الدكتور عارف دليلة: يجب التقدم إلى الأمام إصلاحاً وتطوراً
الدكتور عارف دليلة هو آخر معتقل من سجناء ما عرف ب”ربيع دمشق” الذي أفرج عنه يوم 7 أغسطس/ آب الجاري بقرار عفو صدر عن الرئيس السوري بشار الأسد بعد قضاء نحو 7 سنوات من أصل 10 سنوات كانت هي فترة الحكم القضائي الذي صدر عن محكمة أمن الدولة استناداً إلى عدد من التهم “إثارة النعرات الطائفية، الدعوة إلى عصيان مسلح ومنع السلطات من ممارسة مهامها ونشر معلومات كاذبة والسعي إلى تغيير الدستور بطرق غير قانونية”. ولم تعرف الأسباب الفعلية لإطلاق سراح دليلة، رغم أن دمشق كانت ترفض تدخل أي جهة حقوقية وسياسية عربية ودولية للإفراج عن دليلة وغيره، حيث كانت تعتبر أن هذا الأمر هو شأن داخلي. إلا انه كان قد تقدم عدد من النشطاء الحقوقيين بطلب لتشميله بمرسوم العفو العام الأخير. ودليلة اعتبر من جماعة “ربيع دمشق” التي كانت تضم رياض سيف ومأمون الحمصي ورياض الترك وغيرهم. وهذه الجماعة كانت تنادي بالإصلاحات الاقتصادية والتغيير الديمقراطي. واستقبل عدد كبير من النشطاء الحقوقيين ومنظمات حقوق الإنسان خبر الإفراج عن دليلة بارتياح كبير واعتبرته خطوة في الاتجاه الصحيح، وحثت السلطات السورية على القيام بمزيد من الخطوات الايجابية والإفراج عن المعتقلين الآخرين وطي ملف الاعتقال السياسي. “الخليج” تحدثت مع الدكتور عارف دليلة عن أهمية هذا الإفراج بالنسبة له، واثر هذا الاعتقال، وما تصوراته للمستقبل وخاصة في ما يتعلق بالإصلاحات التي تشهدها سوريا؟ فقال: أفرج عني بعد سبع سنوات من السجن كان منها 6 سنوات قضيتها في السجن الانفرادي. والخروج إلى الحياة العادية هو الخروج من حالة استثنائية طارئة غير طبيعية هي حالة السجن والعزل التي لم يكن لها أي مبرر، ورغم ذلك كان علي أن اقضيها، وان أمر خلالها بأزمات صحية خطيرة تجاوزتها والحمد لله، والآن نعود إلى الوضع الطبيعي، آملين أن تكون الأيام القادمة أفضل من السابقة.
ما الذي تغير في مفاهيمك بعد سبع سنوات من العزلة سواء أكان على المستوى الشخصي أم بالنسبة للمستوى العام؟
بالنسبة لوضعي الشخصي فلم يكن بالحسبان أن اعتقل لفترة طويلة، ولكن لا بد من أخذ النتائج بعين الاعتبار حيث حصلت تغيرات سلبية لا نريد الآن الوقوف أمامها بل تجاوزها ووضعها خلف ظهورنا.
وعلى المستوى العام، فالسنوات السبع الماضية كانت بالنسبة لي خسارة كبيرة فهي ضياع سبع سنوات من عمر سوريا، بالإضافة إلى عقود طويلة سابقة، من دون أن يتحقق منها التقدم المنشود الذي تفترضه إمكانات سوريا المادية والاستراتيجية والبشرية والمهمة الأساسية الآن محاولة تعويض ما فات بتسريع خطوات الإصلاح وتجميع القادرين على المساهمة في إصلاح الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية وغيرها في سوريا.
ما تصوراتك لتطوير الوضع الاقتصادي خلال الفترة المقبلة، خاصة أن سوريا سارت على درب الإصلاح وأنت كنت من أول المنادين به؟
الإصلاح الاقتصادي موضوع صراع واختلاف آراء واسع جداً في كل مكان من العالم، حيث الكل يريد أن يشد باتجاه معين.
وكنا في سوريا على مدى عقود سابقة نطالب بإدارة الاقتصاد الوطني في مصلحة الشعب ومصلحة تقدم البلد وارتقاء سوريا بشكل عام. ما يطلق عليه الآن الإصلاح الاقتصادي، اقتصر على ظهور المؤسسات الحديثة، والتي هي فروع لشركات خارجية كالمصارف وشركات التأمين وهذه ليست هي المقصودة بالإصلاح الاقتصادي، هذه التغيرات كانت من حيث الشكل القانوني فقط. المقصود بالإصلاح الاقتصادي ليس الشكل بل المضمون، سواء كان ذلك لمؤسسات القطاع العام أو الخاص، فإنه يجب أن تؤدي السياسات الحكومية إلى تحقيق نتائج ايجابية ترفع من مستوى حياة السكان، وتحفظ ثروة البلاد لأهل البلاد، وتسرع وتيرة التقدم والتطور الاقتصادي والاجتماعي. كل هذا يجب رصده من خلال دراسات ومعايير ومؤشرات دقيقة ومفصلة وشاملة لمختلف الأوضاع في سوريا.
لقد تم وصفك بأنك احد أهم الشخصيات الاقتصادية الخبيرة في سوريا، وكنت عميداً لكلية الاقتصاد والتجارة بجامعة دمشق وأعفيت من منصبك بعد ذلك، فهل هناك رابط بين المنحى السياسي الذي اتخذته وإعفائك من منصبك هذا آنذاك؟
لا، فأنا كأحد أساتذة الكلية كلفت بمهمة عمادة كلية الاقتصاد بين (1988 1990)، وكالعادة كل سنتين يصدر قرار تعيين العمداء، فإما أن يمدد للقدماء منهم أو يتم تعيين عمداء جدد وانتهت المدة بشكل طبيعي وعدت إلى التدريس.
صورت وسائل الإعلام الحالة الصحية المتردية التي عانيتها أثناء وجودك في المعتقل، كيف تصورها لنا أنت؟
كنت أحصل عند اللزوم على المعونة الطبية من خلال استدعاء أطباء إخصائيين وأدوية، وعلاجات وأحياناً انقل إلى المستشفيات لإجراء التحاليل والكشوفات ولقاء الاخصائيين. لكن، طبعا لم يكن ذلك عند الطلب أو الحاجة الفورية كما يحدث للإنسان الحر خارج السجن، وإنما كان يتم الأمر بشكل متأخر قليلا فنتجت عن ذلك مضاعفات ناجمة عن عدم المتابعة المنتظمة للوضع الصحي.
أثناء اعتقالك، هل تعرضت لممارسات غير إنسانية؟
لا فقد كانت المعاملة طبيعية بعيدة عن المداخلات العنفية.
ما الأسباب التي أدت إلى عزلك في زنزانة مفردة بعيداً عن بقية المعتقلين؟
قضينا السنة الأولى كل 4 مع بعضهم، ثم صدر قرار الحكم، وبعد صدوره وزعنا على انفراديات، وتم إطلاق سراح بعض الزملاء بعد قضائهم مدة الحكم وبقيت أنا وحيداً في الانفرادية حتى تم الإفراج عني مؤخراً.
هل تعتقد أن جماعة “ربيع دمشق” نجحت في استقطاب عدد من المنظمات الإنسانية والدولية للمطالبة بالإفراج عنك وعن بقية أعضاء الجماعة؟
كل أنصار الحريات والديمقراطية كانوا يطالبون بإطلاق سراح ليس فقط عارف دليلة وإنما معتقلي الرأي والضمير السياسي، ومازالت هذه المطالبات مستمرة حتى إغلاق هذا الملف في سوريا.
على المستوى الرسمي غالباً ما يكون الرد بأن أي مطالبة من الجهات الغربية بالإفراج عن المعتقلين يعتبر تدخلاً في الشؤون الداخلية، ما موقفك مما ورد ذكره؟
يجب ألا نغفل بأن هناك جهات عديدة لها اتجاهات ومصالح خاصة أو ممثلة لجهات حكومية معينة، ولكن مسألة التمييز بين هذه الجهات تخص المسؤولين ولا تخصنا نحن. نحن لسنا قادرين على اختيار من يؤيد أو يطالب بإطلاق سراح المعتقل هذا أو ذاك، فالموقف من هذه الجهات مسألة تخص المسؤولين. أما بالنسبة للمعتقل فهو بكل تأكيد يشكر كل من طالب بإطلاق سراحه ولا يستطيع الحكم عليه من خلال مواقف أو مصالح أخرى.
هل ستتابع مسيرتك التي سرت عليها سابقاً قبل سنوات الاعتقال على الصعيدين السياسي والاقتصادي؟
أعتقد أنه لم يتغير شيء، لأن ما كنا نتحدث به يتطور مع الزمن، وهذا التطور يكون إلى الأمام وليس للخلف. لم نتحدث بشيء يستلزم التنازل أو التراجع الآن إنما يجب أن نتقدم إلى الأمام سواء في مطالبنا الإصلاحية أو التطور العام في البلاد أيضاً.
كيف ترى اليوم حالة الانفتاح السياسي والتوسع في ساحة الحريات وإطلاق حرية التعبير في الوطن العربي بشكل عام؟
ربما مع بداية القرن الحادي والعشرين يقول البعض إن تغيرات خطيرة حدثت على النطاق العالمي في الاتجاه السلبي وليس الايجابي نتيجة لسيطرة القطب الواحد. اعتقد أن للمسألة وجهين. فالبعض يرى الاتجاه السلبي بشكل عام نتيجة أحداث سبتمبر/ أيلول في الولايات المتحدة وما تلاها من احتلال لأفغانستان والعراق ثم إعطاء الغطاء لكل الاتجاهات القمعية في العالم والمضادة لحقوق الإنسان والحريات والديمقراطيات. ولكنني أرى وجها آخر، وهو انه في هذه الفترة شهدت دول كبيرة في العالم تغيرات ديمقراطية بالأخص في أمريكا اللاتينية، حيث تحولت الأنظمة من دكتاتورية إلى ديمقراطية عبر الانتخابات الحرة والتعددية والتنافسية.
إن الحريات تتوسع في جميع القارات، ولكن للأسف ليس في الوطن العربي الذي مازال يشكل استثناء غير مقبول بمقاييس العصر على التحول العالمي نحو الحرية والديمقراطية.
ورغم النكسات التي شهدتها الاتجاهات التقدمية في العالم، إلا أنني اعتقد أن هناك نهضة جديدة قد تحققت لها الآن الأرضية والقاعدة التحتية للانطلاق. ولابد أن يبدأ ظهور ذلك في الوطن العربي في العقد القادم على الأقل.
هل تعتقد أن البدء بمثل هذا الإجراء، أي إطلاق سراح سجناء الرأي، يشكل خطوة ايجابية لوضع الأقدام على الطريق الصحيح؟
ليس بمقدوري الحكم على وجود سياسة عامة لإطلاق سراح معتقلي الرأي وان كنت أتمنى التعامل بإيجابية نحو إغلاق هذا الملف. لو تحقق ذلك فهو سيكون مساهمة إيجابية قيمة جداً وفي طريق الإصلاح.
في 26 يوليو/ تموز الماضي طالبت ما يزيد على 26 منظمة عربية لحقوق الإنسان بالإفراج عنك ما أهمية الدور الذي لعبته هذه المنظمات في إطلاق سراحك.
لم تكن تصلني الأخبار المفصلة، كانت تصلني أخبار قليلة حول هذه الجهود الخارجية والمحلية، لكن بالتأكيد فإن العالم اليوم يشكل قرية صغيرة، ولابد أن تكون لهذه النشاطات انعكاسات لا نستطيع تجاهل آثارها الإيجابية.
الخليج