صفحات الشبابصفحات سورية

صيدنايا، دليل آخر على لامنهجيّة المعارضـ(ة) السورية

null

جولانيّة ضرسانة
سأعرض بالتفصيل الأحداث التي جرت داخل سجن صيدنايا العسكري الواقع غرب دمشق كما ورد على موقع اللجنة السورية لحقوق الإنسان، ثمّ سأليه بقراءتي الشخصية لخطاب المعارضة السورية حول هذا الشأن ، حيث سأبيّن أحادية المعارضة في خطابها (ومن هنا التأكيد بالعنوان على “ة” واحدة) وافتقارها لنهج تحليلي لنظام مستبد سيّما في الشق الإقتصادي مكتفية بمعارضة “المجزرة”، وسباب “الأسد وحاشيته”، داعية الدول الغربية وساركوزي إلى التدخّل و”إنقاذ” ما يمكن إنقاذه<جاء على موقع اللجنة السورية لحقوق الإنسان أنّ عناصر من الشرطة العسكرية داخل السجن أقدموا ليلة 4/7/2008 على تبديل أقفال جميع مهاجع السجن بأقفال أكبر يصعب كسرها أو فتحها.

2- في صباح يوم 5/7/2008 وصلت قوة من الشرطة العسكرية تقدر بين 300-400 شرطي، وبدأت حملة تفتيش بطريقة استفزازية تخللتها مشادات كلامية مع المعتقلين السياسيين، ثم بدأوا بتصعيد الاستفزازات وقاموا بوضع نسخ المصحف الشريف الموجودة بحوزة المعتقلين السياسيين الإسلاميين على الأرض والدوس عليه أكثر من مرة مما أثار احتجاج المعتقلين الإسلاميين الذين تدافعوا نحو الشرطة لاسترداد نسخ المصحف الشريف منهم ففتح عندها عناصر الشرطة العسكرية النار وقتلوا تسعة منهم على الفور وهم:

زكريا عفاش

محمد محاريش

محمود أبو راشد

عبد الباقي خطاب

أحمد شلق

خلاد بلال

مؤيد العلي

مهند العمر

خضر علوش

ثار المعتقلين فبدؤوا بخلع الأبواب وخرجوا للتصدي للشرطة العسكرية التي فتحت عليهم النار مجدداً مما أوصل عدد القتلى إلى نحو 25 قتيلاً.

3- كان عدد المعتقلين الغاضبين أكثر من عدد الشرطة العسكرية لذا استطاعوا توقيفهم واتخذوهم رهائن من ضمنهم مدير السجن وأربع ضباط آخرين وخمسة برتبة مساعد أول، واستسلم جميع رجال الشرطة الذين كانوا يتواجدون داخل السجن بعد أسر مدير السجن والضباط، لكن بقية كتيبة الشرطة العسكرية المرابطة حول السجن مع التعزيزات التي وصلتهم فوراً قاموا بإطلاق القنابل المسيلة للدموع والقنابل الدخانية داخل السجن فهرب المعتقلون إلى سطح السجن وبقوا هناك حتى الساعة الثالثة بتوقيت دمشق حيث انقطع الاتصال مع المصدر بعد ذلك.

4- استقدمت السلطات الأمنية السورية حوالي 30 دبابة ومدرعة بالإضافة إلى عدد كبير من قوات حفظ النظام ومكافحة الشغب المعززة بالقناصة والأليات والدروع.

5- في حوالي الساعة الثانية عشر ظهراً بتوقيت دمشق بدأت عملية تفاوض بين المعتقلين وقوات الأمن. وقد انتدب المعتقلون السجين سمير البحر (60 سنة) لنقل الرسائل المتبادلة بينهم وبين الأمن. كان مطلب المعتقلين الوحيد هو الحصول على وعد قاطع بعدم قتلهم في حال استسلامهم، وقدموا على ذلك دليلاً بحسن النية أنهم لم يستخدموا السلاح الذي وقع بأيديهم. السلطات من جهتها رفضت منحهم أي وعد بعدم قتلهم أو إيذائهم وطالبتهم بالاستسلام فوراً وإطلاق جميع الرهائن قبل التحدث بباقي القضايا. نقل المعتقل المراسل سمير البحر رفض المعتقلين لهذه الشروط، فقامت قوات الأمن بضربه وأخذه في سيارة مصفحة بعيداً عن السجن. بقيت الأمور عالقة عن هذه النقطة وفقد الاتصال بالمصدر من داخل سجن صيدنايا.

6- سلمّت السلطة السورية بتاريخ 16-7-2008 جثة أحد أفراد “سنّو” المعتقل بسجن صيدنايا من مشفى تشرين العسكري إلى عائلته في بلدة عربين حيث تمّ دفن الجثّة بوجود أمنيّ مكثّف.

الجديد بتبعات أحداث سجن صيدنايا

هو العصيان الثالث من نوعه بعد تمرّد سجن عدرا المدني أوائل العام الماضي وتمرّد آخر في سجن صيدنايا العسكري سبق أحداث الرابع من تموز بأشهر. التمرّدات تحصل نتيجة لتفاقم الانتهاكات والتجاوزات القانونية والحقوقية التي تطال المعتقلين القابعين في السجون منذ سنين طوال دون محاكمات. لكنّه التمرّد الأوّل الذي نسمع فيه عن سقوط ضحايا وحديث عن سيارات إسعاف قادمة من وإلى السجن، ناهيك عن إقرار الحكومة السوريّة لأول مرّة بحدوث التمرد، من خلال الإدلاء بتصريح- ولو كان غير مهنيّا- عن الحدث. علماً أن هذا الإقرار جاء نتيجة محاولة التوثيق الدؤوبة والملفتة التي قام بها كل من اللجنة السورية لحقوق الإنسان والمرصد السوري لحقوق الإنسان كما أكّدت المحامية والناشطة في حقوق الإنسان الأستاذة رزان زيتونة.

تلك نقطة مهمّة كون اللغة الوحيدة التي كنّا نسمعها من الحكومة السوريّة حول موضوع كتمرد صيدنايا كانت دائماً، وببساطة: لاشيء. في حين نشهد الآن اعترافاً من الحكومة السورية بـ”الرأي العام السوري” لأوّل مرّة ممّا يعكس بدء تعاطي الحكومة السورية مع الشعب السوري بشيء من الاعتراف بوجوده. فبالرغم من أن تصريح الحكومة حول أحداث صيدنايا لم يكشف عن سقوط ضحايا كما أنه لم جاء منحازاً بشكل تام للشرطة وحاول تبرئة النظام وإلقاء اللوم على المعتقلين من خلال تصوير الأحداث على أنها أعمال شغب قام بها هؤلاء، الّا أن صدور التصريح يعتبر بحد ذاته تحولاً يختلف عن نسق التعاطي الحكومي السابق مع المواضيع المماثلة والذي لطالما اتّسم بالتجاهل التام لمشاعر الشعب السوري وآرائه، والاهم، تجاهل حقه بمعرفة ما يدور من حوله.

أحاديّة المعارضة السوريةّ

كما هو الحال في الصحف العربية، تتحفنا مواقع منظمّات حقوق الإنسان السوريّة والمعارضة بقليل من الجدلية وكثير من التحريضية، مستندين بمقالاتهم/ التي أثقلت الشبكة العنكبوتية بخطاباتها النمطيّة التي لا جدل فيها أو حتى قراءة تحليلية /على ماورائيات أحداث صيدنايا على الساحتين الداخلية أو الإقليمية في ظلّ التغيّرات السريعة التي تمرّ بها المنطقة وتحديداً عبر التحالفات الجديدة.

المفردات التي استخدمت للحديث عن أحداث صيدنايا كـ”مجزرة” و الأرقام العشوائية التي رميت كـ”العشرات من القتلى والجرحى” دون مراعاة لمشاعر الأهالي، إضافة الى منطق السباب والتخوين الموظّف سياسياً لصالح قوى معارضة أو حزب معارض في الخارج، شكلت جميعها خاصّيات الخطاب الذي اعتمدته الصحافة المعارضة في خطابها حول أحداث صيدنايا .

إنّ هذا المنطق الذي أصبح خطاباً أحاديّاً مكرّراً في تعاطيه مع أيّ خطأ ترتكبه الحكومة السورية ليس في الواقع سوى إمتداداً لها. كيف؟

قامت الحكومة السورية بإدانة معتقلي صيدنايا ، فردّت المعارضة بإدانة السلطة لتؤكّد من جديد على عدم إستقلاليّتها و على أن وجودها مرتبط بوجود الحكومة نظرا لغياب اي معارضة جدّية أو مقاربة تحليلية على المستوى الحقوقي، الإقتصادي و الإجتماعي

والدليل على ذلك أنّ منطق السباب كان المنطق السائد في المقالات المنشورة المندّدة بأحداث صيدنايا، والسباب هذا، كمنطق معارض، لا يتعدى كونه سباب مشخصن، موجّه لنظام محدود بأشخاص لا لنظام مؤسساتيّ تدخل في تركيبته عوامل إقتصادية إحتكارية تشكّلّ نواة الأزمة في سوريا.

إختزلت المعارضة نفسها باختزالها الواقع السوري إلى عائلة حاكمة.

كما نرى فإن بعض الكتّاب لم ينبسوا ببنت شفة عن الضحايا الذين سقطوا في أحداث صيدنايا، بل أخذوا على عاتقهم مناشدة القراء بـ”حماية اسم صيدنايا”، “ذاك الاسم الحضاري ذو الدلالة المقدسية”، الأمر الذي أجده استهتاراُ بالتعاطي مع حدث جليل وخطير وأمنيّ كهذا، حيث أصبحت قيمة التاريخ والدين أسمى من قيمة الإنسان نفسه، وأتساءل هنا، ما التاريخ والدين دونما إنسان؟ أعتقد أنّ مجرّد التعاطي مع أحداث صيدنايا من منظور تاريخيّ ودينيّ للمنطقة ذاتها ودون التعرّض للتجاوزات القانونية والحقوقية للمعتقلين هو تحجيم وتصغير لهول ما حدث داخليّاً، وهو إمتداد لمنطق السلطة ذاته. دون أن ننسى طبعا من ذهب إلى التغنّي بجمالية منطقة صيدنايا الطبيعية والتحسّر لوجود سجن عسكريّ فيها.

فعلى سبيل المثال، موقع الإخوان المسلمين السوري أتحفنا ببيان ذو سطرين بتاريخ 5-7-2008 بعنوان “أوقفوا المجزرة” دون أن يذكر وقائع أو معلومات أو حتى مصادر استند عليها في بيانه، ودون أن يؤكد على ضرورة صيانة القانون والعمل على تطبيق المواثيق الشرعيّة والدوليّة والتي قد صادقت على بعضها الدولة السوريّة، حتى أن البيان لم يتذكّر محاكمة المعتقلين المؤجّلة منذ عشرات السنين و تغييب أحوالهم عن ذويهم ومنع البعض الآخر من حقوق الزيارة. البيان لم يدن أي من الإنتهاكات الحقوقية للمساجين كزجّ أعداد كبيرة منهم في زنازين صغيرة جدا، فضلا عن التعذيب الدوري الذي يتعرض له معتقلو الإخوان المسلمين.

هذه بضع نماذج عن آلية الخطاب المعارض السوري:

دمشق، عاصمة المقتلة الجماعية

دعوة لإنقاذ اسم سيدتنا البتول

سورية: صيدنايا بين جمالية المكان وقباحة الممارسة

سجن صيدنايا وموسم حصاد الرؤوس

هذه عناوين مقالات أتت كردّ على ما ارتكبه البوليس العسكري السوري في سجن صيدنايا، فيما المقالات الأخرى عكست لغة واحدة وردّ واحد هو شتم النظام و إلباس الشعب السوري زيّ المسكين.

قراءة في أحداث سجن صيدنايا

أودّ هنا أن أعرض نقاطاً مهمّة كانت قد استدعت إنتباهي في قراءة حادثة صيدنايا. أوّلهما قراءة للمحامية والناشطة في حقوق الإنسان رزان زيتونة حيث كتبت مقالتين عن الحدث: “من السجن وإليه” التي نُشرت في 13-7-2008 ومقالة أخرى بعنوان “ثقافة المحبّة” التي نُشرت في 18-7-2008.

في المقالة الأولى تعرض زيتونة فكرة جديرة بالإنتباه هي خاصيّة المساحة في سوريا وإرتباطها بالسياق. ففي سوريا، تختلط مساحة (أو لا مساحة) السجن مع مساحات ما هو خارج السجن حتى يصبح كلاهما واحداً أمام سياق واحد.

هذا السياق ليس سوريّاً فحسب، بل ممتدّ الى العديد من دول المنطقة حيث تشهد سجون دول مجاورة، تذكر زيتونة منها سجون الأردن ولبنان تجاوزات مشابهة علما أن هذه السجون كانت قد شهدت بدورها أحداث تمرّد وعصيان .

تسأل زيتونة: “هل السياسة العقابية القائمة على القصاص والقسوة هي التي تسرّبت من داخل السجن إلى خارجه (في إشارة إلى عدم طمأنة الأهالي بمصير أبناءها)، أم أنها في الأصل ليست إلا انعكاساً لسياسة أوسع تمتد من الخارج نحو الداخل؟

بالفعل، إنّ السياسة الواحدة هي التي تجعل المكان واحد وإن اختلفت الجدران، ممّا يجعل مفهوم اللامساحة أو اللاحرية واحداً وإن إختلفت تجربتنا لها خارج السجن أم داخله، ومن هنا يأتي رفضي لمقولة سوريّة شائعة: “أنا ما دخلني”، فلا يعلم قائلها، على عكس المعتقل، أنّه والمعتقل سيّان.

الجدل الثاني هو لبدر الدين شنن وهنا سأعرض مقتطفاً من مقالته بعنوان “المعارضة والمنعطف الجديد“:

حتى الآن لم يظهر أي موقف تحليلي مسؤول يدين .. أو يستنكر أو يخطّي تجليات المنعطف الجديد الاقتصادية والاجتماعية وامتداداتها الخارجية المتعلقة باقتصاد السوق العولمي ومنظمة التجارة العالمية وسياسة الصفقات في المنطقة أو المفاوضات مع إ سرائيل حول الجولان المحتل، بمعنى أن يدافع عن الاقتصاد الوطني والمصالح الوطنية الأساسية وعن حق الطبقات الشعبية في مستوى عيش كريم “.

أودّ أن أثني على حقوقي واحد، إلى جانب رزان زيتونة، استطاع بكفاءة عالية أن يثبت مهنيّته في أوضاع صعبة كهذه، الدكتور هيثم منّاع، وهو منفي سوري يقطن في فرنسا وكان قد شدّد على عدم استباق الأمور وتسمية ما جرى بمجزرة كون المعلومات هي متناقلة وكثيرا ما تتضارب المعلومات شفهيّا. غير أنّه أكّد على أنّ “الوضع نتاج حالات مقاومة يائسة قد تشمل أخذ رهائن أو الإعتداء على الحرس خاصة في حال تمادي الحرس في إهانة السجناء وسوء معاملتهم في السجن”. خصوصاً وكما يؤكد فالسجناء هم “أشخاص ليس لديهم ما يخسرونه وبهذا المعنى اللاعقلانية جزء من واقع السجن”. وأخيراً يشدّد المنّاع على أنّ “القانون السوري والقانون الدولي يجرّمان التصرف المشين والحاط بالكرامة من قبل من يعمل في المؤسسة العقابية فكيف إذا إستعمل سلاحا حيا ؟

ما يجب أن يُقال عن أحداث صيدنايا

ما حدث في سجن صيدنايا، سواء سقط ضحيّته معتقل أم إثنان أم تسعة أم أكثر، سواء أسميناها “مجزرة” أم لا، الإعتقال دون محاكمة بحدّ ذاته مدانٌ ومرفوض ويجب أن يُوضع له حدّاً، فكيف هدر أرواح المدنيين العزّل؟ القتل بحدّ ذاته جريمة يجب أن يُحاكم عليها مرتكبيها والمتستّرين عليها من النظام السوري وإعلامه، لا من أجل دموع أهالي الضحايا فحسب، لا من أجل أن تأخذ العدالة مجراها فحسب، لكن من أجل التأسيس لثقافة “قيمة الإنسان” عند المواطن السوري أولاً، قبل أن تُنتزع من النظام السوريّ ثانياً.

ما حدث في سجن صيدنايا هو مؤشّر على عقليّة السجّان السوري (الذي هو نتيجة –لا انعكاساً- لعقليّة النظام الحاكم نفسه) في التعاطي مع “أيّ” حركة تصدر عن الشعب السوري خارج “المألوف” الذي أسّس له النظام حيث يتمّ التعامل مع هذه الحركة بطريقة إلغائية تماماً كعدم إعتراف النظام بالرأي العام السوريّ.

تعازيّي الحارة لأهالي المنكوبين، علّها تكون آخر المصائب، وبداية معارضة.
خاص – صفحات سورية –


مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى