جورج كتن

عندما يخلط الإخوان الدين بالسياسة الوطنية

جورج كتن

خاص – صفحات سورية –

 2006 / 7 / 13

العالم والدول والمجتمعات والناس يتبدلون, والأحزاب والبرامج والأهداف والوسائل تتغير, حتى الإخوان المسلمون تطوروا رغم اعتمادهم مرجعية دينية ثابتة, فلتواكب الجماعة في سوريا العصر وسنة الكون المتغيرة قدمت “رؤية لمشروع حضاري لسوريا المستقبل” لإثبات أنها انتقلت من الترويج للدولة الدينية إلى الدعوة للدولة الحديثة, واعترفت بخصوصية الانتقال من عصر إلى عصر في فهم النص الشرعي, وقبلت الاستفادة من تجارب الشعوب وثقافات الأمم ومعطيات الحضارة الإنسانية..

فهل طبقت ذلك في فهمها للمسألة الوطنية؟

لكون الجماعة منظمة شعبوية تستخدم الدين في السياسة لأن مفاهيمه الأكثر انتشاراً في أوساط مجتمع متخلف, فقد هربت من الجواب لتطرح عموميات وطنية تقليدية لم تتجاوز في “الرؤية” مفاهيم: الكيان الغاصب.. قطر المواجهة السوري.. جبهة عربية إسلامية واستراتيجية عسكرية لعمل مباشر لتحرير كافة الأراضي المحتلة…إعادة القضية الفلسطينية لبعدها العربي والإسلامي.. التخلي عن خيار المفاوضات والتمسك بخيار المقاومة.. تفعيل المقاطعة ومقاومة التطبيع..الخ.

قفزت عموميات “الرؤية” عن الوقائع المحلية والإقليمية والدولية وعن تجربة طويلة منذ قيام إسرائيل حتى الآن شهدت حروب ونكبات وهزائم, وجربت جميع أنواع المواجهات والجبهات والصمود والتصدي والممانعة, وتجاهلت أن إسرائيل أصبحت أمراً واقعاً دولياً, وأن السلام ضرورة لكلا الطرفين المتصارعين بعد أن عملت الدول العربية “للتحرير” على حساب التنمية ففشلت في الاثنين معاً.. وإنه يمكن استرداد الأرض المحتلة عام 1967 مقابل السلام كما في الاتفاقيات مع مصر والأردن.

تبني الإخوان مع اقترابهم من “التمكن” في عدد من البلدان, سياسة واقعية في المجال الديمقراطي لكنهم في المسألة الوطنية رفضوا البناء على التجارب السابقة, ففي فلسطين تتردد “حماس” في نبذ العنف والاعتراف بإسرائيل وقبول حل الدولتين, ولم يتأكد بعد مدى التزامها بوثيقة الأسرى، فهي تصر على تكرار تجربة منظمة التحرير وترفض الاعتراف بنتائجها الفاشلة التي فرضت انتقالها لسياسة واقعية, فحماس تستمر بالتمسك بشعارها القديم: “فلسطين وقف إسلامي لا يمكن التنازل عن أي جزء منه”, فعندما يتدخل الدين في السياسة يبتعد العقل والواقع ويحلق الخيال والأوهام.

فيما الإخوان المصريون لا يعترفون بإسرائيل ولا يحترمون الاتفاقيات التي وقعت معها واستعادت مصر بموجبها جميع أراضيها المحتلة, ويدعون لإخضاعها لاستفتاء مع توقع أن تكون نتيجته إسقاط الاتفاقيات, مما يعني العودة للحروب والاحتلالات في ظروف أسوأ بكثير. فحسب المفاهيم التي تخلط الدين بالسياسة فإن عدم الاعتراف بإسرائيل أهم من الأرض والسلام وأي شيء آخر.

بينما المرشد العام السوري البيانوني, أطلق خطاباً سياسياً بعيداً عن الدين يوافق فيه على: “إجراء محادثات سلام مع إسرائيل إذا قادت لانسحابها من الأراضي المحتلة ومنحها الفلسطينيين حقوقهم..” كما سبق أن صرح لصحيفة الزمان –يناير 2006-:” علينا تحرير الأرض السورية بكل الوسائل.. لا نمانع التفاوض المباشر مع إسرائيل لاستردادها .. وبعدها يمكن الحديث عن اتفاق سلام مع إسرائيل..”.

