خلف علي الخلفصفحات سورية

والآن ماذا تفعل المعارضة السورية دون برابرة…‏

null
خلف علي الخلف

لم يعد ثمة برابرة، هذا ما على المعارضة السورية أن تدركه جيداً، على الأقل في المدى المنظور. هذا محزن بالطبع.. حتى في ظل أداء الجميع الذي يقول علانية بـ “ضد التدخل الخارجي” أو على الأقل “لا رهانات على الخارج”.
دائما يتخلف البرابرة، و يبيعون المنتظرين في البازارات التي يمرون فيها؛ ويعودون من حيث أتوا تاركين المنتظرين يأكلون انتظارهم. وليس جديداً في حسابات السياسية الغربية أن يبيع الغرب من يراهنون عليه لأنهم لا يمتلكون غير المراهنة.. وإذ لم ينسج المراهنون شبكة من المصالح فإنهم يباعون بثمن بخس، في وقت تمتلك الأنظمة ما تقايض عليه مع هذا الغرب! والسياسة بالطبع لاتتوسل الأخلاق. وما فعله ساركوزي هو موقف فرنسي مستمر في مايخص تعامله مع قضايا المنطقة، وسوريا بشكل خاص؛ شكل شيراك نقطة خروج بارزة عليه.
في هذا السياق أجدني دائم التعاطف مع حال المعارضة السورية المسكين؛ رغم قناعتي أن أساليبهم في العمل والأداء لا تختلف عن النظام الذي يستمدون شرعية وجودهم من مناهضته. كتبت عن هذا قبلا
(أنظر المقال المذكور في الأسفل) *
وما زالت وجهة نظري نفسها. ومع تعاطفي كنت دائما ارثي لحالهم واعني الأحزاب والتجمعات والتنظيمات لا الأفراد، فالأفراد السوريين المناهضين للنظام صنعوا لحظة جادة وحقيقية في التاريخ السوري الذي يكتب الآن. وتبديد فاعلية هؤلاء الأفراد جاء من ابتلاع التنظيمات والتجمعات المعارضة وحتى أشباه التنظيمات لهم؛ وكان يفترض أن يشكل هؤلاء الأفراد رافعة لتحسين الأداء المعارض لا أن تبتلعهم تنظيمات هشة ومستبدة وعائلية وديماغوجية… وفي التاريخ كان هناك أشخاص مفصليين في إرباك أنظمة وحتى إسقاطها؛ لأن قضيتهم وجدت من يصعدها ويدافع عنها. وفي الحال السورية هناك غياب حقيقي عن استغلال قضية معتقلي الرأي ومعتقلي الحريات سواء من قبل “المعارضات” أو المنظمات “الحقوقية” التي هي تابعة مسكينة في الغالب لهذه المعارضات ومختلطة معها..
إن اعتقال صحفي مثل عبد الكريم الخيّون في اليمن صار له صدى وحضور إعلامي في العالم اكثر من أحداث صيدنايا وصدرت بيانات عن منظمات حقوقية عالمية ضمن حملة غير متواهنة تقودها تنظيمات وأفراد يمنيون قليلون استغلت كل الوسائل المتاحة بما في ذلك صناعة أفلام مؤثرة عن عائلته وبثتها على مواقع الفيديو العالمية… في بلد مثل اليمن يحصل هذا بينما لدى السوريين عشرات إن لم نقل مئات من عبد الكريم الخيون ولم تشكل نقطة ضغط على النظام في العالم؛ واليات عمل المنظمات الحقوقية السورية هي الاسوء بين مثيلاتها العربية التي تتشارك معها في بعض العلل؛ لكن المنظمات السورية تعمل وفق قاعدة “اللهم اشهد إني قد بلغت” ولا تزيد على ذلك.

وأما في حال المعارضة فلا ادري كيف تطالب تجمعاتها بتداول سلمي للسلطة وزعماؤها قادة أبديون ولم يرحلوا عن كراسيهم المصنوعة من القصب؛ إلا بالموت أو الانشقاق أو التوريث في بعض الحالات؛ والأحزاب التي تشكلت على عجل لم تشذ عن هذه القاعدة وتم التعامل مع رئاستها ومجلس إداراتها كشركة محاصة بسيطة.
والقضية التي كتب فيها الكاتب علي الأحمد بعد خروجه من جماعة الإخوان المسلمين يعرفها كل السوريين فقد كانت لائحة الاتهام المعدة ضده والمحاكمة في قضاء “الجماعة” وقع الحافر على الحافر مع آليات النظام، بما في ذلك رد الأستاذ البيانوني على ما أثاره الكاتب المنشق عن الجماعة. ولو كانت الجماعة لديها سجون لغاب الكاتب في أحد سجونها!
وقد أثار ضحكي الشديد؛ ممارسة الرقابة في النشر من موقع يتبع للأستاذ خدام نائب الرئيس السابق الذي أصبح معارضاً حين أعاد نشر مقال لي وحذف منه جملة وردت في سياق مخاطبتي للأجهزة الأمنية الحاكمة في سوريا “…وحتى تحين ساعة رحيلكم التي مازلت أراها بعيدة بعكس تبشيرات الأستاذ خدام…” إذ حذفوا “بعكس تبشيرات الأستاذ خدام”! وبالطبع دائما أتمنى أن تكون تبشيرات الأستاذ خدام صحيحة ويثبت خطأ وجهة نظري. ومرد ضحكي أنه إذا كان الأستاذ خدام وهو في المعارضة (الآن) وليس لديه وزارة إعلام (الآن) ولا جيوش مخابرات ومخبرين غير قادر على قبول جملة لطيفة مثل هذه فكيف سيكون حاله لو كتبنا عنه ما يشبه ما نكتبه عن النظام الآن؟
كتبت مع كثيرين غيري في نقد واقع المعارضة الذي يقوم على حسابات غير سياسية؛ بل إن مصدرها دائما من خارج السياسة. وواقعها المتشرذم الكل يقر به حتى “هُم” إلا أن محاولة الخروج من هذا الواقع لم تبدأ ولم يفكر فيها بشكل علني خارج إطار المهرجانات الإعلامية التي لم تعط لا تمراً ولا بلحاً؛ ويحول دون ذلك  نقص الفهم السياسي والتأهيل الإداري، والريبة في الآخرين، وعدم اليقين في الوزن الحقيقي للذات في الواقع السوري للتنظيمات؛ ونقص الحمولات الفكرية لدى المباشرين للفعل السياسي… كل ذلك وغيره يحول دون تحول جذري في آليات عمل وسلوك المعارضة السورية. وأتحدث عن الإعاقة الذاتية وسنتجاوز الوضع الموضوعي لأنه في ظل هكذا إعاقة فانه حتى في حال تغيرت الظروف الموضوعية ستكون المعارضة عاجزة عن الإفادة منها.
دائما أحاول أن أكون لطيفا ومداريا في نقدي للمعارضة السورية ولا انفي أني “أمرق” لهم وأصمت عن أشياء عديدة خصوصا عندما يكون هجوم النظام وأجهزته الأمنية شديدا… ويمكن للمرء أن يجد مبررات كافية لآليات وسلوك المعارضة، لكن المسألة الأهم أيضا أنها لم تتقدم شبراً واحداً رغم أن الكثير من الكتاب السوريين كتبوا في الأمر واقترحوا آليات عمل ومنهم من وضع قيد التداول ما يشبه خططاً إجرائية لإصلاح الحال؛ وهذا يعني أن هناك مجال آخر للتطابق بين هذه المعارضة والنظام الذي تناهضه! فإذا كان النظام يرى أن فترة عقد من الزمن غير كافية لانطلاق عجلة الإصلاح وان الأمر يستوجب قرنا كاملاً! فإن المعارضة رافقته في هذا الأمر ولم تتقدم خطوة باتجاه إصلاح العوامل الذاتية المعيقة لديها وهي كثيرة؛ والتي منها: ضعف الفكر السياسي – عائلية المعارضة – عدم ديمقراطيتها- آلياتها التنظيمية التي تنتمي للقرون الوسطى – عدم قدرتها على سماع رأي مخالف – الرغبة الاحتكارية للسلطة لدى كل جماعة- المحاصصة في “سلطة المعارضة”-…
هل من العمل السياسي (على سبيل المثال) أن لا يجد الأستاذ خدام وسيلة تنظيمية يتكئ عليها في معارضته غير إطلاق “القيادة المؤقتة للبعث”؟ ماذا يعني هذا عملياً غير أن خدام ليس لديه قدرة على إنشاء حزب “حقيقي” جديد وبفكر جديد؛ فكان الأسهل والأسرع القول “إعلاميا” انه يمثل شريحة ما؛ استلفها –للأسف- من البعث؛ وبغض النظر عن صحة التمثيل من عدمه؛ فان إعادة حزب لم يعد حزباً؛ إضافة إلى كونه في بنيته الفكرية والتنظيمية حزبا شمولياً استبداديا شوفينيا؛ وهو سبب رئيسي (أو غطاء لمن يشاء) لمصائب سوريا (و كل دول المنطقة )، يمثل عملاً غير مسؤولاً بحق الناس وبحق فهم التعاطي السياسي مع واقع سوريا الآن.
لقد كان تركيز المعارضة السورية سواء أقرت بهذا إعلاميا أم لم تقر على ما سيسفر عنه موقف الحكومات الغربية من النظام ولم تتحرك في مجال الشارع الأوربي – باعتبار التحرك في الشارع السوري صعبا- عبر منظماته الحقوقية والمدنية والأحزاب والنقابات والتي كان من الممكن أن تشكل حصانة أساسية في عملية البيع، التي تنفذها الحكومات التي يُراهن عليها أو على الأقل سيكون البيع متضمنا حدا أدنى من مطالبـ/ها؛ حياءاً من ضغط منظماتها الوطنية.. دائما تبيعنا الحكومات الغربية في بازارات أنظمتنا؛ وللمفارقة يقبض النظام ثمننا كاملا منها!!
“… لم يأتِ البرابرة.
وبعضُهم قَدِمَ من الحدود،
وقال إنه لم يعد ثمة برابرة.
والآن، ماذا سيحلُّ بنا بدون برابرة؟
لقد كان هؤلاء القوم نوعًا من حل.”

