صفحات سورية

انتخابات الرئاسة الأميركية فرصة… لإضاعة الفرص!

null
راغدة درغام
انحدار الخطاب الانتخابي للمرشحين للرئاسة الأميركية بدأ يقضم من الاعجاب بشخصية كل من المرشح الجمهوري جون ماكين والمرشح الديموقراطي باراك اوباما. اللهو باللعبة السياسية ومقتضياتها وفنونها يأخذ مكانه على حساب التنبه للاطر السياسية الضرورية للاستراتيجية الأميركية نحو بقية العالم. هذا الالتهاء يترك لدى لاعبين على الساحة الدولية الانطباع بأن الفرصة متاحة أمامهم لفرض أمر واقع تلو الآخر من دون مواجهة أو معاقبة. بعضهم قد يغامر في رهانه على فوات الأوان على إدارة جورج بوش لتقوم بأية اجراءات ضده. انما معظمهم ينخرط في وضع أسس علاقته بالرئيس الجديد من موقع يميّزه ويقوي أوراقه. لذلك على ماكين واوباما التفكير في نوعية الشراكات الدولية التي يريدانها، وفي خريطة العراق الذي يمضغانه في الحملات الانتخابية، وفي ماذا في ذهن روسيا والصين وأوروبا عندما يتعلق الأمر بإيران، وأية علاقات استراتيجية يريدانها مع قوى الموازين الاقليمية؟
فكثير من الدول يعتبر المرحلة الانتخابية الأميركية فرصة ذهبية له لزرع بذور ينوي حصادها مع الادارة المقبلة ولقطف آخر الثمار التي جناها من الإدارة الحالية التي بدأت عملياً بالاضمحلال. البراعة الايرانية في هذه الحنكة معهودة، أبرزها ربما كان عندما حجبت الثورة الايرانية تسليم الرهائن الأميركيين الى الرئيس الديموقراطي جيمي كارتر وسلمتهم الى الرئيس الجمهوري رونالد ريغان يوم توليه منصب الرئاسة رسمياً. هذه المرة تلعب الجمهورية الاسلامية على أوتار المكابرة والمماطلة في نغمة تبدو ملائمة لجوقة ملفتة في تعدد واختلاف أعضائها وأصواتها. فلا أحد من الدول الست التي تفاوض ايران على ملفها النووي يبدو مستعجلاً الى المواجهة أو الى استكمال المساومة. وهذا يترك فسحة خطيرة ليس فقط على منطقة الشرق الأوسط وانما على الشراكة الاستراتيجية للولايات المتحدة مع دول المنطقة. فالمماطلة قرار استراتيجي لايران وحلفائها، واقل المستفيدين من هذا القرار سيكون الرئيس الأميركي الجديد الذي سيرث ملف ايران من دون حل وسيكون عرضة لفنون المماطلة والمكابرة الآتية من طهران ومن بعض حلفائها.
هناك مؤشرات على رغبة أقطاب الـ5+1 في تلبية رغبات ايران بالمماطلة والمواربة، كل لأسبابه: الصين لحسابات اقتصادية، إذ أنها مستفيدة من الشراكة مع ايران في فترة الجفاء الايراني – الأوروبي والايراني – الأميركي، وهي تعي أن المصالحة ستؤدي الى إقبال على شراكات اقتصادية مع الغرب وانحسار الشراكة معها. روسيا تجد في الملف الايراني مدخلاً لها لبسط دورها وفرضه بقوة، داخل مجلس الأمن وفي اطار حديث المساومات الكبرى والصفقات الثنائية. لذلك هي مستفيدة من بقائه ملفاً معلقاً بين الصفقة الكبرى وبين شبح العمل العسكري الذي تعارضه. فهذا يعطيها وزناً مميزاً في مسعاها للتمترس في دور دولي يستعيد لها بعض العظمة. أوروبا، من جهتها، منقسمة في مواقفها نحو ايران ولا ترى مانعاً في المماطلة إذا كان الخيار الآخر هو المواجهة. وحتى إدارة جورج بوش تبدو – حتى الآن – في غير عجلة من أمرها للحسم العسكري في مرحلة انتخابية تتحمل فيها مسؤولية الحزب الجمهوري وتكليفها بالتصرف بحذر كي لا تأتي اجراءاتها على حساب حظوظ جون ماكين بالرئاسة. وعليه، لا تبدو إدارة بوش مستاءة من المماطلة الايرانية التي تأخذ الآن شكل البازار الحقيقي تحت عنوان «الإيضاحات المتبادلة».
هذه «الايضاحات المتبادلة» هي لرزمة الحوافز التي قدمتها الولايات المتحدة والصين وروسيا وبريطانيا وفرنسا زائداً المانيا عبر المنسق الأعلى للسياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي خافيير سولانا ولرزمة المطالب الايرانية والاقتراحات المتعلقة ليس فقط بالملف النووي وانما بنوعية العلاقات والشراكات الاقليمية.
ايران، في ردها الخطي، على عرض الحوافز مقابل طلب تجميدها تخصيب اليورانيوم طبقاً لما جاء في قرارات مجلس الأمن، تجاهلت مطلب تجميد التخصيب وتجاهلت عرض تجميد العقوبات المفروضة عليها مقابل تجميدها تخصيب اليورانيوم. إن ما تريده بوضوح هو الاطالة في بحث عناصر الصفقة الكبرى مع الولايات المتحدة، بمساهمة الدول الأخرى الدائمة العضوية في مجلس الأمن. انه بازار من مستوى آخر ذلك الذي تسعى وراءه القيادة الايرانية.
بعض الأميركيين يريد أن يختزل ما يسمى الآن بالانتصارات الايرانية في العراق ولبنان وفلسطين ومنطقة الخليج عامة ليقول إن الوقت والمماطلة والمواربة لن تشتري لايران الاستقرار، لأن الوضع الداخلي فيها اسوأ مما نعرفه ولأن العقوبات أثّرت حقاً في الوضع الاقتصادي الداخلي في ايران.
البعض يرى أن ارتفاع صوت القيادة الايرانية ليس سوى مؤشر على ضعفها. وبالتالي فلتكن المماطلة. لتكن المماطلة فرصة لتعزيز الضعف الداخلي الاقتصادي، وذلك المتعلق بوضع النظام الايراني، بحسب أصحاب هذا الرأي. وبعدها، لكل حادث حديث.
هناك أيضاً من يوافق كلياً مع الزعيم الليبي العقيد معمر القذافي الذي اعتبر أن «ما تقوم به ايران مجرد مكابرة، ولو أن هناك قراراً ضدها فسيكون مصيرها مصير العراق نفسه»، متوقعاً انهيار ايران في حال شن حرب ضدها.
مكابرة قادة الجمهورية الاسلامية في ايران تذكّر حقاً بمكابرة الرئيس العراقي السابق صدام حسين، كلاهما تحدى علناً الولايات المتحدة وفي قراراته رغبة عارمة بتطبيع العلاقات معها.
هذه الرغبة تستولي على ذهن القيادة السورية ايضاً إذ أنها ترغب في أن تكون مقبولة لدى الولايات المتحدة الأميركية، وأن تعيد ترتيب علاقات مع واشنطن تسمح بتبادل السفراء مجدداً. هذا هو قرارها الاستراتيجي.
ما تخشاه دمشق، بحسب مراقبين مخضرمين مطلعين على خفايا السياسات الاقليمية الكبرى، هو أن تسبقها طهران الى صفقة تأهيل وشراكة مع واشنطن. انهما في تسابق، وليس في تنسيق، في هذا المجال. ولذلك هناك مؤشرات على تباعد أحياناً أو خلافات من نوع آخر بينهما لا تعني الطلاق في تحالفهما الاستراتيجي وإنما هي جزء من تنظيم العلاقة بينهما. فالقيادة الإيرانية تعتبر القيادة السورية ملحقاً لها في إطار الشراكة، ولا ترضى بأن تخرج من هذا الدور لتلقي على نفسها صبغة مكانة أكبر. وهذا ما يفسر الاستياء الإيراني من محاولة القيادة السورية لعب دور الوسيط المكلف من قبل الرئيس الفرنسي التأثير في السياسة الإيرانية.
هناك كلام عن نقاش داخل سورية حول تحديد وتعريف العلاقة السورية – الإيرانية. وهناك إشاعات تربط اغتيال الضابط السوري العميد محمد سليمان هذا الأسبوع بخلافات حول إيران وكذلك «حزب الله» في لبنان. الاشاعات عدة وكذلك النظريات التي ربطت ايضاً بين اغتيال هذا الضابط الرفيع واغتيال رئيس الحكومة اللبناني السابق رفيق الحريري. الأهم أن هذا هو الاغتيال الثاني لمسؤول امني كبير في العاصمة السورية، بعد اغتيال القيادي في «حزب الله» عماد مغنية قبل شهور قليلة، وهناك «انتحارات» أودت بحياة مسؤولين عسكريين كبار.
لو كان الأمر يتعلق بدولة منكفئة على ذاتها لا علاقة لها بجيرانها لما تطلب الأمر اهتمام المرشحين للرئاسة الأميركية بما تفعل أو ما يحدث داخلها. لكنّ لسورية أدواراً في ملفات المنطقة الأسخن، فجزء من الخلاف الفلسطيني – الفلسطيني داخل «حماس» عائد إلى الاختلاف حول القرارات السورية المتعلقة بالهدنة الفلسطينية مع إسرائيل أو نسق التهدئة معها لأسباب سورية. سورية فاعل في لبنان مباشرة عبر «حزب الله» الحليف لإيران أولاً، وعبر فصائل فلسطينية وغير فلسطينية. إنها فاعل في العراق، وإن لم يكن بالقدر الذي تفعل فيه إيران بالعراق.
إذن، ان التنبه لما ترسمه دمشق وطهران، بدعم ومساندة ومساعدة مباشرة من موسكو وشركائها، مسألة فائقة الضرورة تتعلق بالقرارات الاستراتيجية المتعلقة بالمصلحة الأميركية العليا وبمتطلبات التفرد بموقع العظمة في عهد القطب الواحد بعد الحرب الباردة.
استغناء الولايات المتحدة عن شراكات استراتيجية هو سمعة اكتسبتها مختلف الإدارات الأميركية وأسفرت عن تقويض الثقة بالولايات المتحدة ووعودها. بعض الدول يرسم استراتيجياته اليوم على أساس فوائد الاعتباطية الأميركية وسمعة الاستغناء وخيانة الوعود. وهذا خطير على مستقبل الشراكات الضرورية، لا سيما في مرحلة المماطلة واستحقاقات المكابرة وما بعدها.
العراق ما زال في حال الفرز، وهو مثال مسيرة الشراكات المتقلبة وأنماط الاستغناء، علماً بأن صدام حسين كان شريكاً للولايات المتحدة في احتواء الثورة الخمينية، وظن نفسه غير قابل للاستغناء عنه بسبب عمق تلك الشراكة، فأخطأ. عراق اليوم يتأرجح بين مختلف معادلات الولاء والاستغناء، وهو في حاجة إلى التنبه إلى ما يحدث فيه في إطار صوغ هويته وعلاقته مع الجيرة وشراكاته الدولية الاستراتيجية.
لذلك، مفهوم أن الأولوية لدى الحزبين الجمهوري والديموقراطي هو الوصول الى البيت الأبيض، إنما حذار الاستهتار بما سيلقاه الرئيس الأميركي الجديد من تحديات عندما ينتهي موسم الالتهاء بالخطاب الانتخابي.
الحياة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى