جورج كتن

لماذا لم تعد المسألة الفلسطينية قضية مركزية عربية

جورج كتن

خاص – صفحات سورية –

 2006 / 3 / 24

لا أحد يرفض أن التغيير سنة الكون, لكن كثيرون يحافظون إرادوياً على ما يسمونه ثوابت مقدسة بالانفصال عن الوقائع الراهنة وعن الاتجاه العام للتطور المستقبلي, فالقوميون يفضلون العودة لثابتهم الرئيسي حول وجود الامة العربية غير الخاضع للتطور التاريخي، والإسلاميون يخضعون كل شيء لأحداث ونصوص “العهد الذهبي” منذ أربعة عشر قرناً, بينما اليساريون يفضلون النصوص الأوروبية للقرن التاسع عشر

حراس الثوابت يفتقدون الحس بالزمن ويعيشون في عالم آخر ويرفضون التعلم من دروس الهزائم والتراجعات, ويصرون على نظرياتهم القديمة كبديل عن مواكبة العصر ويعتقدون أنها صالحة لكل زمان ومكان, ويتهربون من إجراء مراجعة شاملة لأسباب فشلها والخراب الذي أدت إليه.

إن التمسك بالثوابت “المقدسة” أمر ممكن طالما يقتصر على برامج لقوى سياسية خارج الفعل المباشر, أما في السلطة فالتعامل مع الوقائع العالمية والمحلية لا يحتمل ترداد الثوابت، ويتطلب سياسات تتعامل بعقلانية مع الوقائع المحيطة، وإلا قاد تجاهلها لكوارث ومزيد من التخلف والانعزال عن المسيرة الإنسانية.

هذا الوضع يواجه تيارات سياسية عربية وإسلامية وخاصة منظمة “حماس” بعد حصولها على غالبية في المجلس التشريعي الفلسطيني وتكليفها بتشكيل الحكومة الجديدة, إذ لم يعد بمقدورها الاستمرار في سياسة : “فلسطين وقف إسلامي من البحر إلى النهر”. وهي تتشارك مع أطراف عربية وإسلامية في تجاهل التحولات التي شهدها العالم والمنطقة العربية والساحة الفلسطينية بدءاً من ثمانينيات القرن الماضي :

 

توقيع اتفاقيات كامب ديفيد وخروج مصر أكبر دولة عربية من الصراع العربي-الإسرائيلي.

انهيار الاتحاد السوفييتي الحليف الاستراتيجي للعرب وتحول العالم لقطبية أحادية.

إخراج العراق من الصراع بعد حربي 1991 و 2003, بالإضافة لخروج الأردن بمعاهدة سلام, والانسحاب الإسرائيلي من لبنان حتى الحدود الدولية, وعلاقات عربية من مستويات مختلفة مع إسرائيل.

جميع الدول العربية اعترفت بحق البقاء لإسرائيل بعد فشل 5 حروب نظامية وحرب شعبية فلسطينية طويلة في زحزحة الوجود الإسرائيلي الذي أصبح أمراً واقعاً, ليقتصر الدور العربي على تقديم دعم سياسي للفلسطينيين, وتأجيل التطبيع الكامل لما بعد إنهاء احتلال الأراضي الفلسطينية والجولان.

رسوخ الدول القطرية بحدودها الراهنة وتحول الدعوة للتوحد لمواجهة عدو مشترك مفترض إلى شعار فارغ يتجاهل أن أولويات اكتساب القوة في عالم اليوم يتأتى من التقدم العلمي والتكنولوجي والتنمية البشرية والاقتصادية المعتمدة على المواطن الحر والنظام الديمقراطي.

انتهاء الميول التوسعية الإسرائيلية واقتراب حدودها من القابلية للترسيم, واقتصارها على محاولة قضم القدس وبعض أراضي الضفة الغربية.

المجتمع الدولي والغرب، لم يعد يعترف بحق إسرائيل في البقاء فقط بل بحق الفلسطينيين بإقامة دولتهم إلى جوار إسرائيل لتتعايشا بسلام كبديل عن الحروب المتعاقبة.

أميركا رغم متانة تحالفها الاستراتيجي مع إسرائيل تباشر مصالحها في المنطقة بنفسها, بعد فقد إسرائيل لدورها كوكيل للمصالح الأميركية.

تراجع موقف المجتمع الدولي من العنف المسلح, فالتفاوض أصبح الطريق المفضل لحل أصعب النزاعات الدولية.

 

هذه الوقائع أدت إلى نتائج لا يمكن تجاهلها, فالصراع العربي –الإسرائيلي بعد أن استغرق ما يزيد عن قرن, لم يعد صراعاً على الوجود بل نزاعاً على حدود, و تحول الاشتباك التاريخي بين العرب وإسرائيل إلى عملية سياسية للوصول إلى حلول واقعية سلمية, والصراع الراهن بغالبيته فلسطيني – إسرائيلي.

كما تحولت القضية المركزية التي كان العرب يتوحدون حولها إلى مسألة تهم شعبها مع تأييد عربي لا يتخطى دعم القرار الفلسطيني المستقل, بعد افتضاح استخدام أنظمة عربية لشعار “القضية المركزية” لمنع الانتقال للديمقراطية, المهددة لهيمنة الأنظمة على السلطة والثروة, فبحجته عانت دول المنطقة من إعاقة إطلاق عملية التنمية لتحسين أحوال مواطنيها وتمتعهم بالحرية التي حرموا منها بحجة مواجهة العدو التاريخي.

كما أفاد الشعار في تفسير توجيه معظم الدخل القومي للأغراض العسكرية, فيما التسلح استنفذ ثروات الدول ولم يحرر شيئاً ولم تتجاوز “فائدته” مزيد من القوة للسلطات لتتمكن من قمع شعوبها. كما امكن استخدام القضية المركزية كأحد الذرائع للتدخل في الجوار: العراق والكويت – سوريا ولبنان

لذلك لا نستغرب الآن انتشار الدعوات الواقعية ل: الأردن أولاً ومصر أولاً ولبنان أولاً والعراق أولاً والكويت أولاً وسوريا أولاً… ونميز بين استراتيجيتين في المنطقة العربية إحداها قديمة من أولوياتها التركيز على قضايا عربية خارج حدود القطر على حساب المسائل الداخلية, وأخرى تعمل على المسائل القطرية أولاً دون تدخل في قضايا الدول المجاورة.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى