ما هو مشترك بين الإسلاميين المعتدلين والمتطرفين
جورج كتن
خاص – صفحات سورية –
2006 / 7 / 3
لا شك أن أعداداً من المتأسلمين, الموصوفين بالمعتدلين لعدم حملهم السلاح واكتفائهم بوسائل سياسية واجتماعية للوصول لأهدافهم, لم يوفروا مناسبة لتبرير الإرهاب الأصولي بطرق مواربة.
إلا أن ما هو جديد أن “المعتدلين” رفعوا وتيرة تبريرهم للإرهاب مع دخول الإسلام السياسي مرحلة جديدة بوصول إسلاميين للسلطة في بعض البلدان, فنواب الأخوان في الأردن ذهبوا للتعزية بالزرقاوي ووصفه أحدهم “بالشهيد المجاهد” وقلل من فداحة مقتل العشرات في عملية فندق عمان بدعوى أن العرس كان مختلطاً!!.
لم يصدر هذا التصريح عن حزب العمل الإسلامي رسمياً لكنه التعبير الأوضح غير الموارب عن موقفه, لذلك فالنائب لم يفصل لأن تصريحه لا يخرج عن مبادئ الجماعة, أما آخرين ففضلوا الاستمرار في التبرير, كما في حديث المراقب العام للجماعة لصحيفة “الحياة” حيث “لا يمتدح الزرقاوي” لكنه لا يذمه, ويصفه بالخلط بين العمل الصالح والسيئ!!, فالزرقاوي الذي ذبح آلاف المدنيين العراقيين وأحل دم الشيعة “الروافض” وشوه صورة المسلمين في العالم وأطال أمد الوجود العسكري الأجنبي.., أعماله ليست مستنكرة ومدانة بل مجرد غير مقبولةَ.
المراقب العام يدين الإرهاب بلسانه ويؤيده بقلبه, فهو يعرٌف إرهاب الزرقاوي بأنه “أخذ الحق بالقوة دون سند قانوني.. واستهداف الأرواح من دون شرعية” أي أن استهداف الأرواح عمل محق ولكن تنقصه الشرعية!! والزرقاوي برأيه له “محبون وأنصار” في الأردن و”لا ننكر عليه مقاومته للاحتلال” ولكن للمواربة “لا نتفق معه بالفكر والممارسة”, و”القاعدة” ليست تنظيماً إجرامياً, فوفق المراقب العام: “ليس كل ما تقوم به صحيح”, وهي طريقة مواربة للقول أنها تقوم بعمل صحيح ولكنها ليست منزهة عن الخطأ.
موقف الجماعة تأرجح بين تأييد الزرقاوي من جهة لعدم دفع “الحركة الإسلامية ثمناً شعبياً” كما يخشى المراقب العام, وبين المواربة في تأييده من جهة أخرى لعدم التعرض للمواجهة مع النظام الذي يدافع عن مواطنيه ضد الأعمال الإجرامية. ورغم أنه لا توجد أية اعتبارات سياسية أو عقائدية أو دينية أو فلسفية أو عرقية مهما كانت عادلة تبرر عمليات الإرهاب– كما جاء في قرار مجلس الأمن 1566-, فإن مراهنة “المعتدلين” على الإرهاب لن تفيدهم، إذ لا يمكن الركون “لانتصارات” في عمليات قتل المدنيين السهلة, فالنهاية ليست لصالح المجرمين عندما يتمكن مكافحو الإرهاب من الوصول إليهم قبل قيامهم بعملياتهم.
إخوان الأردن كانوا الحزب الوحيد المسموح له بالعمل والمتحالف مع النظام الملكي خلال ثلاثة عقود ماضية, لكن الوقائع الجديدة للصحوة الإسلامية في المنطقة دفعت سياساتهم للتعارض مع النظام, فها هم الإخوان يمسكون بالسلطة الفلسطينية, ويحصلون على مقاعد أكثر في بلدان أخرى, وإخوان الأردن مقتنعون بأنهم يقفون عند أعتاب السلطة, ويمكنهم الفوز بها بانتخابات قادمة, بمساعدة برنامجهم الخارجي الرافض لمعاهدة السلام والتطبيع مع إسرائيل والمتهم للحكومة الأردنية بالرضوخ لمطالب أميركا, والمبرر للعمل الإرهابي العراقي, والمؤيد للصمود السوري في مواجهة الضغوطات… فالشعارات الوطنية المتشددة تجتذب الأنصار أكثر من الدعوة للدولة الدينية والحاكمية والولاء والبراء.
لا يجد المراقب العام ضرورة لاعتذار عن تصرف نواب حزبه, فبعد انتهاء مرحلة “التمسكن” وبدء مرحلة التمكين, لا اعتذارات عن “المبادئ”!!. والمراقب العام الآخر المصري لا يعتذر أيضاً عن شتائم وجهها لوطنه ومواطنيه في حديثه المسجل لروز اليوسف: ” طظ في مصر.. وأبو مصر.. واللي في مصر” عند توضيحه تمسكه “بالجنسية الإسلامية” وتفضيله لحاكم أفغاني أو ماليزي أو باكستاني على أي مصري غير مسلم!!
في مرحلة التمكين والاستعلاء تتناقص الفروق بين الإسلام السياسي “المعتدل” والمتطرف, في توزيع أدوار يكاد يشابه ما بين القيادات السياسية للفصائل الفلسطينية وأذرعها المسلحة, فالأهداف مشتركة: أسلمة الدولة والمجتمعات والعالم…, لكن الوسائل مختلفة فالإسلام “المعتدل” يفضل استغلال المشاعر الدينية في مجتمعات متخلفة للوصول إلى السلطة عن طريق صناديق الاقتراع, رغم أن استطلاعات رأي حديثة بينت تراجع نسبة المتعاطفين مع السلفيين, مما قد يقود لمواجهة بين الجماعة والشارع الأردني بدأت بوادرها في المسيرات المحتجة على نواب الإخوان المبررين لإرهاب الزرقاوي.
تذٌكر الفوارق بين الإسلاميين المتطرفين و”المعتدلين” بالفوارق بين النظام الصدامي وجماعة من المثقفين العرب دافعت عنه وبررت له قبل سقوطه وبعد زواله، من أمثال عطوان والبكري وشبيلات وعدد من “ديناصورات”* المؤتمر القومي العربي. ولا يفوتنا الإشارة لأبرز الإسلاميين “المعتدلين” المبررين للإرهاب, الكاتب فهمي هويدي, ففي مقاله في “الشرق الأوسط 21- 6” يصف جرائم الزرقاوي بأنها “ممارسات” فيها “خطأ وصواب” وهو “يتحفظ” فقط على “بعضها”, وأخطائه “ألصقت به بتدبير مقصود من الأجهزة الأميركية لاغتياله سياسياً ومعنوياً قبل تصفيته جسدياً”, وهو “يمتدح” و”يقدر” و”يغبط” الزرقاوي لمقاومته.
أما البيانوني فلم نسمع له تبريراً للإرهاب بل صرح أن الضغوط على جماعات الإسلام السياسي “المعتدلة” بعد فوزها ستؤدي لتغذية الإرهاب وظهور حركات متطرفة داخلها. لكن الإسلام “المعتدل” ليس ضمانة ضد التطرف بل هو المدرسة الأولى للإرهاب الأصولي, فبدايات المعتدلين والمتطرفين مشتركة, عملية غسل دماغ داخل المؤسسات والتنظيمات الدينية على اختلافها التي يخرج الإرهابيون من صفوفها ليس بسبب ضغوط خارجية ولكن غالباً لأسباب تتعلق بنفاذ صبر المستعجلين على الأسلمة, فالإخوان أفرزوا تنظيمهم الخاص المسلح أيام عبد الناصر ثم جماعاتهم المسلحة في عهد السادات، والطليعة المسلحة خرجت أو انشقت عن جماعة سوريا للقيام باغتيالات وتفجيرات إرهابية… وكل ذلك سبق الضغوط على الإسلاميين الذين وصلوا للسلطة.
من التجربة المريرة لا يمكن محاربة الإرهاب الأصولي إلا بإسلاميين يملكون الجرأة الكافية لتحريم أعمال القتل والجرائم ضد الإنسانية بدل مئات الفتاوى المسلطة على كتاب حاولوا الاجتهاد والتجديد في المجال الديني, بإسلاميين يقبلون الحداثة ويطورون تأويلاً للنصوص يتلاءم مع العصر, يجفف ثقافة الموت والنحر والانتحار واستئصال الآخر باسم الجهاد والاستشهاد، ويرفع قيمة الإنسان فوق أية أيديولوجيا حتى الدينية منها التي هي في خدمة الإنسان وليس الإنسان في خدمتها, وإلا فإن الخلط بين الإسلاميين المعتدلين والمتطرفين سيظل قائماً.
مثل هذا الإسلام المعتدل –بدون أقواس- لم يوجد بعد سوى في تركيا حيث الإسلام العلماني في قمة السلطة يحظى بتأييد غالبية شعبية كبيرة.
* تعبير مأخوذ من الكاتب رياض الريس.