بين تل الفخّار.. وظهر الحمار
وهيب أيوب
بمناسبة عيد ميلاد الجيش السوري الـ 63 وفي صحيفة “الثورة” السورية في 1\8\2008، ورد مقال بعنوان “الجيش العربي السوري في عيد ميلاده 63: وتبقى رايته خفاقة وعالية”
كُتِبَ بأحد أسطره الآتي: (… وبعدها كانت حرب الاستنزاف / حرب الجولان وجبل الشيخ / التي أدت إلى تحرير مدينة القنيطرة والجزء الأكبر من الجولان,) والمقصود هنا حرب تشرين/ أكتوبر الـ 73.
وللذين لا يعلمون فقط، أن مساحة الجولان الكلية هي 1860 كم2 . وما تم احتلاله من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلي عام 67 يبلغ 1250 كم2، وفي صفقة وقف إطلاق النار عام 74 التي كان ثمنها تخلي الإسرائيليين عن مدينة القنيطرة والبالغ مساحتها 50كم2 فقط، في مقابل الهدوء والطمأنينة التي نعمت فيه جبهة الجولان من حينها حتى اليوم، والباقي ما زال تحت الاحتلال حتى كتابة هذه السطور وهو 1200كم2، أي أكثر من ثلاثة أضعاف مساحة غزّة. فكيف يا صحيفة الثورة المُبجّلة تقولون إن الجزء الأكبر من الجولان قد تحرّر؟!
وربما هذا ما يفسّر أيضاً تعامل النظام منذ العام 74 وصاعداً على أن الجولان قد تحرّر. ولم يعد جزءا من ثقافة حزب البعث والنظام، لدرجة أن وزير التعليم العالي في جامعة دمشق في أواخر السبعينيات، تفاجأ مندهشاً حين علم من أحد الطلاب الجولانيين الدارسين في الجامعة، أن هناك سكاناً سوريين ما زالوا يعيشون في الجولان تحت الاحتلال؛ وهذا ما أكّده المفكران السوريان ميشيل كيلو وعبد الرزاق عيد في مقالاتهما من أن النظام حاول تجاهل وتجهيل الشعب السوري بأن هناك أراضٍ سورية ما زالت تحت الاحتلال. وأن هناك حوالي الـ 131 ألف من سكان الجولان تم تهجيرهم أثناء هزيمة الـ 67 والذين يبلغ تعدادهم اليوم أكثر من 490 ألف نسمة يعيشون تحت اسم “النازحين”، مُشتتين بضواحي دمشق وباقي المدن والقرى السورية، وهؤلاء لا يأتي النظام على ذكرهم لا من قريب ولا من بعيد.
على هذا درج دائماً حزب البعث والنظام، قلب الهزائم إلى انتصارات والكوارث إلى إنجازات.
على الصعيد الشخصي لم يفاجئني هذا الكذب والخداع الذي تمرّسوا به منذ هزيمة الـ 67 حتى يومنا هذا، منذ صدور قرار وزير الدفاع آنذاك حافظ الأسد بالانسحاب الكيفي من الجولان وهروب قائد الجبهة العقيد أحمد المير مُتخفياً على ظهر حمار؟! وفرار قائد الجيش اللواء أحمد سويداني عن طريق (نوى) باتجاه دمشق، ومنذ صدور بيان سقوط القنيطرة رقم 66 … قبل أن تطأها أقدام المحتلين بكيلومترات عديدة.
وبالرغم من صدور كتابين أحدهما لـ مصطفى خليل بعنوان “سقوط الجولان” والآخر “كسرة خبز” للدكتور سامي الجندي، إلا أنه يبقى الكثير مما لم يقل من شهادات حية لأناس عايشوا الحرب والهزيمة من سكان المنطقة المحتلة في الجولان.
قبل أن أُتمم كتابة هذا المقال توقفت قليلاً وقلت في نفسي إنه في هكذا مناسبة، أي ذكرى تأسيس الجيش السوري، لا بد من زيارة أقوم بها لموقع “تل الفخّار” لأضع وردة أو ربما ورقة من الصبّار المنتشر بكثرة في التل وجواره، وقد يكون الصبّار هناك الشاهد الأقرب والأصدق لأحد أشد المعارك وربما الوحيدة التي سطّر فيها جنودنا من الجيش السوري أروع آيات البطولة. وكنت قد زرت الموقع سابقاً عدة مرات برفقة ضيوف من فلسطين المحتلة، فهو يبعد عن مجدل شمس إلى جنوب الغرب حوالي الـ 15 كلم فقط، وهو قريب من بانياس (الجولان)، فهذا التل شهد معارك ضارية مع جيش العدو الإسرائيلي في الـ 67 دون أن يمتثل قادة الموقع وعلى رأسهم البطل الملازم أول أسعد بدران لأوامر الانسحاب الكيفي الصادرة من وزارة الدفاع وقيادة الجبهة، وبقوا يقاتلون حتى سقط معظمهم البالغ أكثر من ستين شهيداً وأصيب بدران بجراح، بعد أن أوقعوا في صفوف العدو أكثر من ستين قتيلاً بينهم عدد من الضباط، تخللها قتالٌ بالسلاح الأبيض واللكمات وأعقاب البنادق، بعد أن فشل الطيران الإسرائيلي وقنابل النابالم الحارقة من جعل الموقع يرفع الرايات البيضاء. وقد وصف أحد قادة الجيش الإسرائيلي دافيد آليعازر المعركة بقوله : “إذا ما زرتم مستشفى (رامبام) – حيفا- ستسمعون الكثير عن هذه المعركة، لقد نشبت معركة بالأيدي في ذلك المكان، وقتال بالأكُف والسكاكين والأسنان، وبأعقاب البنادق”.
لا بُد في هذه المناسبة “عيد تأسيس الجيش السوري” من الاستذكار والتذكير أنه يجب أن يأتي اليوم الذي تُنتزع فيه الأوسمة والمناصب والألقاب ممن اغتصبوها بغير وجه حق، وإعادة تقليدها لمن استحقوها بوفائهم وتضحياتهم بدمائهم في سبيل الوطن.
وأنه وجب التمييز وعدم المقاربة مُطلقاً، بين الذين قاتلوا الأعداء والمحتلين حتى الرمق الأخير والقطرة الأخيرة من دمائهم في ” تل الفخّار”، وبين أولئك الذين فرّوا من ساحة المعركة حاملين حفنة من الدولارات أو مغادرين الجبهة هاربين على ظهر حمار.
وهيب أيوب
الجولان المُحتل – مجدل شمس
خاص – صفحات سورية –
بيقولوا زغيّر بلدي بالغضب مسوّر بلدي
الكرامي غضب والمحبي غضب والغضب الأحلى بلدي
وبيقولوا قلال ونكون قلال بلدنا خير وجمال
وبيقولو يقولوا شو همْ يقولوا شوية صخر وتلال