جورج كتن

رسالة إلى مؤتمر كردي سوري

جورج كتن

خاص – صفحات سورية –

 2006 / 5 / 29

مهما قيل عن المؤتمرات أو اللقاءات الموسعة التي تتم حالياً في الساحة الخارجية لعدم توفر إمكانية عقدها في الداخل، فإن إيجابياتها وفائدتها أكبر من سلبياتها في تأمين الحوار حول القضايا العامة التي تهم الجميع, والتعرف على آراء الآخرين والسعي لتوافقات مشتركة

وفي المؤتمر الكردي السوري المنعقد ببروكسيل فإن من المسائل التي يجب أن تطرح للحوار برأينا:

 

أولاً –التوافق حول أن الحركة الكردية في سوريا هي طرف أساسي في حركة المعارضة الديمقراطية السورية العامة, التي تطرح أولوية العمل لهدف محدد: الانتقال بسوريا من النظام الاستبدادي إلى النظام الديمقراطي. فالقضية الكردية في سوريا هي أحد أوجه القضية الديمقراطية العامة للبلاد, لذلك فمن الطبيعي انخراط الحركة الكردية في العمل من أجل التغيير الديمقراطي وليس “تأييده” فقط – كما في تأييد العملية الديمقراطية في العراق مثلاً-!.

فالبعض يرى أن لا مصلحة للحركة الكردية بوضع كل بيضها في سلة المعارضة السورية, التي فيها أطراف لا تقبل كل ما تطرحه الحركة الكردية من أهداف قومية خاصة, وأن الموقف الوسط بين النظام والمعارضة هو الأفضل لدفع الطرفين للتنافس حول كسب ود الكرد بالموافقة على، أو تحقيق بعض مطالبهم, وهو موقف يتجاهل أن النظام أثبت طوال عقود أنه لن يتراجع عن سياسته التمييزية والاستعلائية بحق الكرد, ولن يتخلى عن محاولاته لتذويب شخصيتهم المستقلة, وحتى عندما يصرح بالعمل لحل أبسط المسائل مثل قضية المجردين من الجنسية, فإن ذلك لا يتجاوز إطار الوعود الخادعة.

وبافتراض الاحتمال الأبعد, أن النظام قام بتغيير سياساته التمييزية ضد الكرد, فلا نظن أن من مصلحة الشعب الكردي استمرار الاستبداد, فالديمقراطية وحقوق الإنسان هدف مشترك لجميع السوريين كرد وعرب, وهي بالإضافة لكونها حاجة إنسانية وهدف لذاته, فهي وسيلة لتحسين الأوضاع المعيشية ومواجهة الأطماع الخارجية, والطريق الأسلم الذي يمكن الكرد من التوصل لحقوقهم القومية الخاصة.

وليس من المنطقي ما يطرحه البعض من اشتراط – أو ربما مقايضة- القبول بالأهداف القومية المعلنة للحركة الكردية, “بالتأييد” أو الانضمام للمعارضة السورية المتجمعة حول “إعلان دمشق”. فالائتلاف الديمقراطي السوري ضرورة لا يمكن الاستغناء عنها في المواجهة مع النظام الأمني، وكل من يضع نفسه خارجه يخاطر بالابتعاد عن المشاركة في الحركة الديمقراطية التي تحتاج لجهود جميع أطرافها دون استثناء.

ولا نظن أن الأحزاب الكردية التي تعمل في إطار “الإعلان” قد تخلت عن الأهداف القومية الكردية الخاصة, عندما قبلت بصيغة الحد الأدنى المتفق عليها في “الإعلان” حول الاعتراف بالقضية الكردية وكيفية حلها, وهي صيغة ناقصة لكنها متقدمة عما كان يدور حول المسألة الكردية في أوساط المعارضة السورية.

الأحزاب الكردية المشاركة ليست أسيرة هذه الصيغة ولا تختلف في العمل للأهداف الكردية الخاصة عن الإطراف الكردية المبتعدة عن “الإعلان”, إلا أنها وحدت جهودها مع القوى المعارضة في المواجهة للانتقال للديمقراطية, وقطعت الطريق على تحويل المعارضة إلى معارضات, وملكت مجالاً- غير متوفر للمقاطعين- للحوار الدائم حول أهداف الحركة الكردية, حيث الصيغة حول المسالة الكردية في “الإعلان” خطوة أولى، و”الرؤية المشتركة” – تفسير الطرف الكردي للحل الديمقراطي للقضية الكردية-, خطوة أخرى على طريق إدراجها ضمن البرنامج الديمقراطي السوري العام, وتحويلها إلى قضية عامة يعمل من أجلها كل السوريين.

 

ثانياً – أمام المؤتمر مسالة أساسية أخرى يجب الوصول إلى توافق بشأنها, وهي ماهية الحقوق القومية للكرد في المرحلة الراهنة. إذ أنه يمكن فهم المطالب حول إلغاء القوانين الاستثنائية العنصرية المجحفة بحق الكرد, وإعادة الجنسية للمجردين منها …, وإقرار الحقوق الثقافية الكردية في المجال التعليمي والإعلامي والثقافي والفني…, على أساس حل ديمقراطي للقضية الكردية كقضية شعب وأرض بالإقرار الدستوري بالوجود القومي الكردي كثاني قومية في البلاد, واللغة الكردية إلى جانب العربية، وتمثيل الكرد في مؤسسات الدولة تبعاً لواقعهم السكاني…, وتطوير إدارة ذاتية في المناطق الكردية…,

إلا أنه لا يمكن فهم ما يطرحه البعض عن “حق الشعب الكردي في تقرير مصيره في إطار وحدة البلاد” أو “..بالارتباط بالوطن السوري” أو “..مع الحفاظ على وحدة الدولة السورية”, وهي صيغة متناقضة وردت في مشروع الميثاق المعروض على المؤتمر, فمن المعروف عن “حق تقرير المصير” أنه يتضمن حق الانفصال إلى جانب خيارات أخرى لا تؤدي إليه, فكيف يمكن التوفيق بين التمسك بحق الانفصال مع التأكيد على الحفاظ على وحدة البلاد؟

نظن أن “حق تقرير المصير” هو رأي الأقلية في مجال الحركة الكردية, فجميع القوى السياسية الكردية تؤكد على الحل في إطار وحدة البلاد, ليس على أساس الرغبة الخاصة أو لتفادي الضغوط, ولكن بناء على وقائع أثبتتها عقود طويلة من التطور في سوريا والمنطقة, ولدت خصوصية ومصالح مشتركة للعرب والكرد في سوريا، بحيث اقتنعت الحركة الكردية بحلول لقضاياها في إطار البلدان التي تتواجد فيها بشكل مستقل عن البلدان الأخرى, مع تعذر تعميم حل واحد متشابه للمسألة الكردية في كل البلدان, فلكل بلد ظروفه والحلول التي تناسبه.

إن تقسيم كردستان والمنطقة العربية الذي تم منذ قرن دون إرادة سكانه, أصبح حقيقة واقعة بحدود شرعية معترف بها دولياً ومن المستحيل المساس بها, وسوريا ليست كما يتوهم البعض دولة غاصبة لأرض كردية يجب تحريرها, بل هي وطن مشترك للعرب والكرد وقوميات أخرى أصغر, ربطت بينها أواصر التاريخ والعيش المشترك الطويل, وولاء الجميع للوطن السوري يتعزز كلما تمتعوا أكثر بحقوقهم المشروعة السياسية والاجتماعية والثقافية والقومية, فالكردي سوري بقدر ما هو كردي ولا تناقض بين الانتماءين, ومصير الكرد والعرب مشترك والآمال واحدة في تحقيق الديمقراطية والتنمية والحياة الأفضل.

فإذا لم يسمح ضيق الأفق القومي بالتوافق على هذه المسألة, فستظل مجالاً للمزايدة وعاملاً من عوامل التباعد بين أطراف الحركة الكردية, وبينها وبين المعارضة السورية. وبالتالي إضعاف وتشتيت الجهود الساعية لانتشال سوريا من أزمتها الراهنة.

 

ثالثاً – أن التوصل إلى خطاب سياسي كردي موحد. وتشكيل مرجعية قيادية عليا للحركة الكردية في ائتلاف أو جبهة تضم الأحزاب والهيئات والجمعيات والشخصيات المستقلة, حول ميثاق موحد وواقعي, أمر ممكن لأن معظم الخلافات الراهنة بين الأطراف المتعددة راجعه لاسباب تنافسية تنظيمية أو لمصالح حزبية, يمكن تجاوزها لصالح القضية المشتركة.

أما الحديث عن هيئة وطنية تعتبر نفسها الممثل الشرعي والوحيد للأكراد السوريين, فنظن أنه يعرقل التوصل إلى توافقات مشتركة حول مرجعية قيادية موحدة, بالإضافة إلى أن التمثيل الشرعي لا تعطيه أية هيئة لنفسها ولكن تأخذه ممن تعمل لتمثيلهم, وهو أمر متعذر حالياً. واعتماد التمثيل الوحداني يسهل توسيع الخلافات بين الإطراف المتعددة, وتحويلها إلى صراعات تناحرية.

كما أن المرجعية القيادية الموحدة يجب أن تراعي أن القرار السياسي الكردي يتركز داخل البلاد مع الاعتراف بأهمية دور الإطارات السياسية الخارجية بدعم العمل السياسي في الداخل

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى