العميلة المتربصة بالنظام الإشتراكي!؟، وعندما إستباح عسكر النظام بالمناطق الكوردية في آذار عام 2004م، قالوا بأنهم إنما يفعلون ذلك دفاعاً عن عرين العروبة ضد الكورد المتعاملين مع الأجنبي!؟، واليوم عندما تنقض المخابرات على سجن بأكمله، يقولون بأنهم أرادوا وضع حدّ لسطوة السلفيين على زملائهم في السجن!؟.
لكنْ إلى متى ستنطلي علينا وعلى المحيط العربي والمجتمع الدولي مثل هكذا فبركات سلطوية ضغائنية غايتها هدر دماء أبنائنا أرتالاً تلو الأخرى…؟!، وألم نسمع بمقولة: أُكِلتُ حينما أُكِلَ الثور الأبيض…؟!، في الوقت الذي يتطلـّع فيه أهالي المعتقلين كافة وخاصة المنكوبين بمقتل أبنائهم، للقيام بأية مبادرة لإيقاف مثل هذه المسلكيات العنفية بحق أبنائهم الذين باتوا رهائن بشرية ليس إلا…!؟، ويطالبون قوى المعارضة السورية ومنظمات حقوق الإنسان بالتحرّك العملي والتدخل الفعلي وتكثيف الضغوط على السلطات السورية كي تخلي من جانبها سبيل هذه الجموع البشرية المحتجَزة كيفياً والتي لا حول لهم ولا قوة…؟!، ويناشدون أحرار العالم ومناصري الديموقراطية وحقوق الآدميين والشعوب للوقوف إلى جانب الشعب السوري في محنته، عسى ولعلّ السلطات السورية تكفّ عن حملات ملاحقة المواطنين ومداهمة منازلهم، على طريق إغلاق ملف الإعتقال السياسي عبر تبييض السجون…!؟.
في الختام أليس من حق الإنسان السوري كائناً من كان أن يرفع صوته عالياً لا من قبيل الشجب والإدانة فقط وإنما لتذكير أهل الحكم بأنّ: المصالحة مع الداخل ينبغي أن تسبق عملية الصلح مع إسرائيل التي يبدو أنها لن تتصالح مع سوريا وسترفع من سوية إشتراطاتها التفاوضية مادامت الأوضاع الداخلية في البلد متأزمة ومادام النظام يلعب لعبة الوقت للبقاء على رقاب العباد والبلاد.