خلف علي الخلف

المقال المشار اليه في سياق المقال*
المعارضة السورية ظاهرة إعلامية أم تملك قوى تغيير؟

خلف علي الخلف

الذي يقرأ تاريخ علاقة المعارضة بالعمل السياسي في سوريا سيجد حيزاً واسعاً من التماثل بينها وبين النظام الذي تعارضه يصل أحياناً إلى درجة التطابق في وسائل العمل السياسي. و سيجد إن هذا التماثل يثير الدهشة في بنية الخطاب وكذلك في آليات تصديره ومرجعياته وفي وسائل الاتصال بـ (الجماهير) ومحاولة التأثير عليها لتعديل خيارات الانحياز الفاعل لهذه الـ (جماهير).
فمنذ تشكيل الجسد الأساسي للمعارضة (الحالية : الداخلية) عبر الانسحاب من ” الجبهة الوطنية التقدمية ” التي شكلها وقادها البعث بعد ” الحركة التصحيحية ” (التي صححت مسيرة الحزب وأعادته إلى جماهيره) وجاءت لاحقة لانقلاب 63 الذي استلم بموجبه البعث السلطة في سوريا و أُسبغت عليها صفة الثورة كعادة كل الانقلابات في ذالك الوقت، فقد كان مؤدى الخروج لا يمس التشكيل الأساسي لبنية المؤسسة الحاكمة المنبثقة عن (الثورة) بل انه تعلق بشكل أساسي بمحاولة التهميش (المستقبلي) التي بدأها البعث لتلك القوى التي أنشأت معه هذا التحالف، عبر النص (دستورياً) على اعتبار البعث قائداً للدولة والمجتمع وكذلك حضر عمل هذه الأحزاب في أوساط الطلبة والجيش، ولهذا السبب كان الخروج الأساسي للأحزاب التي شكلت فيما بعد نواة ” التجمع الوطني الديمقراطي ” التشكيل الأبرز (إعلاميا) لمعارضة ” الداخل ” الآن. ويمكن النظر إلى الخروج هنا في معناه الجوهري على أنه احتجاج على المحاصصة ليس بشكلها الآني بل على شكلها المستقبلي لما ستفرزه هذه التقييدات من ضمور في ساحة عملها إذ أن هذه المعارضة المتشكلة لم تكن مناوئة لسياسات السلطة الحاكمة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية بل إنها تحتج على مسائل ” إجرائية ” إذا جاز التعبير تتعلق بنظرتها إلى الحيز الذي ستجد نفسها فيه (وهي حسابات محقة) إن هي وافقت على هذه التقييدات وهذا ما ثبت لا حقاً فيما يخص الأحزاب التي بقيت منضوية تحت لواء البعث و” جبهته “. إذن لم تكن هذه الأحزاب مناوئة لسياسات النظام ولم تكن تخالفه حتى المرجعيات (الفكرية) التي ينهل منها. باستثناء جماعة الأخوان المسلمين التي اختلف معها النظام (واختلفت معه) منذ البدء وحدد لها خانة إقصائية قادتها لاحقاً لاستخدام وسائل النظام نفسها في التغيير (الحل العسكري) ولم تكن تتقاطع جماعة الأخوان المسلمين مع هذا التشكيل لا فكرياً ولا تنسيقياً في معارضتها للنظام بل إن جميع القوى اليسارية والقومية التي انشقت على / عن النظام كانت تمتلك نفس موقف النظام من هذه الجماعة بل إن بعضها كان أكثر إقصائية منه.
ودون الخوض في تاريخ هذه المعارضة أو تاريخ علاقتها مع النظام أو أهميتها السابقة أو الحالية يمكن لنا أن ندخل إلى آليات عملها ومجال توجهها ومطالبها والبنية المضمونية للخطاب المتشكل بناءاً على هذا.

