التفاوض السوري الإسرائيلي

انهيار عملية السلام في الشرق الأوسط

null
باتريك سيل
وضع الاضطراب والغموض السياسي في كلّ من إسرائيل والولايات المتحدة حدّاً لمهزلة الحديث عن إحلال السلام في الشرق الأوسط.
وتحت الرعاية غير الكفؤة الرئيس الأميركي جورج بوش الابن، لم يتمّ إحراز أي تقدم ملموس منذ انعقاد قمة أنابوليس في تشرين الثاني (نوفمبر) 2007. ومن غير المتوقع إحراز أيّ تقدم في الأشهر القليلة المقبلة إلى أن يبرز زعيمان جديدان في كلّ من إسرائيل والولايات المتحدة، وربما قد لا يحصل تقدم في ذلك الوقت ايضاً، بسبب العقبات التي باتت تعترض عملية السلام بين إسرائيل وجيرانها.
يجب أن يتحمل بوش ووزيرة خارجيته كوندوليزا رايس صاحبة الحظّ السيئ، المسؤولية الأساسية عن هذا الفشل. فهما لم يرغبا أو لم يقدرا على ممارسة أدنى ضغط على إسرائيل، لإجبارها على احترام التزاماتها الشفهية بتجميد المستوطنات وإزالة المواقع المتقدمة وغير الشرعية. إلا أنهما ليسا المذنبين الوحيدين.
قضت الخلافات الداخلية بين حركتي «فتح» و «حماس» على آمال الفلسطينيين في التوصل إلى دولة مستقلة خاصة بهم. فهم لا يزالون يتقاتلون فيما بينهم وكأنهم غير واعين بأن قضيتهم تضمحل أمام أعينهم. وأدى هذا الانشقاق بين الفصيلين إلى دمار الفلسطينيين بشكل لا سابق له منذ بداية مواجهاتهم مع المقاتلين الصهاينة تحت الانتداب البريطاني بين الحربين العالميتين.
وأدى العجز السياسي في العالم العربي الأوسع دورا أيضا في فشل عملية السلام. فعلى رغم أن الكويت والإمارات العربية المتحدة دفعتا بسخاء أجور عشرات الآلاف من الموظفين الحكوميين الفلسطينيين عن شهر تموز (يوليو) الماضي، الا ان الدول العربية النفطية لم تستخدم نفوذها المالي الهائل لممارسة الضغوط على الولايات المتحدة دفاعاً عن الفلسطينيين. فلم تتحوّل الثروة النفطية في العالم العربي بعد إلى نفوذ سياسي.
وبسبب تلوث سمعته بفضائح الفساد، قرّر رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت ألا يدخل المنافسة على زعامة حزبه الحاكم «كديما»، وأن يستقيل من منصبه عندما يتم انتخاب زعيم جديد للحزب خلال الانتخابات التمهيدية في 17 أيلول (سبتمبر) المقبل.
أما المرشحان البارزان للحلول مكانه، فهما وزيرة الخارجية تسيبي ليفني (عميلة الموساد السابقة) ووزير النقل شاؤول موفاز (وزير دفاع سابق ورئيس أركان سابق في الجيش الإسرائيلي). وأمام الشخص الذي يفوز بالانتخابات 42 يوما ليشكل ائتلافاً حكومياً.
ويبدو أن ليفني تؤيّد استكمال التحالف الحالي الذي يجمع حزب «كديما» وحزب العمل وحركة «شاس». لكن في حال ربح المتشدد موفاز انتخابات الحزب، فقد تميل إسرائيل نحو اليمين مع احتمال أن يتحالف حزب «كديما» مع حزب العمل والليكود أو ربما مع حزب الليكود وحزب «إسرائيل بيتنا».
وفي حال فشل التحالف في أن يتبلور على أي من هذه الخطوط، قد يتم إرجاء الانتخابات إلى بداية العام 2009. ومن الممكن أن يربح بنيامين نتنياهو، زعيم حزب الليكود، هذه الانتخابات، فيأخذ إسرائيل أكثر إلى اليمين ويبعدها كليا عن أي إمكان للتوصل إلى السلام. ولهذا تُعتبر التوقّعات بإحراز تقدم حقيقي على جبهة السلام ضئيلة.
أعلن أولمرت إثر عودته إلى إسرائيل في شهر تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي بعد قمة أنابوليس، أنه «في حال فشل حلّ إقامة دولتين، ستنتهي دولة إسرائيل». واوحى هذا الإعلان المفاجئ الذي احتل العناوين الرئيسية، بأن أولمرت قد أدرك أن الاحتلال المستمرّ للأراضي الفلسطينية وتوسيع الاستيطان يهدّدان بلا شك مستقبل إسرائيل كدولة يهودية ديموقراطية.
إلا أنّ كلمات أولمرت لا تعني شيئاً. حتى أنه من غير الواضح إذا كان يؤمن بها، لأنه بذل خلال عهده كلّ ما بوسعه للقضاء على حلّ إقامة دولتين. كما أنه مارس الضغوط للمضي قدماً بتوسيع الاستيطان وخاصة في القدس الشرقية العربية. وخلال محادثاته مع الفلسطينيين، رفض حتى أن يناقش مستقبل القدس.
كما أنه لم يبال بحجج جورج بوش الابن وكوندوليزا رايس الضعيفة لتجميد بناء المستوطنات. حتى أنه لم يتردد في الإعلان عن إنشاء وحدات سكنية جديدة بعد كلّ زيارة قامت بها رايس إلى إسرائيل، وكأنه يريد أن يبيّن من منهما يملك التأثير السياسي الأكبر في واشنطن.
وبحسب الحركة الاسرائيلية للدفاع عن حقوق الإنسان «السلام الآن»، شهد العام 2008 أسرع نمو للمستوطنات في الضفة الغربية وفي القدس الشرقية، منذ عشر سنوات.
لم يقم اولمرت بإزالة نقطة واحدة من المستوطنات المتقدمة غير الشرعية، كما لم يقم بأي محاولة لتفكيك أي من المستوطنات الجديدة التي تمّ إنشاؤها في العقد الماضي. وبدل اتاحة المجال لحرية اكبر في حركة الفلسطينيين في الضفة الغربية، ارتفع عدد نقاط التفتيش الخانقة للاقتصاد الفلسطيني من 521 نقطة إلى 607. ويتم استكمال بناء جدار الفصل بسرعة في الأراضي المحتلة فضلا عن نظام الطرقات القائم على التمييز، حيث يُسمح للإسرائيليين أو المستوطنين الإسرائيليين وحدهم باستخدامها.
لا تزال الحرب الاقتصادية ضد الفلسطينيين وسياسة التجويع في غزة مستمرة، رغم التوصل إلى هدنة، فضلا عن الغارات العسكرية على الضفة الغربية التي تتسبب بمقتل المدنيين الفلسطينيين، كما حصل عندما قُتل الأولاد والمراهقون الذين كانوا يتظاهرون ضد «جدار الفصل» في قرية نعلين في الضفة الغربية.
وتحاول كوندوليزا رايس ان تبعد عن ذهنها كل هذه الحقائق، فتستمر في ترؤس الاجتماعات بين تسيبي ليفني وأحمد قريع، كبير المفاوضين الفلسطينيين، كما فعلت في واشنطن في 30 تموز (يوليو) الماضي – للمرة الثانية خلال شهر – ولا شك في أنها تأمل في القيام بذلك مجددا عندما تعود إلى المنطقة في 20 آب (أغسطس)، للمرة الخامسة عشرة أو السادسة عشرة. ولم يكرّس أي وزير خارجية أميركي وقتا وجهدا مماثلين للصراع الإسرائيلي – الفلسطيني من دون اي نتيجة فعلية.
بات توقّع التوصّل إلى اتفاق بشأن الوضع النهائي للاراضي المحتلة بحلول نهاية هذه السنة، أمراً غير واقعي، على رغم تكرار الرئيس بوش أن هذا هو الهدف الذي يرغب في تحقيقه. ويبدو أن طموح رايس بات يقتصر على إصدار وثيقة مبهمة وغير ملزمة تُعدّد نقاط الاتفاق. ومن الممكن تقديمها إلى الجمعية العامة للامم المتحدة عند انعقادها في منتصف شهر أيلول (سبتمبر) المقبل، وستعتبرها ادارة بوش نجاحا ديبلوماسيا لعهده.
مسكينة كوندوليزا رايس! لم تُمنح سلطة أن تكون حاسمة مع أولمرت، وهو بدوره لم يتجرأ على مواجهة لوبي المستوطنين في إسرائيل، حتى لو كانت عنده رغبة في ذلك.
فهل سيكون أداء باراك أوباما أو جون ماكين أفضل؟ لا شك أن المتنافسين على الرئاسة الاميركية هما أذكى وأكثر إطلاعا من جورج بوش. فكلّ منهما يقر بأن التوصل إلى سلام بين إسرائيل والفلسطينيين، وبين إسرائيل وسورية، يشكل مصلحة اميركية حيوية.
إلا أن سياسة أميركا في الشرق الأوسط قد تشوّهت بشكل كبير على مدى جيل أو أكثر بسبب التحالف مع إسرائيل، وتأثير أصدقاء إسرائيل في واشنطن، إلى حدّ أنه بات من الصعب التفكير ببارقة أمل في المستقبل.
* كاتب بريطاني متخصص في شؤون الشرق الاوسط
الحياة     – 08/08/08

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى