لا تصمت…
الأسير كميل خاطر
1- من دياجير الليل إلى الحرية, انطلق مؤخرا مقاوم عنيد, قاوم الاحتلال ولم يمل.. ولم يكسره القيد أبدا, بل هو من كسر الأصفاد تكسيرا.. هو من ثبت, ومن آمن بحتمية زوال القيد.
إلى الحرية انطلق, بعد ثلاث وعشرين عاما من النضال. ومن عذابات, ومعاناة ألام السجن. سطر خلالها سطورا رائعة ومميزه على نطاق الحرية الأسيرة ككل. ولم يتردد من خوض جميع الإضرابات عن الطعام رغم أن حالته الصحية لا تسمح له بفعل هذا. تواصل مرات عديدة مع أبناء شعبنا رغم الحواجز والقيود التي تصعب إلى حد منع مثل هذا التواصل, ولو آن المقام يتسع لأضفت الكثير من أعماله المشرفة داخل المعتقل, وخاصة أن ليس كل أسير يستطيع فعل ما فعله.
انطلق حر النفس, رافع الرأس وإلهامه, كما الأحرار ينطلقون ولم يتردد من رفع إشارة النصر بكلتا يديه قبلما فتحت أمامه دروب أخرى من التحدي, فوعد حينها بأنه سينتصر على المرض الذي آلم به رغم التأخر باكتشافه وبتحديده على النحو التالي ولم يكن هذا نتيجة ألا نتيجة واضحة لإهمال أداره مصلحه السجون ولتقصيرها المتعمد بأحيان كثيرة, وحين وصل إليكم رفع برفقتكم راية أخرى في ساحات الجولان المقاوم الأبي, ولم يبق لي سوى الأمل بلقائه وهو معافى وبصحة تمنحه قسطا آخر من الحياة, لأنه حقا يستحق الحياة.
2- وحين وصلت يا رفيقا أرسلت مطر – مبالغا فيه – قد هز جسارتنا حتى أن الشخص الحي داخلي ارتعد, واكتنف وجهه الصمت, وأدخلته في بوتقة القلق, فاعتكف عن المناقشة وعن الكلام, فأنشدت له أنشودة النوم, فلم ينم. حين اكتشفت أن انشوده نومه تنهيده, تنهد الشخص الحي داخلي واحد وأربعين مره, وردد:- متعب من الموت أنا, مره واحده ردد. أما أنا فلذت بنفسي عنوه حيث مسكت يراعي في هجعة الصبح ولم انم.
آراؤنا يا رفيقنا تمخضت عن جراح غير قابله للتصور, وعدم تصفيقنا وتهليلنا للأنظمة لم تكن سوى نتيجة لوعينا الذي ما لبث يصقل حتى الغد.
تجزأنا.. وتجرعنا معا مرارة إحساسنا بالعجز.. كبرنا معا قليلا.. تألمنا معا كثيرا, وحين انتصرت على حقد السجان انضممت إلى سلاله المنتصرين, وهجرتنا.
لا مشكله عندي إن غير المرء آراءه لان التغيير دليل على اجتهاد أخر وعلى معرفه أخرى, فالمعرفة حتما ستنتج التغيير, أما التصلب في الآراء وعدم تغييرها ليس إلا مرضا وقوقعه للفكر الإنساني في بوتقة ضيقه منفصلة عن محيطها الاجتماعي السياسي.. وبكلمه أخرى فناء. لهذا اختصر القول بان التطور الإنساني مرتبط ارتباطا شرطيا بمدى تفاعل الإنسان مع متطلبات الحياة, صحة تراكم معرفته وقدرته على أدارتها لإنجاز أفضل.
لكن مشكلتي بان تقولوا “أن النخبة الحاكمة في الوطن لم تقصر بحق ملف الأسرى السوريين” ولا أهملت الذين عانوا وما زالوا يعانون الحرمان وحقد السجان المتأجج, فبقاؤك يا رفيقي ثلاثة وعشرين عاما جواب يدحض ما قيل, لن أخوض يا رفيقي بهذا أكثر.
ومشكلتي أيضا بان تطرحوا “تدويل ملف الأسرى” وأنت أكثر العارفين بان تدويل هذا الملف لا ينتج شيئا, ولن يكون إلا حجه أخرى, وبربغاندا لربما أخيره ستستعملها السلطة الحاكمة – كهدية منكم – لتبرير ضعفها وعدم إنجازها.
ومشكلتي كذلك بتناسيكم أن عظام “أيلي كوهين” الجاسوس الإسرائيلي الذي عدم عام 1965 في إحدى ساحات دمشق – ما زالت تنصهر, تتحلل وتندمج كما اندمجت, تحللت وانصهرت عظام السوريين الأبرار بتراب الوطن, دون مقابل تفوز بهذا الشرف. وخاصة أن إغلاق ملف الأسرى السوريين لن يكون خطوه حسن نية من طرف واحد أبدا, فالمعادلة بالشرق الأوسط معروفه وواضحة تماما, وليست بحاجه لاجتهادات أخرى.
ومشكلتي يا صديقي أن أخاطبك عبر الأعلام – رغم أن الطريق سلسة بيننا – ولكن أنا وانتم.. انتم ونحن, تحدثنا!!!؟ في السابق على أن الأنظمة بشكل عام, والأنظمة اللاديمقراطية بشكل خاص, لا تحسن من أدائها, ولا تلتفت إلى مصلحه المواطن الضعيف والمستضعف إلا إذا على الأقل أحرجتها وعريتها علنيا أمام شعبها – لأنها تعمل دائبة, وتنفق الكثير من أموال الشعب وثروات (بلدانها) العامة أدميه كانت أم مادية على تثبيت شمولية إعلامها وتوجيهه لصناعه رأي عام مناصر ومدجن لسياستها العامة. وهذا بالإضافة إلى المسؤولية التي تلقى على عاتقك, ولحق المواطن بمعرفه الحقيقة حتى أن كانت مره كما الحال في وطننا فالمعرفة إذا وحدها التي تؤدي إلى التغيير, التغيير أقول وليس العودة. والتغيير دائما يخدم طموح ومصالح المستضعفين – واللذين للأسف هم أكثريه أبناء شعبنا عددا – يخدمها مرحليا, وان تصلب – وسيتصلب – حينها على قوى التغيير أن تخلق من جديد لتصنعه مره أخرى, وأخرى.
3- ليست مماحكة, ولا حنقه أقول:-بان دولتنا ليست الوحيدة التي تشق طريقا معبدا واحدا لا أكثر أمام من يود المشاركة, التأثير والاستفادة من أفرادها.. وليست الوحيدة التي ترى بالمواطن دون, وتنظر إليه بعجرفة وتعال.. وليست الوحيدة التي تحقد على مبتوري الأيدي, ومبحوحي الصوت غير القادرين قسريا!!!؟ وفي بعض الأحيان –على التصفيق والهتاف.. وليست الوحيدة التي تقمع الطاقة المكنونة داخل عقول مواطنيها, وتحاصرها فقط لما يتناسب ومصلحه النخبة المسيطرة بها. لماذا إذا كل هذا الكلام “الزائد” اهو دليل على إصابة (شيزوفرينيا) أم واقع ينضح بقلوبنا الألم عند كل غروب وغروب.
فأهلا.. يقولون لمن يود ويرغب بالمشاركة – بصياغة الخطوط السياسية العامة – وبمن يود التأثير – على مجريات الأحداث ولو جزئيا – أو الاستفادة من انجازاته الشخصية – وهذا ابسط حق إنساني – ولكن ببساطه عليه أن يخلع دراجته جانبا ويركب حافلتهم التي تسافر على شارع واحد ومتكرر لا آخر له – ولا تنير أضواؤه ألا على من يركبه.
فهل سنفعل!!!؟
من حق كل مواطن في هذه الحالة أن يركب الرتل وان يغرد مع سرب الحمام المنشد أنشودة الصمت و حتى أن كففت عيناه, وحتى أن لم يتذكر مسؤوليته اتجاه الأخر, ولكن علينا بان نتذكر أيضا بان تجفيف أي بركه ماء سرمدية – مهما كان حجمها من أمام أسراب الحمام التي تحط أفرادها عليها تبعا عند هجرتها الأبدية – بالتناسب مع فصول ألسنه – قد يؤول لانقضاء وهلاك جزء يسير على الأقل من هذه الأسراب, وحسب نظريه داروين “التنشئة والنمو” (الابوليتسيه) فالأقوياء للأسف هم من سينتصرون, ووحدهم سيتابعون المسير على أجساد زملائهم من السرب.
وبهذا لم يبق علينا إلا أن نتذكر بان الطيور تعاني في فصول الجفاف, لكنها لا تصمت.. حتى إن لم يبقى مكان لحلمها ولا لصوتها.. لا تصمت أبدا, فأنها تعي بان بالصمت يحيد البر ويتوه الابن.
4- سوريه.. أنا معشوقك, وان كنت لا أغرد مع أسراب حمامك.. فأنا معشوقك سوريتي, فامنحيني قبله واحده.. على خدي حط قبلتك.. فأنا ما وهبتك سوى كل ما املك.
5- إلى السيد الذي بسط أغصانه على حقول تفاحنا, وخيل لنا أنها هبه, وحده مصير, هديه وحبال حرية.. سأعترف لك بان أغصانك قد داعبت مشاعرنا وأحباءنا, وزرعت أملا في فضائنا الضيق المقيد.. لكنها سراب كانت.. سراب.
الأسير الجولاني كميل خاطر
سجن جلبوع
خاص – صفحات سورية –