دائرة المجال الحيوي
تشترك المعارضة (القائمة) مع النظام في رسم المجال الحيوي لسوريا ورسم حدود الامتداد الجغرافي التأثيري لها. فكل بياناتها وأدبيات ” كُتابها ” و “قادتها ” تحدد انتماء سوريا إلى الأمة العربية الواحدة ويشكل العمل من أجل الوحدة العربية شاغلاً (إعلامياً) لهذه المعارضة كما هو الحال لدى النظام الذي تستل منه قوى المعارضة كل خطابه القومجي من إعتبار فلسطين القضية المركزية للعرب إلى تقديم هذه القضية على كل قضايا الداخل السوري في كل بياناتها، بل إن هذه المعارضة كانت تشتبك بشكل فكري وإعلامي مع الفصائل الفلسطينية وقد وجد (كتابها) في المنابر الثقافية والسياسية لفصائل الثورة الفلسطينية حيزاً إعلامياً للكتابة والتعبير، ولم يجد القارئ أي تمايز بين خطابها وخطاب النظام حول هذا الأمر للدرجة التي كانت اغلب (أو كل) المطبوعات الفلسطينية مسموحة التداول في الساحة السورية. كما إن موقف هذه المعارضة كان أيضاً مطابقاً لموقف النظام من الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات بعد المسار الذي اتخذه بعد الخروج من بيروت (وحتى قبله) والتزمت هذه المعارضة جانب ما سمي ولا زال فصائل الرفض الفلسطينية وقد صمتت هذه المعارضة عن الوجود السوري في لبنان طويلاً وكانت تزايد في بعض الأحيان على موقف النظام نفسه من خلال تعامله السياسي (الأمني) على الأرض مع القوى اللبنانية التي تعتبرها المعارضة السورية مناهضة (فكرياً) لها (حزب الكتائب ، القوات اللبنانية، الجبهة اللبنانية : كميل شمعون… الخ)، واستثني من هذه المناهضة حركة أمل(: الشيعية) ولاحقاً حزب الله برغم كونه حزب ديني طائفي مرتبط بقوة خارجية (إيران) لا تتقاطع معه ومعها هذه المعارضة فكريا بل يمكن القول جاء هذا الموقف امتداداً لموقف النظام المتحالف مع إيران ومع حزب الله وحركة أمل،واعتبار هذا الموقف من هذه القوى يمثل التزام بخيارات البلاد العليا التي لا يمكن مساءلتها أو مناقشتها، وفي هذا السياق لم تشر المرجعيات الأدبية للمعارضة لأي إدانة حتى لما جري من ممارسات أمنية في لبنان تقوم بها قوات الجيش السوري والقوى الأمنية السورية والقوى الأخرى المتحالفة معها والمستندة إليها، والتي لم يجد النظام نفسه بُداً من الاعتراف بها لاحقاً، واقتصرت مواقف المعارضة على إدانة بعض الاغتيالات التي حصلت لمفكرين لبنانين في فترة من الفترات دون إدانة أو تحديد الجهات التي قامت بها (حسين مروة ، مهدي عامل…. )، وإذا ذهبنا إلى ابعد من لبنان فنجد إن هذه المعارضة كانت مزايدة على اشتراك قوات سوريا في حرب تحرير الكويت ودان قسم منها هذا الاشتراك من منطلق قومية ضم (صدام) للكويت وقد كان هذا الضم يتوافق مع المرجعيات الفكرية القومية لها وكذلك مع الشعارات الاقتصادية التي رفعها صدام كشعار أعادة توزيع الثروة العربية.
وإذا ذهبنا بعيداً (جغرافياً) في العلاقات خارج الدائرة القومية نجد أن هذه المعارضة كانت تستخدم حتى مفردات النظام نفسه في وصفها للاتحاد السوفييتي (الصديق) والتي لشدة تكرارها في أدبيات النظام والمعارضة صار القارئ يحسبها جزءا من الاسم وكذلك فإنها تشترك في الخطاب الإعلامي مع النظام من الموقف من الولايات المتحدة المنحازة كلياً لإسرائيل والتي ترعى (الكيان الصهيوني) بوصفه ذراعها المتقدم في المنطقة.
وتتمحور المرجعيات الفكرية (الإعلامية) لهذه المعارضة حول نفس المرجعيات التي يستند إليها ويعلنها النظام ، كما إنها تنهل من المشروعية النضالية التي يعتبرها النظام أساس شرعيته في الحكم فهو يؤسس شرعيته (الثورية) على النضال (الطبقي) الذي قضى على مراكز القوى الاقتصادية (البرجوازية) والتزم جانب الطبقات الفقيرة من عمال وفلاحين و صغار الكسبة !! ولم يتسرب خطاب التعددية الاقتصادية إلى أدبيات هذه المعارضة إلا بعد أن قطع النظام شوطاً طويلاً في تكريسه على الأرض وإن ظلت تعبيراته الإعلامية عن هذه التحولات في السياسة الاقتصادية تقع في منطقة الغموض الملتبس المتعمد فهو من جهة لا يريد أن يعلن أنه حسم خياره في شأن الاندماج مع الاقتصاد العالمي الذي يدرك من يضع الخطط الاقتصادية للنظام أنه لم يعد ممكناً البقاء بعيداً عن اقتصاد السوق وقد أوجد النظام صيغة إعلامية لهذا التحول وهي ” اقتصاد السوق الاجتماعي ” في الوقت الذي تحول الخطاب الاقتصادي للمعارضة إلى مفهوم العدالة الاجتماعية كبديل عن الاقتصاد الاشتراكي (اقتصاد الدولة) ويدور الطرح الاقتصادي للمعارضة في فلك أطروحات النظام

