هل لديكم وصفة تناسب مقام النظام السوري؟
فلورنس غزلان
يقف النظام السوري بقامته المضطربة ، تتقاذفه الشكوك وينتابه القلق حيال أي حركة يمكنها أن تقع!…يقضي يومه بالتلفت يمنة ويسرة..أمامه وخلفه …راصداً كل همسة أو نفس يخرج من هذه الرئة أو تلك …يحدث هذا فقط داخل إطار الجغرافية السورية المقصوصة شمالا و المقتطعة جنوباً والمهدورة الكرامة على كامل المساحة التي يعيش فوقها الرعايا السوريين!…
يبدو لعين المراقب سطحياً ، أن وضع النظام متماسك وزاهي الألوان متبرج بعناية بل بمبالغة تقتضيها مهنة الحكم على طريقة الاستبداد والشمولية الموروثة، حتى يبدو بريقه المصطنع يشبه لوحة إعلانية لبضاعة يسعى تاجرها لتسويقها رغم انعدام جودتها كاشفا عن أسلحته دون خجل أو وجل …منتفخ الأوداج نافشاً ريشه كطاووس متبختراً فوق ظهور القائم والنائم ، العامل والناشط الساكن أو الملتصق بالحائط ، يمسك هراوته ويلعب بها كأنه صيني أو ياباني محترف ألعاب الكاراتيه أو تمثيل أدوار الننجا التلفزيونية، يمثل مسرحيته هذه أمام المواطن القابع داخل جدران السجن السوري الكبير…
كيف لا ؟!…وكيف يمكنك الخروج عن هذا التوصيف وأنت ترى بأم عينيك وتسمع بأذنيك كل ما تتناقله وسائل الإعلام المرئي منها والمسموع أو المقروء، فتحاول جاهداً أن تضعه في موقع أو ميزان سياسي ما ينطبق عليه ، أو أن تجد له مشابها في التاريخ الحاضر أو الماضي ، كل ما تستعرضه أمامك يفشل قالبه في الانطباق ولو بشكل نسبي، لما تتسم به سلوكياته من تناقضات لا تتناسب مع قامته ومكانته وموقعه وخطابه السياسي وعلاقاته الجوارية والسياسية القائمة، ففي العهد القديم كان يستقيم على التوازنات ، وفي العهد الجديد على المساومة حسب سوق العرض والطلب وبورصة التجارة السياسية لمن يدفع أكثر مقابل تنازل أكثر، وعلى الدوام من يدفع في النهاية الحساب هو هذا الشعب المسكين! ، فسلطته الفاجرة وطرقه الجائرة على أبناء شعبه ــ وقد عًرَّفناهم بالرعايا والعبيدــ ، لأن حالهم البائسة أكبر حتى من هذه التسمية وأدنى منها حقوقيا وإنسانياً ــ وكي لا نُنعَت” بالتطاول ونشر أنباء كاذبة توهن عزيمة الأمة “! أو أننا نتآمر لحساب الآخر الذي يضمر لنا سوءاً ويحشر الوطن في خانة “اليك”…نستعيد معكم آخر الأنباء العذبة!…بل المتناقضة، راجية أن يفيدني أحدكم بوصف لهذا النظام ويريحني من هم البحث والاستقصاء بمثيل يشبهه في السُحنة الجهنمية أو القبضة الخائفة ضعيفة الثقة بالنفس لدرجة أنها تشك بخيالها وتغتال من يخدموها وخدموها، ولا تُفلح سنين الخدمة في العفو حتى عن زلة لسان!
إليكم آخر المضاربات في تناقض السوق السياسية للنظام السوري، الذي يبحث عن الإصلاح ويسير بطريقه ويبدأ بالديمقراطية لكن مشوارها طويل جداً وربما يحتاج لسنين حسب رأي سيادة الرئيس!
ــ تكثر حوادث الانتحار بين قيادات اعتُمد عليها مايزيد عن عقد أو عقدين، فمن الزعبي حتى كنعان، ومن انتفاض خدام لانزواء الشهابي إلى أن وصل الدرب إلى الاغتيالات!…وللمرة الأولى لقيادي في الحزب الإلهي الحليف وغير المعروف إلا من الحلقة الأضيق في هرم السلطة ” عماد مغنية ” إلى اغتيال أحد مستشاري الرئيس الأقرب والأكثر وفاء ” محمد سلمان”!، وماذا بعد؟ بمن يثق النظام إذن؟ ومن تبقى لديه سوى الرئيس وشقيقه ماهر والصهر مجمد الأنشطة ومحسوب الحركات؟!.
ــ ينفتح النظام ويفرح لهذا الانفتاح مبشراً بقدوم الخير ، الذي سيحصده على الصعيد الخارجي طبعا، لكن هذا الانفتاح على عالم الغرب ، الذي وصفه بأقذر وأسوأ النعوت وشحن أبناء الوطن ضده لعقود خلت ، لكنه يبيح لنفسه الجري خلف ظلال التقارب مع هذا الغرب” الكافر والمنافق والذي يكيل بمكيالين” لكنه يريده راعٍ لكل مساعيه الصُلحية وغير الصُلحية ومستعد لخدمته حتى النخاع، هذا الانفتاح على الخارج لم يترافق بمثله نحو المواطن في الداخل،ــ أو عفوا الرعية، الذي تصل حاله للرثاء اقتصاديا وأمنيا واجتماعيا ولن نقول سياسياً فهذه النقطة مؤجلة البحث إلى خطة عشرية أو عشرينية قادمة!.
ــ يقيم علاقات محبة وصداقة وعهود ويعقد اتفاقيات مع إيران وربيبتها حزب الله، ويدير الظهر لأخوة الأمس وأصدقاء وحماة النظام لمدة طويلة ” السعودية، الأردن ، مصر”، وفي نفس الوقت يمد اليد لتركيا لإقامة سلام مع إسرائيل ، ولم تبدِ إيران امتعاضها! ــ حتى الآن على الأقل ــ وربما يكون في الأمر لعبة ما من طرف ما على حساب الطرف الآخر، فإسرائيل حمت ورعت النظام ورفضت مرارا أي مساس به سواء شارون أم أولمرت، وهاهو أولمرت يودع الحكم، فأين ستقف مسيرة السلام ومع من سيقيمها النظام؟ هل سيمضي بها موفاز إلى حيث يُراد لها سورياً؟ أم تسيبي ليفني؟ أم ــ وهو الأعتى ــ نيتانياهو؟.
ــ يُطلق سراح الاقتصادي العظيم والناشط الكبير والمنافح عن الحق وعن الوطن ” عارف دليلة” ، على الرغم أن هذه الحرية لم تأت مَكرُمة منه ولا مِنَّة، بل جاءت بعد استغاثات وحملات على مستوى العالم ومنظمات حقوق الإنسان ، وبعد أن قضى في سجنه الانفرادي سبعة أعوام عجاف، وهو الرجل السبعيني المصاب بالعديد من الأمراض، وكل تهمته ، أنه حلل خراب الوطن وفساده ووضع يده على جرح لا يريد النظام لأحد أن يرى صديده ولا تقرحاته ، مع أنه يعيش آلامه يومياً!…وباعتقاده أن مبادرته هذه تعبيراً عن حسن نية وتغييراً في الطوية السياسية ، وهذا ما يرتاب به صاحب العين والبصيرة!.
ـــ في الوقت نفسه يلقي القبض على أسامة عاشور أحد أعضاء المجلس الوطني لإعلان دمشق والسجين السابق لمدة طويلة، ولا يكتفي بهذا بل نسمع مؤخرا عن اعتقاله لمواطن من ريف دمشق وينتمي أيضاً لهذا التآلف وهو مصطفى دالاتي وبعد أن مر على اعتقاله أكثر من شهر دون أن تسمع به منظمات حقوق الإنسان!.
ــ يلقي القبض على أحد الشبان من إعلان دمشق كذلك ” حسن قاسم”، ويجري معه تحقيقات مختلفة الأسلوب، معتقداً أنه بهذه الطريقة سيجعل الركوع والسجود للنظام وأهله الطريق الأمثل ،وسيجعل كل من ينتمي لهذا التآلف خارج على القانون ومطارد حتى مجاهل الأرض، العبرة أدتها ونفذتها عبقرية وجهاء الأقبية المخابراتية، من خلال المساومة والتهديد، ثم تصوير المعتقل أثناء توقيعه البراءة المطلوبة تـحت سياط الخوف والرعب وما هو أكثر، من كرامة وإهانات تطال المحيط ، و من ثمة الإيعاز لأبواقه الإعلامية من أجل التعريض بهذا المواطن لجعله عبرة، لكن مسعاه خاب كما خاب في طرق سابقة ومختلفة يعرفها ويسخر منها أصغر مواطن.
ــ يُلقي القبض ومن الشارع ، على حبيب صالح أثناء تجواله في مدينته طرطوس، ويقتاده إلى دمشق معتقلا ، ثم تُوجه له تهمة من نوع يحمل التجديد في لغة الكليشة المعروفة، وهي” إثارة حرب أهلية واقتتال طائفي”!، حبيب صالح المعتقل لمرتين سابقتين، والذي أعلن سابقا عن توقف نشاطه السياسي واكتفائه بنقد الوضع الاقتصادي والاجتماعي كمواطن حر دون انتماء لأي تنظيم أو جمعية أو منتدى!!، آه منك يا حبيب!!، ماذا كتبت وماذا نظمت حتى تُتهم بالتحريض على حرب أهلية؟!…يبدو أن صوتك مسموع وخطابك يصل عبر الإذاعات والصحف الوطنية لكل بيت حتى يعتقد النظام أن كلماتك تحرض على الحرب الأهلية!…وأين تربية الطلائع والشبيبة والمظليين والاتحادات والنقابات المخصصة للأناشيد والدبكة الشعبية لحماية النظام من أمثال هؤلاء؟.
ــ من شدة الفرح وحياة الرفاهية والبذخ التي يعيشها ابن سورية ، تزداد حالات الموت المفاجيء وخاصة الجلطات القلبية والدماغية ، والتي تطال شبابا بعمر الزهور حتى طلاب الجامعة فقد وصلت نسبة الوفيات بهذه الجلطات بين حالات الوفاة إلى 52%، وكان آخر ضحاياها، المعتقل السابق لما يزيد على أربعة عشر عاما ، والذي أكمل دراسة الهندسة بعد خروجه من السجن ، ويحاول أن يدخل مسارات الحياة ويخطف بعض الفرح الذي حرم منه طويلاً…لكنه ربما لم يفلح في اقتناص الفرح ولا في افتعال البهجة.
فأغمض عينيه محاولا الابتسام في زمن الغم وتكاثر هموم الحياة لمواطن يعيش على هامشها في وطن يحكمه نظام الاستثناء والطواريء وبنفس الوقت ينسل من جيوب العتمة …ليسرق الحب العائلي على الأقل!
(عدنان محفوض)، جاءته المنية بذبحة قلبية على شاطيء اللاذقية…لم يستطع قلبه الذي قاوم الخوف والسياط والكهرباء، أن يقاوم الموت، حين تكدست فيه آلام الوطن وعذابات الأصدقاء ، حاول أن يشق طريقا نحو الأمل والفرح والحرية…فاغتالت قساوة الماضي قلبه …حيث لم ينجح إلى اليوم في اغتيال عقله وفكره.
أستحلفكم هل تعرفون لوناً لهذا النظام؟ كيف وأين يمكنكم تصنيفه؟ وهل على الأرض شعب يستطيع الاحتمال كما احتمل الشعب السوري ومازال، وإلى متى؟