هل ثمة خلاف بين أميركا وإسرائيل في شأن الملف النووي الإيراني؟
رنده حيدر
منذ مطلع هذا العام وتحديداً منذ نشر وكالات الاستخبارات الأميركية لتقريرها المثير للجدل والذي جاء فيه أن ايران أوقفت نشاطها النووي العسكري في شهر كانون الأول من العام الماضي؛ بدأت تظهر بوضوح مؤشرات اختلاف في المواقف الإسرائيلية والأميركية من كيفية التعامل مع خطر امتلاك ايران السلاح النووي. ومع مرور الوقت وبصورة خاصة مع اقتناع اسرائيل بأن ادراة الرئيس الأميركي الحالي ليست في وارد الإقدام على توجيه ضربة عسكرية لايران لأن مثل هذه الخطوة لا تحظى بموافقة اميركية، ولأن الانتخابات الرئاسية على الأبواب والرئيس الحالي لا يستطيع بعد تورط قواته في العراق أن يدخل بلاده، في الأشهر الأخيرة من ولايته في مواجهة خطرة جديدة في الشرق الأوسط في حال قرر القيام بعمل عسكري ضد ايران قد تؤدي الى انهيار الاستقرار في المنطقة بأسرها و تعريض مصالح العالم بأسره الى الخطر؛ أمام هذه الوقائع و مع اعلان ايران عدم نيتها التوقف عن مشروعها تخصيب الأورانيوم، وازاء الموقف الأوروبي الرافض أي حل عسكري لمشكلة السلاح النووي الايراني وتفضيله المسعى الديبلوماسي، ومع ظهور عدم فاعلية العقوبات الإقتصادية المفروضة على ايران؛ هذا كله جعل اسرائيل تقتنع أكثر فأكثر بأن المعالجة العسكرية لموضوع السلاح النووي الايراني بات يقع على عاتقها هي دون غيرها مما يفرض عليها درس كل الامكانات المتاحة أمامها. أمام هذا الواقع يطرح السؤال هل مؤدى ذلك وجود اختلاف جوهري او تعارض حقيقي بين السياسة
الأميركية والسياسة الإسرائيلية من السلاح النووي الايراني؟
تربط الولايات المتحدة باسرائيل شبكة من العلاقات الخاصة ذات الطابع الاستراتيجي والسياسي والعسكري تقوم على أرضية من المصالح المشتركة التي لم تتبدل منذ قيام اسرائيل رغم نشوء تعارضات ظرفية في المصالح بين البلدين والتي لم تصل ولا في أي يوم من الأيام وعلى مدى تاريخ الادارت الأميركية السابقة الى الصدام والإفتراق. لا بل لطالما كان هناك توزيع أدوار بين الدولتين قد يكشف تعارضاً ظاهرياً لا يمكن في اي حال من الأحوال ان يمس الأرضية المشتركة العميقة للتعاون العسكري بين البلدين بحيث أن اي اعتداء على أمن اسرائيل تعتبره الولايات المتحدة الأميركية اعتداء على أمنها.
من هنا يمكن القول إنه مهما بلغ الاختلاف في الرأي من مسألة الضربة العسكرية للمشروع النووي الايراني بين اسرائيل والولايات المتحدة فإنه لا يمكن أن يصل الى حد المواجهة والخلاف الحقيقي.
ومع ذلك فقد ترك تقرير وكالات الاستخبارات الأميركية صدى سلبياً في الأوساط الاسرائيلية التي عمدت منذ صدوره الى انتقاده علناً وتفنيده بالدلائل والوقائع. ومما ضاعف من الوقع السيء للتقرير أنه اتى بعد نشر التقرير الأولي للجنة فينوغراد للتحقيق في حرب تموز على لبنان حيث بدا واضحاً بالنسبة لإسرائيل مدى الدعم الذي قدمته ايران بالعتاد والسلاح والمال الى “حزب الله” في لبنان الى حد انها اعتبرت المواجهات مع مقاتلي الحزب هي مواجهة أيضاً مع ايران التي تحاول محاصرة اسرائيل شمالاً عبر “حزب الله” في لبنان، وجنوباً عبر حركة “حماس” في غزة، وشرقاً عبر التحالف العسكري الوثيق الذي يجمعها مع سوريا فكيف يمكن والحال هذه ان يتحول الوضع اذا حصلت ايران على القنبلة النووية؟
فرض الموقف الأميركي المعارض لضربة عسكرية لإيران على اسرائيل اعادة حساباتها من جديد و درس هامش الامكانات المتوافرة امامها. ورغم كون خطر السلاح النووي الإيراني يأتي في المرتبة الأولى من المخاطر الأمنية التي تتهدد اسرائيل، لكن الراهن أن اسرائيل في المرحلة الحالية لا تملك جواباً على المسألة يمكن ان يحسم الخيار العسكري ضد ايران.
يمكن تلمس هذا الموقف في تصريحات المسؤولين الاسرائيليين وفي ردود الفعل عليها. فعلى سبيل المثال عندما صرح وزير المواصلات شاؤول موفاز أن لا مفر من توجيه اسرائيل ضربة عسكرية توقف المشروع النووي الايراني، تعرض موفاز الى حملة انتقادات شديدة في اسرائيل اتهمته باستغلال الموضوع الإيراني لرفع شعبيته ولخدمة مصلحته الشخصية، وان تصريحاته “المتهورة” تسببت بارتفاع مخيف في أسعار النفط. حينها بدا واضحاً مدى الحساسية الإسرائيلية و الدولية للموضوع.
ورغم كل التلميحات والاشارت الصادرة عن المسؤولين الاسرائيليين بأن اسرائيل لن تقبل بحصول ايران على السلاح النووي وآخرها التصريحات التي أدلى بها قبل يومين وزير الدفاع الاسرائيلي بأن على العالم أن يبقي كل الاحتمالات مفتوحة في معالجة الموضوع ؛ فالراهن اليوم أن اسرائيل عاجزة عن تكرار تجربة قصفها المفاعل النووي العراقي في مطلع الثمانينات، و أي عمل عسكري يمكن أن تقوم به يجب أن يحظى ليس فقط بموافقة أميركية وانما بموافقة دولية. وهذان الأمران غير متوافرين في الوقت الراهن. فقد نشرت الصحف الإسرائيلية قبل شهر نقلاً عن محلل استراتيجي كبير هو البرفسور أنطوني كوردسمان أن الولايات المتحدة نقلت رسالة واضحة الى اسرائيل تقول بأنها تعارض اي عملية عسكرية قد تقوم بها ضد المنشآت النووية في ايران. وان الرئيس الأميركي ووزير الدفاع والمسؤولين في البنتاغون يؤيدون في المرحلة الحالية استخدام الوسائل الديبلوماسية للضغط على ايران لوقف مشروعها النووي.
لكن هذا لم يدفع بالمسؤولين الاسرائيليين الى التراجع عن مواقفهم المعلنة وعن احتمال استخدام الخيار العسكري ضد ايران في نهاية المطاف. وذلك لأسباب عدة منها: رغم ضيق هامش التحرك المتاح لإسرائيل فإنها لا تستطيع التراجع عن الخيار العسكري لأن ذلك من شأنه أن يضعف صدقيتها و يزعزع قدرتها على الردع ويصورها بصورة الدولة التي تطلق التهديدات والتحذيرات ولكنها أعجز من أن تنفذ تهديداتها الأمر الذي سيرتد عليها سلباً و سيجعل اي تهديد او تحذير تطلقه في المستقبل من دون أي قيمة مما سيجعل اسرائيل على حد قول المحللين ” نمر من ورق”. ولكن من جهة أخرى يدرك المسؤولون الاسرائيليون تماماً ان العوائق التي منعت الولايات المتحدة من توجيه ضربة عسكرية الى ايران هي عينها التي تعترض طريق اسرائيل. أي أن المصلحة الاسرائيلية الحالية رغم كل التصريحات العنترية باستخدام القوة ضد ايران هي في انتظار ما ستسفر عنه المساعي الديبلوماسية الدولية وفي السعي نحو حمل الدول الأوروبية بصورة خاصة الى التشدد في العقوبات الاقتصادية المفروضة على ايران.
ثمة اجماع وطني في اسرائيل على أن اهم خطر وجودي تتعرض له اسرائيل حالياً هو حصول النظام الايراني الحالي والمعادي بصورة كبيرة للغرب واسرائيل على السلاح النووي. وهناك تيار عريض يدعم فكرة تدمير المنشآت النووية الايرانية ويعتبرها خطوة مهمة لإستعادة اسرائيل قدرتها على الردع، فمثل هذه الخطوة من شأنها تغيير موزاين القوى السائدة حالياً في المنطقة والتي ليست لمصلحة اسرائيل. ولكن من ناحية ثانية هناك بعض الأصوات القليلة التي شذّت عن هذا الاجماع مثل العريضة التي نشرتها صحيفة “الجيروزالم بوست” مطلع هذا الشهر والموقعة من جانب مئة شخصية أكاديمية و ناشطين من أجل السلام وجهوا فيها دعوة الى الحكومة الاسرائيلية يحضونها على الامتناع عن القيام بعمل عسكري ضد المنشآت النووية الايرانية واعطاء فرصة اكبر للمساعي الديبلوماسية وابداء المزيد من الثقة في الجهود التي يبذلها المجتمع الدولي لإقناع ايران بوقف تخصيب الأورانيوم.
موقعو العريضة يقرون بخطورة حصول ايران على السلاح النووي لكنهم من جهة أخرى يعتبرون ان واجبهم الأخلاقي والوطني يدفعهم الى التحذير من اقدام اسرائيل على “مغامرة” عسكرية تهدد الإستقرار ليس في اسرائيل لوحدها ولكن في العالم بأسره.
في انتظار الادارة الأميركية الجديدة وتشكيل ائتلاف حكومي جديد في اسرائيل او ربما الدعوة الى انتخابات نيابية مبكرة، تأجل امكان حسم اسرائيل الموضوع الايراني وازدادت فرص اعطاء المجال للمساعي الديبلوماسية المبذولة من أكثر من طرف لحل المشكلة الايرانية. في هذه الأثناء ليس باستطاعة اسرائيل التراجع عن تهديداتها بعمل عسكري في حال لم تتجاوب ايران، ولكن أي تطور حقيقي على هذا الصعيد لا يمكن أن يتم من دون تنسيق مع الأميركيين في الدرجة الأولى. الى أن يحين الوقت الملائم لتنفيذ التهديدات ستلعب اميركا الدور المعتدل الداعي الى التحاور والتفاهم مع ايران، في حين ستحمل اسرائيل “العصا” مهددة ومحذرة من عدم التجاوب.