جورج كتن

اقتراحات لبرنامج ليبرالي سوري

جورج كتن

خاص – صفحات سورية –

 2006 / 3 / 30

الانطلاق من الدائرة الإنسانية كما تطرحها مسيرة الحداثة الراهنة, والتي تسمح باعتماد مصلحة الإنسان عموماً كأولوية لكل حراك سياسي أو اجتماعي أو اقتصادي أو ثقافي، وهي لا تلغي الدوائر الأخرى التي سبقتها, لكنها تحدد توجهاتها في الإطار الإنساني.

 

الالتزام بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان والاتفاقات والمواثيق الدولية المكملة له كأرقى منجز حضاري للبشرية, أرسى الحرية كمفهوم ملازم للحياة الإنسانية المعاصرة, وجعل المواطن الفرد الحر صاحب الحقوق حجر الزاوية في المجتمع.

 

القطع مع الثنائية في الفكر والسياسة، ورفض فكرة الشر المطلق المواجه للخير المطلق وبالعكس، فالاعتراف بالآخر واحترامه والقبول بالحوار معه جوهر المفهوم الديمقراطي.

 

التخلي عن ثوابت الأيديولوجيا كعقيدة فكرية إيمانية والانطلاق في فهم وتحليل الظواهر من الوقائع العنيدة, ونبذ تفسير التاريخ كمؤامرة, والقطع مع النرجسية الوطنية والطبقية والدينية, بعد فشل المشاريع السياسية التي بنيت على أيديولوجيات قومية أو إسلامية أو اشتراكية لطرحها مفاهيم تتجاوز حريات الإنسان الأساسية.

 

0 النهج الديموقراطي ليس رداً على الاستبداد فقط وإنما لتحقيق غاية الحرية, وطريق ضروري للتقدم والحداثة والإبداع والتنمية وتحسين الأوضاع المعيشية..

 

العلمانية مرافقة للديمقراطية لا تتوطد أحداهما دون الأخرى. والمجتمع الديمقراطي العلماني الذي يفصل الدين عن الدولة, يؤمن حريات واسعة لكافة الأديان, ويمنع التمييز الطائفي واضطهاد الأقليات واستغلال الدين لصالح السلطة القائمة.

 

الأولوية في المسألة الوطنية المعاصرة لقضايا الحريات والمواطنة وسيادة الشعب والتضامن الاجتماعي.., إذ لم تعد منحصرة بمسائل الاستقلال والانتماء والحدود، مما يقتضي القطع مع كل وطنية ما لم تكن ديمقراطية, وإدانة التحالف مع النظام المستبد، فمقياس وطنية أي نظام مدى احترامه لحقوق وحريات مواطنيه وقبوله بتداول السلطة.

 

0 المضامين الجديدة للوطنية مرتبطة بمواطنين أحرار وليس بالعداء للخارج, فالمتغيرات العالمية أدت لتآكل السيادة المطلقة للدول, وأعطت المجتمع الدولي حق مراقبة الدول المخالفة لشرائعه الإنسانية والتدخل لتخليص الشعوب من أنظمتها المستبدة المتذرعة ب”السيادة الوطنية” لمنع محاسبتها.

 

إن فشل تجارب الوحدة وتنامي الكيانية القطرية أعطى وطنيات متمايزة في إطار الحدود الحالية التي بات من المستحيل تذويبها، فالعروبة تتمظهر كرابطة ثقافية وحضارية وليس قومية, دون تجاهل أن ذلك لن يمنع من قيام تكتلات إقليمية مستقبلية على أسس الديمقراطية والتنمية والمصالح المشتركة وليس الانتماء القومي فقط. والتوجه الأسلم في الظروف الراهنة هو شعار: “القطر أولاً“.

 

العولمة الراهنة تطور حضاري وخطوة متقدمة في المسيرة البشرية, لا مفر من الانخراط فيها ونقدها لمواجهة سلبياتها من داخلها من أجل عالم أكثر إنسانية, ولتخفيف آثارها الضارة على بلدان الجنوب.

 

الدعوة للقطبية المتعددة مناقضة للعولمة المتقدمة الراهنة ورجوع للحرب الباردة وخلط بين العولمة والأمركة. أما مواجهة هيمنة القطب الواحد فتتم بإقامة مؤسسات إقليمية وعالمية منافسة, وإصلاح الأمم المتحدة وتوسيع دور جميع الدول والشعوب في اتخاذ قراراتها, على طريق تحويلها مستقبلاً إلى حكومة عالمية.

 

ضرورة مراجعة الموقف من المشروع الدولي – الاميركي- الأوروبي, كمشروع تغييري رئيسي في المنطقة, والتعامل معه بنظرة نقدية تظهر سلبياته وتقبل ما فيه من إيجابيات لصالح شعوب المنطقة, إذ لا يمكن رفضه على أساس أن كل ما يأتي من الغرب هو “مخططات استعمارية” مدانة سلفاً قبل الإطلاع عليها.

 

السلام هو الهدف الأساسي للحراك العالمي الراهن، والحرب على الإرهاب لا يمكن رفضها بحجة أنها ستارأً لأطماع دولية, وهي معركة شاملة لا تقتصر على الجوانب الأمنية, وجوهر مساهمتنا فيها تجفيف مصادر الإرهاب الفكرية والثقافية النابعة من مجتمعاتنا المتخلفة المصدرة للإرهابيين.

 

الناظم الرئيسي في قضية الداخل والخارج هو مصالح الشعب, فاستبعاد دور المجتمع الدولي هو تجاهل لتطور تاريخي طويل جعل دور الخارج يتصاعد كلما انغلق الداخل أو ضعف. أن رفض الدور الخارجي يعرقل عملية التغيير لافتقار البدائل للفعالية اللازمة لفرض الإصلاح.

 

معارضة مفهوم أن الوطن في خطر آت من استهداف خارجي, فالخطر الدائم يتأتى من استمرار النظام الاستبدادي. والضغوط الخارجية الحالية موجهة للنظام، الذي يتخذ من الشعب دريئة لمواجهتها ولتحميل المجتمع نتائجها, رغم أن الغالبية المبعدة عن المشاركة, غير مسؤولة عن سياسات النظام التي أوصلته لأزمته الراهنة.

 

القطع مع النظام الاستبدادي المخالف للتاريخ والتأسيس لمستقبل يمنع تكرار تجربته. فالقطيعة النهائية مع النظام لن تكون ناجعة إن لم تقترن بنقد أطراف المعارضة لأيديولوجياتها القديمة، فتشاركها مع النظام بأرضية فكرية واحدة, يمكن أن يتحول إلى أساس لانتقالات إلى خندق النظام عند التبدلات الحاسمة المحلية أو الخارجية.

 

إقامة أوسع تحالف من أجل التغيير الديموقراطي، في جبهة عريضة من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار حول برنامج للانتقال الديمقراطي, لا يعطل النقد بين أطرافه. على أن يضم جميع القوى السياسية التي تقطع مع النظام الاستبدادي, وأطراف من السلطة موافقة على البرنامج, مع تأجيل محاسبتها إلى أن يتوفر قضاء مستقل لا يخضع لإملاءات النظام الحاكم.

 

تلتقي أطياف المعارضة حول المهمة المركزية الراهنة: انتقال سوريا من النظام الاستبدادي إلى النظام الديمقراطي بأسلوب سلمي. خارج هذه المهمة هناك برامج ومفاهيم وآراء متنوعة في الفكر والسياسة والاقتصاد والوسائل… كتعدد طبيعي وتنافسي, على ألا يؤدي للانعزال عن التحالف أو إقصاء أي طرف عنه، فلكل أفكاره وبرامجه التي ستمتحن مستقبلاً في صناديق الاقتراع.

 

لا يمكن الفصل بين الليبرالية السياسية والاقتصادية, فالرأسمالية مرحلة ضرورية لدوران عجلة التنمية، لا يمكن التنبؤ بأنها ستفشل في تجاوز أزماتها, فالسعي لتنمية رأسمالية متوازنة يوفر لمحدودي الدخل ضمانات لتحسين أوضاعهم بالوسائل الديمقراطية.

 

رأسمالية الدولة البيروقراطية في بلادنا هي من بقايا نموذج “الاشتراكية السوفييتية”, متخلفة عن النمط الرأسمالي السائد عالمياً ومعرقلة للتقدم الاقتصادي ومساندة للنظام الاستبدادي, والحل باستبدال احتكار الدولة في القطاع الإنتاجي باقتصاد السوق.

 

العمل من أجل حقوق الأقليات القومية, خاصة الحقوق الكردية، بدءاً من الاعتراف الواضح بالشعب الكردي وبحقوقه التاريخية القومية، إلى حقوق المواطنة المتساوية التي تلغي التمييز في كل المجالات, وتسمح بتجسيدها في نطاق سوريا.

 

العمل من أجل تحرر المرأة ولضمان حقوقها, وتعزيز دورها في المجتمع وإلغاء جميع أشكال التمييز والعنف ضدها وصولاً إلى المساواة الكاملة.

 

الدفاع عن الحقوق الوطنية في استعادة الجولان المحتل عبر التمسك بالشرعية الدولية والتفاوض من أجل حلول سلمية.

 

0 الموقف الإيجابي من تطور العملية السلمية في المنطقة، ورفض كافة أشكال العنف مبدئياً وسياسياًً, فالعمل المسلح “المقاوم” إرهاب واضح في العراق, ولم تعد له حاجة في لبنان بعد الانسحاب الإسرائيلي, ومعرقل للحل السلمي للمسألة الفلسطينية, المعتمد على العمل السياسي الجماهيري والتفاوض والدعم الدولي لإنهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس.

 

التوجه لإنهاء الاشتباك التاريخي العربي- الإسرائيلي على أساس استعادة الأرض المحتلة عام 67 مقابل حق إسرائيل في البقاء والتطبيع معها، فالصراع تسبب في هدر الطاقات البشرية والمادية لشعوب المنطقة على التسلح والحروب، وأدى لهزائم وكوارث وتخلف ومعاناة طويلة من إعاقة النمو واحتجاز الحريات, فالبديل للحروب العبثية التوجه للتنمية والتنافس الاقتصادي والحضاري..

 

هذه الاقتراحات ليست ثوابت مطلقة، فهي خاضعة للحوار والنقد والتطوير..

 

وليد مبيض – جورج كتن

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى