الأسد وسل الشعرة من العجين الفرنسي
عبد الرحمن الراشد
هذه هي الرحلة الاولى للرئيس السوري بشار الاسد الى باريس منذ سبع سنوات، وأهم رحلة له منذ مقاطعته دوليا طوال ثلاث سنوات.
تفرش اليوم السجادة الحمراء للزعيم السوري ليس اعتباطا، بل بعد سلسلة مبادرات منه على مدى الشهرين الماضيين، بررت للمضيف الفرنسي دعوته وفتحت للأسد باب الإليزيه. في هذه الرحلة يحاول أن يسل الضيف السوري الشعرة من العجين على أمل أن تتوج بوساطة فرنسية لإصلاح العلاقة مع الأميركيين.
والحقيقة نحن نرى مهارة سورية لا يستهان بها، فدمشق عمليا اخترعت الأزمات وقدمت حلولا لها. تجد بصماتها في بيروت والدوحة وغزة. فشريكها حزب الله احتل بيروت الغربية لتتدخل لإيقافه. ويرفض رفاقها من المعارضة اللبنانيه انتخاب ميشيل سليمان، رغم انه مقبول كمرشح للرئاسة، لتتدخل فيوافقوا عليه في حفل الدوحة، الذي كان هو الآخر من اختراعها. وفي غزة ترفع رفيقتها حماس درجة العنف ضد اسرائيل لتوعز لرفيقتها حماس بايقافها.
واختتمت بالايعاز لرفاقها في المعارضة اللبنانية، مرة ثانية، لانهاء تعطيل تشكيل الحكومة البنانية، لتعلن فقط قبل يومين من رحلة باريس.
سياسة اختراع الأزمات وحلها برهنت على ان دمشق قادرة على التدخل والتغيير، لانها بكل بساطة هي التي تخترعها.
لا يقول السوريون هذا الكلام علانية لأن فيه ادانة لهم لكنهم لا يترددون في مقايضته صراحة. فهم وعدوا الرئيس الفرنسي إن وجه لهم الدعوة، وفك المقاطعة، بان يقابلوها بتحية احسن منها.
يقول احد المترددين على دمشق ان الرئيس الفرنسي اوفد غايان وليفيت وهناك سمعا من القيادة السورية وعودا كبيرة. شرحت لهما طبيعة التوجه السوري في المفاوضات مع اسرائيل بانها بدأت من نقطة مفاوضات سابقة حول الجولان، فتوزيع المياه، ومن ثم برنامج الانسحاب. ووعدت القيادة السورية الفرنسيين بان تستقبل الرئيس الفلسطيني محمود عباس في دمشق في تهميش سياسي لسلطة رفاقها في حماس. بل ووعدت الفرنسيين بان حماس ستعترف باسرائيل بشكل غير مباشر، من خلال الزام حماس بالاعتراف بأسس مفاوضات عباس، التي تقوم على الاعتراف باسرائيل. وهو أمر لم يحدث بعد، لكن بدلا منه باشرت حماس هدنة مع اسرائيل ومنعت اطلاق الصواريخ. الا ان الفرنسيين طلبوا ان تقطع سورية الامدادات العسكرية الى حزب الله، ولانه مطلب صعب فقد وعدت سورية بان تفرض قيودا على تهريب بعض الاسلحة الى حزب الله. وعندما جاء الحديث عن تسهيل تشكيل حكومة لبنانية رفضت دمشق في البداية مدعية بان المشكلة سعودية، الا انها في النهاية باعتها للفرنسيين، لتثبت على ان اتباعها مجرد مفاتيح صغيرة.
سياسة سورية تقوم على افتعال ازمات ومن ثم تقديم حلول لها، في سبيل خدمة سياستها الخارجية. وقد نجحت من خلالها جزئيا في فك الحصار عنها وبقي الكثير والاهم، هي المحكمة. سألته ألم يكن الاسهل عليها بدل محاولة سل الشعرة من العجين عدم التورط اصلا؟ قال هذا صحيح لمن يقرأ الاحداث مبكرا وجيدا. ويبقى السؤال الأهم ان كانت هذه كلها مجرد «تكتيكات» سورية ليس بينها حل القضايا الكبرى، اي ان سورية توحي بانها تغيرت لكنها لم تغير شيئا، فهي تخترع أزمة ثم تحلها.
الشرق الأوسط