طريقة مبتكرة لعقاب السفاحين
جورج كتن
خاص – صفحات سورية –
2006 / 6 / 23
لكننا مع ذلك لا يمكننا تجاهل أن رأي الكاتب الطاهر إبراهيم ليس نادراً في أوساط تيار الإسلام السياسي, فقد أبدى كتاب وفضائيات وأوساط شعبية “انزعاجاً” – حتى لا نقول حزناً وألماً وحسرة- لمقتل سفاح بغداد الزرقاوي, وبشكل خاص نواب جبهة العمل الإسلامي الأردنية الذين عزوا ب”الشهيد”, وحماسيين نعتوه “بشهيد الأمة” رغم نفي قيادات حماس لذلك دون تحديد موقفها من الشخصية المقتولة المثيرة للجدل.
تميز الكاتب في مقاله بتقديمه تفسيراً للمتعاطفين مع الزرقاوي يوفر عليهم اتهامهم بتحبيذ الإرهاب, فهو يفرق بين أعماله “المقبولة” ضد الاحتلال وبين أعماله “المرفوضة” ضد العراقيين، ويتجاهل أن أعماله الأولى مدانة ومستنكرة من ما يفوق ثلاثة أرباع المواطنين العراقيين, الذين شاركوا في العملية السياسية وانتخبوا مجلس وحكومة مهمتها القضاء على الإرهاب، ليسمح ذلك بالاستغناء عن القوات الأجنبية متعددة الجنسيات التي ستنسحب بعد أن تصبح القوى الأمنية العراقية قادرة على التصدي للجماعات الإرهابية.
أما كلمة “مرفوضة” لأعماله ضد العراقيين دون ذكر أنها أعمال إجرامية, فتخفيف من فداحة الإجرام الوحشي الذي تتضمنه، وهي أقرب لتعبير “غير مستحبة”, خاصة أن الكاتب يشكك أن الزرقاوي “هو الذي نفذها”, “فإن كان قد أساء” فيتركه لعقوبة الله. وهي طريقة لعدم مقاضاة السفاحين وأنصارهم ومن يخلفهم بعد مقتلهم, نقترح على “الكاتب” أن يطبقها على صدام حسين بطلب الإفراج عنه لأعماله “الصالحة” كالدفاع عن البوابة الشرقية واحتلال الكويت –الذي أيده الإخوان المسلمين- وكتابة “الله أكبر” على العلم العراقي وقتل الأمريكان, ويمكن أيضاً أن يسمح لبن لادن “شيخ المجاهدين ضد أميركا” بالتجول خارج كهفه إلى أن يقف أمام ربه لمحاسبته.
ويعتمد “الكاتب” على “روبرت فيسك” لتبرئة الزرقاوي من جرائمه ضد الإنسانية, باتهام الأميركان والموساد بأنهم “وراء تفجيرات المساجد والحسينيات والمدارس والأسواق”, ونضيف: الكنائس والمستشفيات والدوائر الحكومية والمخابز ومحطات الكهرباء والمياه وأنابيب النفط والمطاعم والفنادق… الدفاع عن الزرقاوي حتى بعد مقتله ليس بلا فائدة, فتنظيف ساحته يفيد من تركهم وراءه ليستمروا مطمئنين إلى أن أعمالهم “غير الموافق عليها” ستلقى من يتطوع لإلصاقها بالشيطان الأكبر.
لم ترد كلمة “إرهاب” مرة واحدة في مقال “الكاتب”، فهو يبحث في “الشأن الجهادي” كما يقول، يهلل ويرحب ويشد أزر الزرقاوي عندما يستهدف جنود الاحتلال ولا يوافق على أعماله ضد إخوانه العراقيين على اختلاف مذاهبهم, متجاهلاً أن قتل “النصارى” والشيعة “الروافض” والأكراد “الخونة” والناخبين “السنة” وردت على لسان مرحومه الزرقاوي في تسجيل لصوته لم يشكك به بعد كاتب بريطاني شهير.
والعزاء بالمرحوم واجب, ولا بأس هنا من العودة للتراث وسير السلف الصالح, حيث يقارن “الكاتب” الزرقاوي, “بإبراهيم بن عبد الله بن الحسن بن علي” عندما قتله الخليفة المنصور ثم قبل العزاء به على أنه ابن عمه, رغم بعد الشبه بين حالته وحالة الزرقاوي.
ولأن الكاتب يريد أن يبتعد عن السياسة ويتحدث في الأمور الجهادية وسير الصالحين، فإنه يخفق في التمييز بين الأعمال الإجرامية والأعمال التي “لا يوافق عليها“.
إن تبرير الإرهاب بطريقة مواربة لا تقل خطورة عن الإرهاب نفسه، فالقضاء عليه يستوجب تجفيف منابعه الفكرية “الجهادية” التي تعيد إحيائه رغم الضربات القاسية الموجهة له, إذ أن تبرئة الإرهابيين من أعمالهم المشينة ليس من مهمات تيار الإسلام السياسي الذي يعلن وسطيته واعتداله, بل إن من أهم واجباته تبرئة الإسلام ممن يستخدمونه ستاراً لجرائمهم ضد الإنسانية, وتوظيف التراث للحض على إدانتهم وشجب أعمالهم