من صيدنايا إلى الإليزيه
عريب الرنتاوي
أيا تكن تفاصيل ما وقع في سجن “صدنايا” العسكري السوري، وبصرف النظر عمّن بدأ العنف والجهة المسئولة عنه والخسائر المترتبة عليه، فإن “المجزرة” ستلقي ببعض ظلالها الكئيبة، على السياسات التي تجهد دمشق في تبنيها، و”الصورة” التي تعمل بكل جهد لإعادة رسمها وتقديمها للمجتمعين الإقليمي والدولي، فكيف ستؤثر أحداث ”صدنايا” على مسارات السياسة السورية وتفاعلاتها؟!
قبل “صدنايا” كانت المعارضة السورية تتحضر في باريس لتنظيم احتجاجات واسعة متزامنة مع زيارة الرئيس السوري بشار الأسد المنتظرة لدمشق، وكان من المرجح أن تنضم لهذه الاحتجاجات منظمات حقوقية فرنسية، وربما منظمات فرنسية مناهضة لسوريا وللتقارب السوري الفرنسي ومؤيدة للوبي 14 آذار في باريس وواشنطن…المتوقع اليوم أن يلقى هذا النشاط تجاوبا أوسع، وأن يتردد صدى “صدنايا” في شوارع باريس في الثاني عشر من تموز / يوليو.
من حسن حظ النظام السوري، أن أحداث “صدنايا” وقعت في ذروة التقارب بين دمشق وباريس، وبين سوريا وأوروبا، وفي لحظة انعطاف المفاوضات السورية – الإسرائيلية، التي تقف على عتبات التحول من مفاوضات ”غير مباشرة” عبر الوسيط التركي، إلى مفاوضات مباشرة وبالحضور الأمريكي/الأوروبي، ولولا ذلك لقامت الدنيا وما قعدت، ولربما عرض “الملف” على مجلس الأمن وتقدم زلماي خليل زاد بطلب إجراء تحقيق دولي وفرض حماية أممية على السجون السورية، مدعوما بموقف قوي للوزير كوشنير ومن خلفه ساركوزي وبراون وغيرهما من قادة الاتحاد الأوروبي.
اليوم، لا أحد سيتوقف مطولا أمام أحداث “صدنايا”، وأغلب الظن أن عبارات نقدية ستصدر هنا وهناك إرضاء لنشطاء حقوق الإنسان في الدول الغربية لا أكثر ولا أقل، فالغرب المنافق، صاحب المعايير المزدوجة، يعرف متى يرفع عقيرته بالصراخ والإدانة والتنديد، مثلما يعرف تماما متى يعطي أذنا من طين وأخرى من عجين لنداءات حقوق الإنسان، وهو يعرف متى يفتح الملفات ومتى يرجئها ومتى يعيد فتحها واستخدامها، وإسرائيل مهتمة أولا وأخيرا وقبل أي شيء آخر، بملف التفاوض في اسطنبول وآخر ما يثير قلقها ملف حقوق الإنسان والديمقراطية في العالم العربي، لإدراكها بأن الدول العربية كلما تقدمت على طريق الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان، كلما خسرت إسرائيل موطئ قدم فيها…أما الدول العربية، فستلوذ بصمت القبور، فما حدث في “صدنايا” مرشح للحدوث في سجونها إن لم يكن قد حدث بالفعل وبصورة أشد أو أقل فظاعة، لا فرق طالما أن المضمون واحد.
ولأن هوية القتلى في سجن “صدنايا” من الإسلاميين المتشددين (المجاهدين) على ما ترجح التقديرات والتقارير الصحفية، ولأن هؤلاء لا بواكي لهم في العادة، حتى أن كثير من الدول تتردد في طلب استرداد مواطنيها من غوانتناموا إن كانوا من المنتمين لهذه المدارس، فإن أحدا لا يتوقع أن تثير المجزرة في “صدنايا” أية ردات فعل واسعة، أو أن يترتب عليها تداعيات سياسية من العيار الثقيل.
وحدها منظمات حقوق الإنسان والمؤسسات الحقوقية الدولية السورية والعربية والدولية، ستتناول الموضوع وتبقيه حيا أطول فترة ممكنة، وتدخله “أراشيفها” الالكترونية علّه سيستخدم ذات خلاف سوري – فرنسي، أو حين تحين لحظة “تحرير سوريا” – إن حانت – كما حانت لحظات “تحرير” العراق ولبنان.
مدير مركز القدس للدراسات السياسية