آليات تداول السلطة
وإذا كان النظام عبر استناده إلى الشرعية الثورية لم يكن معنياً أساساً بطرح مسألة تداول السلطة على بساط البحث أو النقاش حتى، فقد كان طرحه الأساسي يتمحور حول القيادة الثورية بدايةً، ليتحول لاحقاً بعد الحركة التصحيحية إلى مفهوم القائد التاريخي عبر هذا الشعار ومشتقاته والذي تم تبنيه من حزب البعث تحت مسمى ” قائد المسيرة ” وأسبغت الأدبيات الحزبية والإعلامية للنظام على هذه القيادة التاريخية صفات إضافية منها (الملهمة) أما(القيادة) في الصف التالي للقيادة التاريخية فقد تم تحنيطهم كواجهة أبدية للنظام وكان الفاعل ألتغييري الأساسي في هذه القيادة هو ” عزرائيل ” وعليه فقد أنطبق على جميع قيادات الصف الثاني للنظام شعار إلى الأبد وليس فقط القيادة التاريخية. هذه الآليات كانت نفسها في أحزاب الجبهة المنضوية تحت لواء البعث وكذلك في أحزاب المعارضة، فقد كانت آلية ” عزرائيل ” هي الفاعل الوحيد في صفوف أحزاب المعارضة كبيرة أو صغيرة وقد شذ أخيراً حزب الشعب الديمقراطي (الحزب الشيوعي السوري \ جناح المكتب السياسي) عن هذه الآلية فاستقالت قيادته (التاريخية) لتفسح المجال أمام انتخاب أمين عام جديد أما بقية الأحزاب المعارضة فمنهم من أزاحهم عزرائيل ومنهم من ينتظر، وكانت الخلافات على القيادة تؤدي دوماً لانشقاق الحزب أو الجماعة ليُغلِف فيما بعد خطاب المجموعة المنشقة والباقية هذا الخلاف ببعض الأسباب ” العامة: الفكرية : الموقف السياسي ” للتغطية على خلاف الزعامة الأساسي.

مضمون خطابها في مواجهة الآخر
لا يوجد أي اختلاف مهما كان طفيفاً في خطاب السلطة الموجه للخارج عنه في خطاب المعارضة فمن مصطلحات الامبريالية والرجعية العربية والتقدمية والصهيونية العالمية ومؤخراً العولمة والغزو الثقافي إلى شعارات التحرير والصمود والتصدي، يتشكل الجسد الأساسي في كلا الخطابين ولا تنزاح مدلولات هذه المصطلحات\ المفردات قيد أنملة بينهما، بل إنها منسوخة تماماً ويبدو الخطاب المعارض يغالي في بعض الأحيان اتجاه القضايا الخارجية (الخطابية). وإذا كانت صيغة الخطاب نحو الخارج في إعلام وأدبيات النظام موجهة نحو الداخل أساساً فهي كذلك في الخطاب المعارض إذ أنه خطاب يتوخى تسجيل الموقف داخلياً وغير معني أساساً في إثباته كالتزام سياسي في العلاقات الخارجية، بل إن كثير من المعارضين للنظام انشئوا علاقات مع النظام البعثي العراقي السابق وهذا يطرح مسألة المعارضة على بساط بحث حصة السلطة إذ لا يمكن هنا اعتبار المعارضة نتاج خلاف مع الأسس الفكرية أو العقائد التي يصدرها النظام كواجهة له، ويطرح سؤال جوهري : معارضة ماذا؟ إذا أكان الهروب من نظام شمولي يؤدي للتقارب مع نظام قمعي شمولي آخر !!
كما إن خطاب المعارضة كان حافلاً بالتخوين والعمالة والارتباط المشبوه سواء ذلك الموجه للداخل عن أنظمة عربية أخرى أو أفراد وجماعات داخلية كان لها وجهات نظر مخالفة.

آليات تصدير الخطاب
اعتمد النظام على وسائل الإعلام التي امتلكها قاطبة في تصدير خطابه للجماهير، كما اعتمد على الحشد الجماهيري “لموظفي ” لحزب و (الدولة) في مسيرات حاشدة كان تنظمها السلطات على المستوى المركزي أو المحلي في كل المحافظات وكانت هذه التظاهرات وسيلة ” داخلية” للرد على الخارج وإرسال رسائل ” شعبية” إلى الخارج كلما اشتدت ضغوطه على النظام. وشكلت ” الذكرات ” (: ذكرى الثورة ، ذكرى الحركة التصحيحية، ذكرى ميلاد الحزب العملاق ، البيعات… ) مناسبة دائمة لإبداء الولاء والتفاف الشعب حول قيادته. وقد كانت هذه الآلية هي نفسها المتبعة لدى الأحزاب المعارضة، من ذكرى تأسيس الحزب إلى ذكر اعتقال احد زعمائها أو ذكرى قيام التجمع، وبسبب الحض الذي فرض على أي نشاط جماهيري لها (وعليها أساسا) كان يكتفى بإصدار بيانات توزع سراً إلى جماهير شعبنا إضافة إلى تجمعات سرية بهذه ” الذكرات ” لتعود فيما بعد لسباتها إلى إن يوقظها حدث يستدعي صدور بيان سري إلى جماهير “شعبنا ” وإلى وسائل إعلام قليلة أخرى لتنشره في أماكن توحي بمدى أهمية هذه المعارضة والبيانات الصادرة عنها.

الإخوان المسلمين كفرع مستقل للمعارضة
شكل “الأخوان المسلمين” التحدي الأبرز للنظام على مدى تاريخه وقد خاضت هذه الجماعة المحظورة حرباً داخلية مسلحة ضده، استخدمت عبرها كل وسائل النظام الذي استخدمها ضدها: مواجهة مسلحة، اغتيالات، تفجيرات عشوائية. وإذا كان النظام قد كفر هذه الجماعة وطنياً فقد كفرته هي دينيا ووطنياً، وقد كانت هذه الجماعة تجد عمقها في دول (الرجعية العربية) كما كان يسميها النظام, وقد حصلت على تمويل سري وعلني(: تبرعات) من أنظمة وشعوب عربية مجاورة وبعيدة: (الأردن، السعودية، دول الخليج الأخرى)، إلا إن التحالف ” اللوجستي” الأبرز لها كان مع النظام العراقي فقد أمدها بالسلاح والسيارات المفخخة عبر الحدود ودون الخوض في اتهامات النظام لها بالعمالة لـ أمريكا والغرب وحصولها على تمويلات وتسهيلات منه في تلك الفترة فإنها هي أيضاً كانت تتهم النظام بالعمالة للشيوعية وموسكو. وبالمقابل من الخطاب القومي للنظام والأمة العربية الواحد استخدم الإخوان المسلمين “الأمة الإسلامية“.
وبعد حسم المواجهة المسلحة بينها وبين النظام لصالح النظام ، توزع قادة وأعضاء هذه الجماعة خارجيا على دول عربية احتضنت أعضاءها (الأردن، السعودية) ووفرت لهم ملاذاً آمناً، وحرية محدودة ومضبوطة لتمارس نشاطها الإعلامي على استحياء من هذه الدول، وترتفع وتنخفض وتيرة هذا النشاط الإعلامي حسب واقع علاقة الدول الحاضنة لها مع النظام السوري. إلا أن حرب الكويت وما نتج عنها من “شهر عسل” مديد بين النظام في سوريا ودول الخليج، وكذلك إصلاح العلاقة مع الأردن، قد حول نشاط هذه الجماعة الإعلامي إلى الغرب كلياً. وصار حالها حال بقية الجماعات والأحزاب الأخرى إذ اقتصر نشاطها على البيانات الموجهة لجماهير شعبنا المسلم، ولم يكن مطروحاً (فكرياً) على أجندة هذه الجماعة الاعتراف بالمجموعات والجماعات والأحزاب المعارضة الأخرى في موقف متبادل من قبل الجميع.

معارضين آخرين:

1 شكلت الأحزاب الكردية معارضة “أثنية ” على أساس قومي وقد امتدت مطالبها من الوطن القومي(للكورد) إلى الحقوق الثقافية داخل البلاد إضافة للمطالب (الإعلامية) الأخرى التي تصعدت لاحقا من قبل الجميع إلا أن الأحزاب الكردية عانت من الاتشقاقات الدائمة ولم تشكل أي تهديد جدي للنظام واقتصرت نشاطاتها على تجمعات في النيروز وغيرها من المناسبات وكذلك إصدار البيانات في المناسبات القومية (الكردية) والمناسبات السياسية الأخرى. وقد استخدمت هذه الأحزاب مصطلحات خاصة بها لاتهام النظام منها الشوفينية والتعصب القومي.. الخ.

2 لم ينظر إلى رفعت الأسد وتجمعه القومي (وحزب ابنه) يوما من قبل كل الأطراف المعارضة (وحتى السلطة)على انه معارضة جدية للنظام، بل يحال سبب معارضته إلى إقصائه عن السلطة بعد خلافه الشهير مع شقيقه الرئيس الراحل أثناء مرضه في منتصف الثمانينات، ومحاولة استيلائه على السلطة وقد انشأ رفعت الأسد قناة إعلامية إخبارية خاصة به لبث بياناته إلى الشعب السوري العظيم، يعلن فيها بشكل مستمر عن عزمه العودة لإنقاذ البلاد. إلا أن التهم الموجه له بمسؤوليته عن بعض المجازر (تدمر) (المواجهة مع الأخوان في حماة) تقف (إضافة لكونه شقيق الرئيس الراحل وعم الحالي) حائلاً دون قبوله بأي تجمع أو مؤتمر للمعارضة. وقد تبنت قناته الإعلامية بشكل مفاجئ خريطة الحزب القومي الاجتماعي السوري لسوريا الطبيعية لتبث خطاباً قومياً وأغاني (قومية) مركزة تذكر بالنظام في عهوده الثورية السابقة.

3 المعارضة الخارجية الناشئة حديثاً : تشكلت في الفترة الأخيرة أحزاب وتجمعات لم يعد ممكنا ضبط عددها وأسماءها واقتصر حضورها على بعض الظهور على الفضائيات العربية وإرسال الرسائل والبيانات عبر الايميلات ولا يعرف إن كانت تمتلك أعضاء أساسا غير المؤسسين الذين أعلنوا عن تشكيل هذه (الأحزاب) مما دعا البعض أن يطلق عليها الأحزاب الالكترونية، ويبرز في هذه المجموعة حزب الاصلاح لنهاد الغادري المدعوم بعلاقته مع الإدارة الامريكية.

الالتقاء بين الإخوان والآخرين
شكل صدور ما سمي بالميثاق الوطني في بداية الألفية الثالثة، الذي التقت فيه جماعة الأخوان المسلمين مع شخصيات ثقافية وفكرية ومجموعات معارضة للنظام خطوة رئيسة وأساسية في صياغة خطابا تلتقي عليه وعنده جميع الأطراف المعارضة للنظام إلا إن هذا لم يغير شيئاً مما يجري على الأرض فقد ظل الأمر مقصوراً على البيانات والظهور الإعلامي في الفضائيات لتكيل تهماً مكرورة للنظام.
ولا يمكن تجاهل فكرة أساسية: إن هذه المعارضة كانت تتوجه إلى النظام مطالبة إياه بالإصلاح السياسي والاقتصادي و… وإتاحة المشاركة أمام الجميع. ويشترك في هذا جميع المعارضين بما فيها جماعة الإخوان المسلمين بعد أن أصبح حضورها إعلامياً فقط .إلا إن اغتيال الحريري وما تمخض عنه من تقرير ميليس الأول… إلى الضغوط الدولية المتزايدة على النظام قاد هذه المعارضة إلى “إعلان دمشق ” للتغيير الديمقراطي، والذي تبعه إعلان خدام لمعارضته علناً ليشكل هذا نقلة إعلامية في الخطاب المعارض وهو ما قد نتناوله لاحقاً.

Khalaf88@hotmail.com

خاص – صفحات سورية –

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى