حقوق الأقليات في البلدان العربية
حسين العودات
أعلن الرئيس السوداني عمر حسن البشير أن الحكومة السودانية قررت مزيداً من الاهتمام بالبنية التحتية لمنطقة دارفور السودانية، ووضعت المشاريع اللازمة ورصدت لها الاعتماد المالية والفنية المطلوبة، كما أنها في طريقها لتشكيل محاكم يمثل أمامها مرتكبو الجرائم ضد الإنسانية في هذه المنطقة خلال الحروب المحلية في السنوات العشر الأخيرة.
حيث تجاوز عدد القتلى مئات الألوف وعدد المشردين أكثر من مليونين، وبدء عقد جلسات حوار بين القوى المتخاصمة، سواء كانت من السياسيين أم من الميليشيات، بين بعضها والبعض الآخر أو بينها وبين الحكومة المركزية، فضلاً عن تطبيق إجراءات أخرى من شأنها أن تساعد على حل الأزمة في منطقة دارفور، وإنهاء «الحرب الأهلية» التي كادت أن تصبح مستعصية الحل.
حيث وصلت إلى استقدام قوات إفريقية ودولية لحفظ الأمن، كما بررت لبعض الميليشيات فتح مكاتب لها في إسرائيل ورفضها بالتالي أي حل، لأنها ربما أصبحت تأتمر بأوامر خارجية ولا تهتم بمصالح الشعب السوداني وأمنه ووحدة أراضيه.
إن الإجراءات التي قررت الحكومة السودانية تنفيذها، هي بوادر خير من حيث المبدأ ومن شأنها (نظرياً) أن تساعد على الوصول إلى تهدئة ثم تسوية في مناطق السودان الغربية، وتسهيل عودة اللاجئين إلى مدنهم وقراهم، ومحاسبة المرتكبين والمساهمة في حل القضايا المعيشية للسكان وتحقيق الأمن والأمان لهم.
إن ما جرى ويجري في السودان يلقي مجدداً ضوءاً على مواقف الأنظمة السياسية العربية من قضايا الأقليات العرقية أو الدينية، وتعاملها معها والنتائج الخطيرة التي أدت إليها هذه المواقف، فقد تجاهلت هذه الأنظمة تاريخياً حقوق الأقليات من مواطنيها، سواء منها الحقوق الثقافية أم الاقتصادية أم المعيشية أم غيرها، وتناست مستلزمات المواطنة.
بحيث كاد أبناء هذه الأقليات يصبحون مواطنين من الدرجة الثانية. ولنا أمثلة في أكراد العراق سابقاً وأكراد سوريا حالياً والأفارقة من سكان جنوب السودان وسكان دارفور وأبناء قبائل الأمازيغ في بلدان المغرب العربي. وكانت مطالب أبناء هذه الأقليات المتعلقة بحقوقهم ومساواتهم على تواضعها، تُرفض جزئياً أو كلياً من قبل الأنظمة السياسية الحاكمة، فلا قبول حقوق ثقافية واقتصادية لهم، ولا اعتراف حتى بمواطنتهم في أحيان كثيرة، ونادراً ما لامست خطط التنمية مناطقهم، وبقوا في المحصلة على هامش التطور والتنمية والحياة.
وقد أدت هذه المعاملة ببعض تياراتهم وقواهم السياسية للشطط وطرح شعارات متطرفة من شأنها تهديد وحدة البلاد والتعايش بين سكانها والسلم الأهلي فيها.
فلم يفوّت أكراد العراق الفرصة لتحقيق انفصال (واقعي) عن البلد الأم، عندما استطاعوا ذلك لدى أول ضعف (أو انهيار) للدولة المركزية. وها هم الأكراد السوريون الذين كان أقصى ما يطمحون إليه هو منح الجنسية للمحرومين منها وإعطاؤهم بعض الحقوق الثقافية والاقتصادية وشمولهم بمشاريع التنمية، فأصبحت تيارات وقوى غير قليلة منهم الآن، وبتشجيع من جهات عديدة، تطالب باللامركزية أو بالحكم الذاتي، بل تنادي بأن المناطق التي يسكنونها هي الجزء الغربي من كردستان.
وفي جنوب السودان، وأمام تجاهل الحكومة المركزية حقوق الناس، أتيح لقوى خارجية واندفاع قوى داخلية متطرفة حمل السلاح ضد الدولة المركزية وشن حروب أهلية دامت حوالي عقدين، وأجبرت الحكومة المركزية في النهاية على عقد اتفاق يعطي حق الانفصال لجنوب السودان بعد خمس سنوات من توقيعه، إذا رأى السكان ذلك في استفتاء عام. ولم يكن الأمازيغ في بلدان المغرب بعيدين عن اللعبة.
إن الأسباب التي ولدت هذا التطرف لدى الأقليات القومية، هي أسباب عديدة دون شك، بعضها داخلي وبعضها خارجي. ولكن لعل أهمها أو ما كان بيضة القبان فيها، هو تجاهل الأنظمة السياسية العربية حقوق هذه الأقليات في عقود سابقة أو إنكارها، مما جعل هذه الحقوق تتراكم وبذور التطرف التي كانت موجودة تنمو وتكبر، وأتاح للخارج المعادي أن يتدخل ويشعل النار في الهشيم، وبرر للداخل الموتور من هذه الأقليات زيادة حجم تطرفه وتكبير مطالبه، حتى وصلت الأمور إلى ما وصلت إليه.
يبدو لي أنه لو تعاملت الأنظمة السياسية العربية مع هذه الأقليات منذ البدء كمواطنين لهم حقوق متعددة الجوانب، واعترفت بمواطنتهم وبما ينتج عنها من مساواة وعدالة وتآخ وعيش مشترك، وأعطتهم حقوقهم الثقافية والاقتصادية وحقوقهم بالجنسية والعمل والمشاركة والتعددية والحرية في إطار وحدة البلاد، لقطعت الطريق على أولئك المتطرفين بينهم وسدت السبل أمام الخارج الذي يثير مطامحهم بما هو أكثر من حقوقهم. ولكن مع الأسف لم تدرك الأنظمة السياسية العربية مخاطر سياساتها، فأصبحت الآن تواجه مشاكل حقيقية مع هذه الأقليات، قد تصل إلى اضطرابات وحروب أهلية وانشقاقات جدية في نسيج المجتمع الواحد.
لقد اضطرت الحكومة السودانية متأخرة لاتخاذ إجراءات كان يجب أن تأخذها قبل عشرات السنين، ومثلها فعلت الحكومة العراقية، ولكن ذلك جاء بعد فوات الأوان وخراب البصرة. والمهم الآن أن تتعظ بعض الأنظمة العربية بما جرى في العراق والسودان، وتعمل على ضمان حقوق الأقليات فيها، استجابة لمتطلبات حقوق المواطنة وحفاظاً على الوحدة الوطنية وسدا للذرائع عما يمكن أن يكون، وتجافي غائلة التدخل الأجنبي والتطرف الداخلي.
لعل الالتزام بمرجعية المواطنة، والاعتراف بالمساواة والحريات والديمقراطية والتعددية وغيرها من معايير الدولة الحديثة، هي الحصن الحصين الذي يقي البلدان العربية من مخاطر نشوز أقلياتها القومية وتطرفها، ويدفع عن مجتمعاتها أخطار الانشقاق والتمزق، ويقطع الطريق على أولئك الذين اخذوا يطالبون بما لا يحق لهم المطالبة به تحت أي مبرر
البيان