صفحات سورية

رؤية السوريين في الاشهر الست القادمة

null
د . اديب طالب
بالطبع ، ومن المؤكد ، ومن البدهي ، ان قضية خلاص السوريين من الاستبداد قضية سورية بحتة  . وان مسؤوليتها تقع على عاتقهم وحدهم . والحرية تؤخذ ولاتعطى ، وبيد ابنائها فقط . ومن سنن الحياة ، ان الناس لا يدفنون انفسهم وانما يدفنون . ومن بطلب من النظام التغيير باسم الوطن كمن يطلب منه ان يحفر قبره بيديه . وهذا امر يعرفه النظام جيدا وبحكم معرفته هذه ؛ سجن كلَ من قال كلمة ولو معتدلة ولو وطنية ولو اهلية ولو سلمية ولو تدريجية اللهم الا اذا قد كان من قالها قد قالها بالتنسيق معه  .
ومهما كان النظام السوري – الآن – مسترخيا وفي حالة مدٍ اقليمي ودولي ، ومهما كانت المعارضة السورية مأزومة وفي حالة جذر محلي واقليمي ودولي ؛ فان هاتين < المهماتين > لا تلغيان حق السوريين في الحرية والكرامة واللقمة الشريفة . ولن يعدموا اساليبا وطرقا جديدة يواجهون بها المظالم السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي اغرقهم بها نظامهم المسترخي – الآن – مرة ثانية .
بعد هذه الرؤية ، والتي لن تعجب الولعون باختراع مئة سيناريو لقضية واحدة ، والغواصون منذ الازل في البحث عن الابرة في كومة قش عملاقة ، والمسارعون بنصح المعارضة < الا تستفز النظام > وان < تتوحد > وان < لا تكون حاقدة وكيدية مثله > وان < تفعّل نفسها > وان < ترفع حساسية شعبها > تجاه النظام ……بعد هذه الرؤية لابد من قراءة متأنية للأيام والاشهر الست او التسع المقبلة على ضوء الامور التالية :
1 – النظام لن يمنح السوريين ، حتى كناسة الكناسة من حقهم في الحرية  ، لا اليوم ولا غدا ولو بقي لخاتمة عمره ساعة واحدة . والمراهنة على ذلك  نبعها الخوف وضعف الارادة والاتكاء على ان << يضرب الله الظالمين بالظالمبن ونحن جالسين >> وهذا لا يمنع ان المعارضة باللسان تتوفر مرات  وبالقلب مرات اكثر
2 – ان الرقص المتقن للنظام على حبل المفاوضات السورية الاسرائيلية ، وحبل الافتراق السوري الايراني ، وحبل العودة الى لبنان ، وحبل هبات ساركوزي السخية …. هذا الرقص مفيد جدا لبقاء النظام وترسيخ اركانه .
ولن يحصل السوريون منه على قرش سياسي او اقتصادي واحد . ان مايعني النظام النظام فقط ، ولنذهب جميعا الى الجحيم ، كما هو حاصل الآن . وليبق هو في عسل الثروة والسلطة حتى شاء .
3 – لو قامت الحرب الايرانية – الاسرائيلية او الايرانية الامريكية الاسرائيلية ، ومهما كانت النتائج ، فلن ينفع السوريين الاما يقدرون على فعله  من اجل حريتهم وبارادة قوية وشجاعة كافية . وقد اثبتت السنوات الثمان الماضية ، ان الكلمة قليلا ما تكون ، لوحدها ، فعلا كالذي حصل مع عارف دليلة وكمال لبواني وميشال كيلو ورياض سيف وفداء حوراني وامثالهم من معتقلي الرأي والضمير في السجون السورية . ومع هذا يبقى فعل تلك الكلمة النبيلة محدود التأثير ولم يتجاوز خدش مسامع النظام وبعض اوراقه .
4 – ان انقضاء الفترة الانتقالية الحالية حتى حصول الانتخابات الامريكية وحتى وصول بديل اولمرت للحكم في اسرائيل  …..هذا الانقضاء سيضعف النظامين السوري والايراني وسيضعهما في مواجهة صلبة  مع المجتمع الدولي بعد ان تمتعا بالاسترخاء زمن تلك الفترة ومع هذا وبعد هذا ستزداد الفرص امام السوريين والمعارضة السورية بالذات ؛ لرؤية سياسية اقليمية ودولية ايجابية نوعا ما  – ان حصلت – قد تساعدهم _ اذا ساعدوا انفسهم – في الاستفادة  من ضعف او نضوب الدعم الايراني للنظام  وهذه واحدة ، واما الثانية فهي الاستفادة من التزام النظام الاجباري بمنطق الشرعية الدولية بما فيها المحكمة الدولية لقتلة الشهيد الرئيس رفيق الحريري وبما يترتب على ذلك الالتزام الاجباري من تحجيم محدود لطغيان النظام الشامل على حقوق الانسان السوري .
5 – في كل مرة ، كان يلتقي فيها معارضون مع الامريكان  كان الامريكان يتشدقون بالحكمة التالية : لا نستطيع مساعدتكم اذا لم تساعدوا انفسكم . ورغم تشدق الامريكان ، الامريكان على حق ، و << لن يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بانفسهم >> و << لا تهنو ولا تحزنوا وانتم الاعلون >> والمؤسف ان المعارضة السورية حزينة دائما !!! اذن فالادنون يهنون ويحزنون والحق بلا قوة حق مشلول واذن : نحن الادنون .
قد يبدو هذا الكلام حلما مزعجا لنخبة العقلاء المتزنين والذين ينتظرون حركة التاريخ الى الافضل وقد يبدو للاغلبية الصامتة التي شلها الخوف محرجا بعض الشيىء ، ولكن ما علينا فهمه جيدا ان الحقد العادل شيىء وان الحقد الظالم شيىء آخر . وان خدش هذا الكلام طهرانية المعارضة ونبلها ظاهرا ؛ فانها قادرة على محو ذاك الخدش عندما تستقيم الامور وعندها يحق لنا الحديث بشكل جدي عن اقامة الدولة المدنية الديمقراطية الحديثة على قاعدة السلم الاهلي والوحدة الوطنية والا فان كل حديث عنهما في الوقت الراهن هو حديث من يحرث البحر ويفسر الماء بالماء .

معارض سوري

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى