جورج كتن

تناقضات المعارضة السورية

 

جورج كتن

خاص – صفحات سورية –

 2006 / 4 / 5

تمكنت المعارضة السورية, ضمن الهامش المحدود الذي سمح به النظام نتيجة المتغيرات العالمية والإقليمية, من إثبات وجودها في الحياة السياسية, وهي تتقدم ببطء للعب دورها المتركز حول المهمة الرئيسية: الانتقال بسوريا من الحكم الاستبدادي إلى النظام الديمقراطي, بوسائل سلمية وعلنية وتدرجية, مع رفض الحلول العسكرية الخارجية أو الداخلية.

من المفترض أن جميع التيارات والقوى من ليبرالية, وقومية عربية وكردية, وإسلامية, ويسارية وبعثية ديمقراطية…, القابلة بأولوية التغيير الديمقراطي في المرحلة الراهنة, تتوجه لتحالف لا يدخل في تفاصيل المواقف المستقبلية, فالخلافات حول القضايا الأخرى تحل في المرحلة القادمة بالتنافس الديمقراطي ومن خلال صناديق الاقتراع.

هذه البديهيات لا يعترض عليها أحد تقريباً, لكننا إذا تعمقنا في التفاصيل لوجدنا أن المعارضة تعاني من تناقضات تقودها لمواجهات فيما بينها متناسية الهدف المشترك, لذلك فمن المهم تحديد السلبيات ونقدها واقتراح الحلول لتخطيها:

تطالب أطراف من المعارضة بضرورة الديمقراطية كوسيلة لمواجهة التحديات الخارجية وسد الثغرات التي يستغلها الخارج للضغط على النظام… فيما أن الديمقراطية غاية إنسانية بحد ذاتها ولا تنتفي ضرورتها في أي ظرف, وأولويتها على ما عداها لم تعد مسألة قابلة للتنازل عنها أو تأخيرها لأي سبب كان.

حددت المعارضة ما تريده ولكنها تتعثر في تحديد الوسيلة للوصول إليه، فهي تفتقد القدرة على الفعل السياسي لتمسكها بنصوص وبرامج وشعارات قديمة وتجاهلها العديد من الوقائع الراهنة، وتفتقد السياسة البراغماتية التي توجه كافة الجهود نحو المهمة الرئيسية, فالتجمع الوطني الديمقراطي “..يعتزم إنشاء جبهة للتصدي للمشروع الأميركي الذي يستهدف سوريا..” – حسن عبد العظيم–. ألا يتناقض هذا مع إعلان دمشق الذي يسعى لتحالف ينقل سوريا إلى الديمقراطية؟ أليست “جبهة التصدي” شعار النظام الذي تذرع به منذ الستينيات لتأجيل الديمقراطية؟

تنمي أطراف من المعارضة كما تفعل السلطة العداء للخارج وتدعو لتغليب التناقضات الخارجية على التناقضات الداخلية مع النظام – ميشيل كيلو-, فيما يرى آخرون أن تلقي الدعم من المجتمع الدولي ليس تدخلاً خارجياً, فالغرب “يمثل مجتمعات وحضارة وديمقراطية وتقدم تكنولوجي.. وأي نهوض يحتاج لعلاقات متوازنة مع دوله وشعوبه..”–رياض سيف-. يمكننا فهم رفض التدخل العسكري الخارجي, ولكن هل يرفض الدعم السياسي والإنساني للمجتمع الدولي بمؤسساته المدنية ونظمه الديمقراطية؟

تنتج المعارضة خطاباً يعبق بالتاريخ، يقيم الآخر حسب مواقفه التاريخية السابقة وليس الراهنة، ففي الجدل حول “جبهة الخلاص” ركزت الغالبية على نقد الأشخاص وأهملت نقاش وثيقتهم, متناسية أن للجميع تاريخ قديم أيدوا فيه السياسات الشمولية كالناصريين أيام عبد الناصر والشيوعيين السابقين في العهود الستالينية والبريجنيفية…. إن رفض تقييم الآخر من خلال مفاهيمه الجديدة موقف سكوني يؤدي لنتائج عدمية, فالبرامج والمواقف الحالية هي الأهم وليس الأشخاص وتاريخهم.

يعتقد قادة المعارضة أنه لولا حجز الحريات لوقف الشعب بأكثريته خلفهم, “فالشعب السوري كله يريد التغيير”–خدام- وهو فهم يبتعد عن حقيقة توجهات المواطنين المبعدين عن السياسة منذ عقود، فالنظام رغم استبداده يحظى بدعم صاخب أو صامت من قطاعات مختلفة, منها المستفيد ومنها غير المبالي، ومنها الذي يظن أن الاستقرار المبني على القمع أفضل من “الفوضى” الناتجة عن الديمقراطية, ومنها المتمسك ب”وطنية” متخلفة حسب المثل القبلي: “أنا وابن عمي على الغريب”, وطنية يظن أصحابها أن الضغوط الخارجية الموجهة للنظام تستهدف الشعب.

بناء على قناعة خاطئة “بنضج الظروف” تروج مثلاً “جبهة الخلاص” الحديثة التكوين لإمكانية التغيير الديمقراطي الخاطف :”نتوقع انتفاضة خلال أشهر”!! و”العصيان المدني” على الأبواب!!. فتستعجل الدعوة لما يسمى “حكومة منفى”. ففكرة التغيير لم تنضج في الشارع بل نضجت لدى نخب ضئيلة ومعزولة, والفرق كبير.

يطرح كل طرف معارض نفسه كمركز يتوجب على الجميع الالتحاق به، فجماعة “الإعلان” يعطون لأنفسهم الحق باستثناء آخرين من صفوف المعارضة ويوزعون الشهادات “الديمقراطية”, أما – أبو صالح- فاتهم اجتماع بروكسل بأنه تحت الرعاية الأميركية, وهو موقف ينافس النظام في توزيع الشهادات الوطنية. أما –هيثم مناع- ف “احتج على إعطاء دور لخدام في بناء الديمقراطية”, فهل يحتكر “جماعة الإعلان” توزيع الأدوار الديمقراطية؟

الجبهة” من جهتها تدعو الجميع للالتحاق بها أو العمل معها، رغم أن فاعليتها لم تمتحن بعد إذا استثنينا البرامج الكلامية. “الإعلان” و”الجبهة” لا يمكن أن يتحولا إلى “وكالات حصرية”, فجماعة “الإعلان” ليست كل معارضي الداخل و”الجبهة” ليست كل معارضي الخارج، وبديل شعار “التحقوا بنا” هو: “دعونا نتلاقى ونتحاور لنتوحد“.

لا تكتفي المعارضة بعقدها الموروثة من فترة العمل السري, بل تولد عقداً جديدة مثل اعتبار إعلان دمشق نصاً ثابتاً وقالباً يوضع “الآخر” داخله لقياس مدى ديمقراطيته. فيما الإعلان بيان لا يمنع خطوات تالية, وقد اعترف -رياض الترك- بأن: “تشكيل الجبهة عقوبة على تخلف وبطء وتردد قادة إعلان دمشق”, الذين : “لا يريدون أن يعملوا ولا يدعون غيرهم يعمل” -كامل عباس-.

معظم المعارضة دعى للقطع مع النظام “غير القابل للإصلاح”, وهو موقف متصلب يصادر تطورات مستقبلية ممكنة للنظام نتيجة ضغوط داخلية ودولية وإقليمية, فإصلاح النظام مسألة صعبة ولكنها ليست مستحيلة. فإذا كان النظام متماسكاً, والمعارضة مجزأة ومحدودة الفعالية, ولا تنتظر تغييراً خارجياً, فمن أين سيأتي التغيير, هل يهبط من السماء؟. يبقى تضافر جهود المعارضة والضغوط السياسية للمجتمع الدولي لدفع النظام لإجراء الإصلاح السياسي.

تناقضات المعارضة هذه وغيرها تزيدها ضعفاً إن لم تسع للتخلص منها عاجلاً.

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى