الحرب آتية ولتفنَ اليعاسيب
وسام سعادة
الحرب واسطة من وسائط التحكيم. ويبدو أن البلاد صارت حبلى من جديد بهذه الواسطة. حبلى؟ بل يبدو أنها على وشك الولادة. الولادة؟ بل أننا نسمع الطلق. الطلق؟ انه طلق الموت.
قبل أسابيع كان السؤال اذا كانت الحرب ستقع أو لن تقع، وهل نقترب منها تعطيلاً في اثر تعطيل أم أنها هي ذاتها سوف تبقى حتى اشعار آخر مرجأة ومعطّلة.
وقبل أيام كان السؤال اذا كانت الحرب ستكون محلية أم اقليمية، تدار على خطوط التماس القديمة والمستجدة أو تنشأ على خلفية «الصراع» بين «الصراع العربي الاسرائيلي» و«الصراع الايراني الاسرائيلي».
اليوم باتت كل الحروب واحدة، وبات السؤال ان كانت هذه الحرب واقعة في الآتي من ساعات، أو في المقبل من أيام، أو في المتوالي من أسابيع، ذلك في أبعد تقدير!
فهل يأتي عمرو موسى قبل اندلاع الحرب أو بعدها، أم تتصادف زيارته ونشوبها؟ في كل الحالات، هذه آخرة الثلث المعطّل: ارجاع البلد نصف قرن الى الوراء.
لن نناقش الآن في السياسة، وان كان الرأي أن ثمة طرفا جاحدا منذ الأساس بالفكرة اللبنانية. لن نناقش الآن لا في السياسة ولا في الثقافة. لا بأس، فلنقل: حيّ على التموين.
حيّ على التموين. من قال إنه ما من داع لتخزين المحروقات والحبوب والمعلّبات؟ ان كنت تحب صديقك، وان كان صديقك متفائلا في طبيعته، ومحبّا للعيش بسلام وطمأنينة، فانهره، واخبره، ان الحرب، الحرب الحقيقية، الحرب بتمامها، على وشك الوقوع. هي الآن تتساقط علينا نتفاً نتفاً، لكن هنيهات وتستحيل حرائق ليس بعدها حرائق.
أجّل عمل اليوم الى الغد. استدن ما شئت فمن غير الغيب كفيل بالسداد؟ ان كنت من هواة القراءة اختر لنفسك بضع روايات من هنا وهناك، روايات تصلح مع الطقس الشتوي والهزات الأرضية حتى بدايات الربيع، روايات تتناغم مع زغردات الرصاص وعربدة المقاتلات الجوية.
يمكنك أن تبقى هنا، وتشاهد الحرب. اتخذ وضعية المشاهد منذ الآن. الكاميرات والشاشات كفيلة بنقل الحرب لك، بل ومضاعفتها. سوف يمكنك أن تشاهد معركتي شوارع في وقت واحد، ومن مكانين مختلفين. سوف تنتظر ساعات مشوّقة قبل أن تعرف ان كان حزب الرّب سينتصر على حزب الله، أو أن حزب الله سينتصر على حزب الرّب، وسوف تضطر لساعات أخرى كي تقف على خاطر الآلهة الأخرى. فكل ما عبق بهذه الأرض من ديانات سينبعث فجأة، ويخوض غمار القتال.
هذا الجيل الجديد من حقّه هو أيضاً أن يموت بالآلاف في غضون أيام، من حقّه أيضاَ أن يطهّر نفسه بنفسه، وبمجازر جماعية. التهافت على الموت سيكون عنوان المرحلة. ليس ما يوقف التهافت على الموت الا كثرة هذا الموت. بالتالي، ينبغي الانتظار، لنحاول أن ننتصر على الوقت بطرق مختلفة الى أن تنتهي الحفلة.
وهل ستنتهي حفلة الموت الآتية؟ منذ سنوات ونحن لا نعــرف من يربــح ومـن يخسر في هذا البلد، من يفــوز ومن ينهـزم، من ينسحب بقراره ومن يندحر، من يشرب نبيذاً ومن يشرب ماء. منذ سنوات، والتعادل السلبي وغير المعترف به هو سيّد كل المواجهات. قبل «التحالف الرباعي» وبعده، كان التعـادل الســلبي هو المنطــق الســاري في الأزمة. كذلك الأمر، قبل حرب تموز وبعدها، وحتى في مناسبة كانتخابات المتن الشمالي الفرعية انتهينا الى تعادل سلبي. ثم دخلنا في المعـركة الرئاسية، وخرجنا بفراغ دستوري أقرب ما يكون الى التعادل السلبي، وحين سلّمت الأكثرية للمعارضة بالمرشح العماد ميشال سليمان رأت المعارضة أن الأكثرية برضوخها هذا يمكنها أن تنتصر، فآثرت المعارضة التعادل السلبي تلو التعادل السلبي، وفي نهاية الأمر كانت النتيجة، ضربها للعناوين السيادية الثلاثة، خصوصاً بالنسبة الى المسيحيين: رئاسة الجمهورية، قيادة الجيش، رأس الكنيسة.
سحقاً له هذا الزمان، وسحقاً لها هذه البلاد. سحقاً له زمان يتمكن فيه يعسوب بالكاد أن يستطيع كتابة خمسين كلمة في الصباح أن يتندّر على بطريرك أنطاكية وسائر المشرق، وليس من يقول له: هات جنسيتك اللبنانية، وخذ طريق المطار، وارحل.
لأجل ذلك، وجب أن يُنزل الاله الرّب العقوبة بنا جميعاً. فلتكن حربا، ولتكن حربا شديدة. بتنا بحاجة الى الحرب الحرب، الحرب الحقيقية، حرب لا تأخذنا بنفسنا فيها شفقة، حرب لا تنتهي الا بصرخة آي وآخ من بعد طول لأي ونأي وممانعة.
أما اليعاسيب، أما الخنافس، فليعلمونا الشطارة عند المتاريس وفي الأزقة.
السفير