وهو موقف, يناقض عموميات “مشروع الرؤية”, وفي الحد الأدنى يوضحها بسياسة واقعية, عرض صاحبه لاتهامات حتى من معارضين مفترضين, فالأستاذ “رجا الناصر”–إيلاف 27-6- اتهم الذين يبدون استعداداً لمفاوضة العدو الصهيوني بأنهم يسعون لتحسين صورتهم لدى الأميركان.

بينما المراقب السابق للجماعة “عدنان سعد الدين” –”صفحات سورية” 4-7- رد بشكل غير مباشر مؤكداً أن الثوابت المستندة لنصوص دينية هي بمثابة “العقيدة” غير القابلة للتغيير: ” نصت أحكام الشريعة على وجوب إعلان الجهاد ضد الصهاينة.. وتطهير الوطن من رجسهم.. فلا صلح معهم ولا شرعية لاغتصابهم أي شبر من أرضنا المقدسة.. ودولتهم في أرض القدس المباركة إلى زوال.. وعليهم أن يرحلوا إلى بولونيا وروسيا..”!!

وهو خطاب قديم سبق أن استعمله حكام عرب أعلنوا أنهم سيرمون اليهود في البحر, فرمونا أسفل هضبة الجولان شمالاً وخلف نهر الأردن شرقاً ووراء قناة السويس غرباً.

أما الكاتب “الطاهر إبراهيم” المتفرغ للدفاع عن سياسات الجماعة السورية فشكك في إدلاء البيانوني بمثل هذا التصريح, وحول سهامه لاتهام النظام السوري بتقديم تنازلات أثناء مفاوضات الشرع – باراك عام 2000 وقبول الورقة السورية بإنهاء حالة الحرب مع إسرائيل والتسليم بحقها فيما اغتصبته من أرض فلسطين, بل “دفع فلسطين كلها ثمناً لاستعادة هضبة الجولان” !! .. وإزالة روح العداء بين الطرفين وإقامة علاقات سلم عادية..

هل يأمل الكاتب من المفاوضات استعادة الجولان دون الثمن الوارد في قرارات الشرعية الدولية: “الأرض مقابل السلام” !؟

هل يفضل استمرار حالة العداء والحرب بناء على خلط الدين بالسياسة حسب الآية التي اعتبرها أساساً لرسم السياسة الوطنية: “ليجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا”, التي كانت نافعة أيام الحروب مع قريظة والقينقاع..؟

وهل استمرار روح العداء الأبدي لليهود أهم من استرداد الجولان !؟ ألا يمكن الاستشهاد ب “إذا جنحوا للسلم فاجنحوا لها” ؟

هل سيسارع الكاتب, عندما تقبل حماس بحل الدولتين وتعترف بإسرائيل في حدود 4 حزيران, لاتهامها بالتفريط بالعداء المقدس لليهود !؟

يتجاهل الكاتب أن المسألة الفلسطينية لم تعد ورقة بيد أحد سوى أصحابها, وأن سياسة الاستقلالية الفلسطينية لم تعد تسمح بالتدخل للمزاودة على الفلسطينيين في نضالهم لإقامة دولتهم في الضفة والقطاع, وأن أرضهم ليست كما يدعي: “وقفاً على الشعوب العربية والمسلمة”, بل وقفاً لسكانها الفلسطينيين.

هل ستستفيد الجماعة من التجربة المرة “الوطنية” خلال نصف قرن وتواكب العصر بسياسات وطنية واقعية كما حاول أن يفعل البيانوني, أم ستتمسك بالشعارات القديمة التي فات أوانها؟

ألم تعد الجماعة في “رؤيتها” بالاعتراف بخصوصية العصر الراهن في فهم النص الشرعي ؟

الجماعة برأينا ليست عصية على التطور والتغيير, والجدل في صفوفها بين معتدلين ومتشددين سيؤدي لسياسات لا تخلط الوقائع السياسية بالنصوص الدينية, أما المتطرفون فلن يجدوا أمامهم إلا الالتحاق بالمنظمات الإرهابية الأصولية الملاحقة دولياً.

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى