صفحات سورية

هل قلتم «إزالة اسرائيل»؟

null


حسام عيتاني

سيؤرخ اغتيال عماد مغنية لبدء سقوط دولة اسرائيل وخروجها من الوجود وفق ما أعلن الأمين العام لحزب الله، بل اننا سنشهد قريبا نهاية دولة اسرائيل على أيدي مقاتلي الحزب الأشداء والأكفاء بحسب التدقيق الذي ضمنه قائد الحرس الثوري الايراني في رسالة التعزية بمغنية.

بين بدء التأريخ لسقوط دولة وبين نهايتها الفعلية، بون شاسع قد يمتد لعقود من الزمن. غير أن الفارق بين الحدثين لا ينفي اننا على عتبة مرحلة تاريخية مختلفة جذريا عما سبقها. هكذا وببساطة ومن دون مقدمات. لسنا نفهم كيف انتقلت المنطقة العربية التي لم تستطع أن تزيح عن كاهلها بعد أوزار هزيمة حرب ,1967 الى الانطلاق نحو إنهاء اسرائيل وإخراج الاسرائيليين من الوجود. والتأكيد أعلاه لم يصدر عن غضب أو انفعال بل بعد تأمل وتفكر، على ما قيل في تشييع القائد العسكري لحزب الله.

لن نظلم أحدا اذا قلنا إن المشاريع الكبرى تحتاج الى استعدادات من نوعها. استعدادات لا تقتصر على حشد وتعبئة عسكريين بل على ما يتجاوز ذلك بكثير. وإلا كنا كمن يعيد رسم المشهد الذي أسفر عن هزيمة الخامس من حزيران: خطاب مرتفع النبرة وحماسة جماهيرية عارمة من ثم صدمة تدوم بدوام الاحتلال، هذا من دون الحديث عن المعطيات الدولية والاقليمية والساحة الداخلية والكثير من العناصر التي لا تقل أهمية وخطرا. وننحي جانبا، كل الزجليات العربية وكل المشاريع المختلفة الدرجات من الجدية والعقلانية التي وضعت طوال قرن لمواجهة اسرائيل والتصدي لها وكل القادة الأفذاذ والأقل نباهة وكل الشهداء الذين سقطوا في ميادين هذا الصراع لنتصور اننا نبدأ من الصفر.

وكل هذا يتعين أن يتم على أرضية جمهور يرى أن لا مفر من حرب شاملة ضد اسرائيل. والتعريف الاكاديمي للحرب الشاملة يقول بأنها صراع مسلح لا ينتهي إلا بهزيمة كاملة وغير مشروطة لواحد من طرفي القتال، على غرار ما جرى بين الحلفاء والمحور في الحرب العالمية الثانية، وليس أقل من ذلك. المفارقة أن الخطاب هو خطاب حرب شاملة فيما الأجواء المحلية والإقليمية هي أجواء صراعات أهلية وداخلية أو قل بين «أبناء الصف الواحد».

بطبيعة الحال، سيجري تفسير الدعوات الى تأريخ بداية سقوط اسرائيل وإزالتها من الوجود بالموجبات البلاغية والتعبوية بعد اغتيال مسؤول كان في الصفوف الاولى لحزبه وان «قيادة المقاومة» تدرك جيدا الخريطة السياسية والاستراتيجية التي تسير وسطها وعليها. لكن الدعوات هذه، مع تفسيراتها أو من دونها، ستطرح أمام لبنان من قبل المجتمع الدولي (المهيمن عليه من قبل الولايات المتحدة ومؤيديها…) كسؤال عن رأيه فيها كحد أدنى أي هل يوافق على شن حرب انطلاقا من أراضيه تهدف الى تدمير دولة اخرى، وكمصدر للضغط على السلطة اللبنانية وتصويرها بأنها دولة فاشلة مستباحة لكل أعمال التدخل بما فيها التدخل الاميركي ـ الاسرائيلي الذي لن يتأخر كثيرا على ما يبدو ويشاع. المهم في الموضوع اننا، وبغض النظر عن حتمية الحرب الاهلية بين ظهرانينا أو استحالتها، قد ولجنا الحرب المفتوحة ضد اسرائيل من بابها الواسع وان المسألة مسألة وقت قبل اندلاع الاعمال القتالية على اتساع ربما لم نشهد مثيلا له منذ الاجتياح الاسرائيلي في العام .1982

والمهم ايضا أن لبنان يثبت لأبنائه وللعالم للمرة الالف ربما ليس انه ساحة للصراع العربي ـ الإسرائيلي وما يمكن أن يضاف اليه من أبعاد امبراطورية وبونابرتية من هنا وهناك، بل انه بعجزه عن بناء دولته يترك لجماعاته وطوائفه «الحق» في بناء ليس دويلاتها وأجهزتها الأمنية والعسكرية ـ وهذا بات في حكم المسلمات والحقوق المكتسبة أو المستعادة ـ بل في بناء تصوراتها لأدوارها التاريخية والخلاصية القابلة للتورم والانتفاخ وصولا الى توهم القدرة على تغيير مسار التاريخ وإرغام الأحداث على السير في دروب أخفق العرب والعجم على الدفع نحوها طوال أكثر من نصف قرن.

وإذا كانت صحيحة تلك المقاربة التي تربط بين تحقيق المقاومة لانتصاراتها وبين سقوط قادتها شهداء، فمن الملح التأمل في مقاربة أخرى تربط بين الانتصارات هذه وبين دور المقاومة في الداخل اللبناني. وهو دور أقل ما يقال فيه إنه موضع خلاف ما زال قائما بل مستشريا منذ الانتصار في حرب تموز ,2006 على أقل تقدير، ما يحض على التساؤل عن الوضع الذي سيؤول لبنان اليه بعد انتصار من الصنف ذاته في ربيع أو صيف أو خريف 2008 أو ما يتبعها من فصول وأعوام.

السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى