صفحات سورية

من يجرؤ على قتل الرجل الثاني في نظام بشار؟

null
الذين يعرفون موقع وأهمية دور محمد سليمان في النظام السوري الذي أسسه حافظ الأسد وورثه ابنه بشار يصفونه بأنه الرجل الثاني في نظام بشار، ويقولون استنتاجاً بأنه كان سيكون أيضاً الرجل الثاني لو لم يقتل باسل الأسد عام 1993، ويتحدثون جزماً بأن حافظ الأسد هو الذي نصح وريثه الثاني بعد باسل أي بشار أن يعتمد محمد سليمان إلى جانبه مما يسمى الجيل الشاب، ولو ان الذي تولى الوراثة ماهر بدل بشار لما كان اختلف الأمر.. على الأقل في البداية.. كما يتصور العارفون.
وصفة الرجل الثاني في عهد حافظ الأسد لم تعط لأقرب المقربين إليه وهو حكمت الشهابي الذي حمى نظامه، ولم تكن لتمنح ولو على سبيل النكتة لوزير الدفاع مصطفى طلاس الذي شكل معه اللجنة العسكرية، التي سرقت حركة 8 آذار/مارس ضد الانفصال عام 1963، وكانت تعرف باسم مجموعة محمد عمران التي سرقها أيضاً حافظ الأسد وصفى فيها كل من كان يتوسم فيه دور الرجل الثاني، فقتل محمد عمران عام 1972 في طرابلس شمالي لبنان، وتختخت عظام غريمه الأساسي صلاح جديد في سجون حافظ الأسد إلى أن مات بعد إطلاقه بعدة أشهر، الاثنان كانا يريان في نفسيهما كل على حدة صفة الشريك مع حافظ الأسد وليس مجرد رجل ثانٍ في أي منهما، فكيف يتسنى لرجل مثل محمد سليمان من خارج عائلة الأسد ومن خارج اللجنة العسكرية الشهيرة أن يصبح الرجل الثاني، وهذه العائلة التي حوّلت سوريا إلى حكم ملكي عضوض كان الصراع الوحيد الذي شهدته سوريا في عهدها منذ العام 1970، هو صراع الرجل الثاني، داخل الأسرة.. فقط.. طبعاً عدا المواجهات الدموية مع جماعة الاخوان المسلمين في مطلع الثمانينات من القرن الماضي.
كان شقيق حافظ الأسد رفعت هو فعلاً الرجل الثاني في عهد شقيقه، بحكم الأمر الواقع الذي تجسد في سرايا الدفاع التي أسسها رفعت لحماية النظام فكادت تكون الرافعة التي استعد لها رفعت للقفز إلى السلطة. لكن تسرع الدكتور كما يسميه أنصاره جعله يخسر موقعه تدريجياً إلى ان أبعده حاكم سوريا القوي أبو باسل، ليس من درب رجاله وبعضهم شركاؤه (علي حيدر، علي دوبا، علي اصلان، وحكمت الشهابي وعبد الحليم خدام.. فقط) بل وأبعده أساساً عن درب ابنه باسل، الذي كان يتهيأ للسلطة في حضن وتحت رعاية والده ولأن الجنرال وقت هو حليف حافظ الأسد دائماً، فإنه كان يرهن تسليم السلطة لخلفه بطول أو قصر عمره، فإن طال هذا تسنى له تسليم باسل السلطة.. أما إن قصر العمر فالعهد يؤول إلى ولي العهد وكان يومها شقيقه رفعت لولا التسرع.. فلما قتل باسل وكان حلم رفعت أكثر وضوحاً للتحقيق حتى وهو في المنفى عمل حافظ على إلغاء كل أمل لشقيقه بتدابير داخلية حاسمة، وبتعهدات خارجية واعدة بأن يستمر بشار على طريق والده في حفظ العهد.. أساساً بألا تطلق طلقة رصاص واحدة ضد العدو الصهيوني من الجولان، وصدق وعد حافظ ثم بشار وصدّق الصهاينة والأميركان عهد حافظ فسارعوا إلى إحراق رفعت بتسريب أنباء عن استعداد رفعت لعقد تسوية مع إسرائيل لو كان تسلم هو السلطة فسهل على بشار خلع عمه نهائياً.. بل ومنعه من زيارة سوريا تحت أي ظرف.. وضمن حماية إسرائيل لنظامه حتى الآن.
ثم كيف يكون محمد سليمان الرجل الثاني في عهد أسرة الأسد، وفيها الغريمان القويان ماهر الشقيق وآصف شوكت الصهر ومعه بشرى دائماً؟ حتى ليقال ان كثيرة هي القضايا والمشاكل التي تفرق بين ماهر وآصف.. لكنهما متفقان كل من جهته على كراهية محمد سليمان.. لأنه استحوذ على عقل وقلب وسلطة بشار الأسد من موقعه الحساس ليس بصفته مستشاراً عسكرياً وأمنياً لحاكم سوريا، بل بصفته يملك مفاتيح السلطة السورية وهي سلطة أمنية – عسكرية أمسك بها محمد سليمان بخبرته العسكرية والأمنية منذ عقدين من الزمان.. أو أقل.
لقد طالت سلطات محمد سليمان بصفته المستشار العسكري والأمني لبشار الأسد كل نواحي السلطة السورية في أجهزة الأمن، وفي المؤسسة العسكرية، وفي انتخابات حزب البعث وانتخابات الاتحادات النقابية والطلابية واتحاد الكتاب والأطباء والمهندسين والجامعات..
كانت كل ملفات ضباط الأمن والجيش عند محمد سليمان.. وهي ((الموهبة)) التي استند إليها حافظ الأسد ليحكم سوريا بالحديد والنار طيلة 30 سنة (1970 – 2000).
لم يرفع ضابط في عهد بشار وإلى جانبه محمد سليمان أو ينقل مسؤول أمني أو تشكل حكومة ويؤتى برئيسها أو ينتخب نائب أو يعين وزير أو يفصل استاذ جامعي أو يسجن مثقف أو يستدعى سفير إلا وفق ملفات محمد سليمان، وقد حدث ان تدخل بشار الأسد بين محمد سليمان وشقيق الرئيس ماهر وصهره آصف لحل اشكالات نتجت عن رفض محمد سليمان الاستجابة لطلباتهما في نقل او ترفيع او اخراج ضباط من جهازيهما (الحرس الجمهوري لماهر، والإستخبارات العسكرية لآصف..).
كان محمد سليمان هو ظل بشار الاسد.. وعينه والأهم من هذا انه كان جزءاً من رضى والدته انيسة مخلوف فاستحق عن جدارة وثقة مكانة الرجل الثاني.
فمحمد سليمان كان كفؤاً وذكياً ونشيطاً في مقابل محدودية كفاءة وذكاء ونشاط بشار الأسد، فلما قتل محمد سليمان اعتبر كثيرون انها أقسى ضربة توجه لنظام الأسد الإبن بعد تدمير المنشآت النووية شمالي شرق سوريا قرب دير الزور في 6/9/2007، وبعد اغتيال عماد مغنية في 11/2/2008 مع الفارق بأن سوريا هي التي سارعت الى الإعلان عن نسف اسرائيل لـ((معهد زراعي)) وهي اعلنت ايضاً عن مصرع عماد مغنية في ظل صمت صهيوني اول الامر شبيه بصمت النظام السوري لعدة ايام عن اغتيال محمد سليمان.
تقاطع؟ او تصعيد؟ ام انتقام؟
ويحلو لكثيرين بعد ان قرأوا او سمعوا خبر اغتيال العميد محمد سليمان ان يربطوا بين هذه المآسي الثلاثة للنظام باعتبارها تداعيات او ردود فعل، او مؤشرات على صراعات عنيفة داخله في أعلى قممه.
كما يحلو لكثيرين الذين قرأوا بعضاً من الاخبار عن انتحار محمد سليمان ان يربطوا بين هذا الانتحار ونحر رئيس الوزراء السابق محمود الزعبي ونحر وزير الداخلية غازي كنعان.. بل ذهب بعضهم الى حد الاستنتاج بل التحليل المبني على معلومات غير دقيقة بأن اغتيال محمد سليمان جاء رداً متأخراً على نحر غازي كنعان، ثم انتحار شقيقة علي على سكة حديد الساحل، علماً بأن المعلومات المؤكدة ان آل كنعان عقدوا صفقة مع عائلة الاسد تقضي بأن يتوقف ابناء غازي عن اثارة موضوع والدهم ودور النظام في قتله مقابل تعهد عائلة الاسد الا تفتح الملف المالي لوالدهم، حيث يتهمه آل الاسد بأنه هرّب ملايين الدولارات الى الخارج.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى