من قتل محمد سليمان؟ ولماذا؟
حسن صبرا
هناك قاعدة في علم الاستخبارات وعالمه تقول انه كلما زادت معرفة الانسان ومعلوماته اصبح عرضة للقتل والتصفية، بسبب زيادة المتضررين من معلوماته ومعرفته.
وهذه القاعدة تسري على محمد سليمان كثيراً! لأن الرجل اصبح محكوماً بعبارة ما الذي لم يكن يعرفه محمد سليمان.. وليس ما الذي يعرفه؟.
وهناك قاعدة اخرى في العلم والعالم الاستخباراتي تقول انه كلما كان المسؤول الامني سري الحركة والاعلان ونادر الاعلام كلما كان عرضة للاغتيال او التصفية لأن قتله لا يثير أهمية اعلامية وشعبية تعكس اهمية مكانته الامنية تحديداً، ومحمد سليمان لم يكن معروفاً لا شعبياً ولا اعلامياً، بل ان سر نجاحه كما يقول كثيرون، ان الرجل كان في الظل دائماً، ولا يعرف السوريون عنه شيئاً.. لكنه كان يعرف كل شيء ويرتب ويلفق ويسجن ويطلق.. ما هذه المصادفة ان يطلق د. عارف دليلة المفكر الاقتصادي والاستاذ الجامعي قبل انتهاء مدة محكوميته بثلاث سنوات.. وبعد اغتيال محمد سليمان بعدة ايام؟ وكانت تهمة دليلة الوحيدة، انه انتقد حافظ الاسد وهو في السجن الاعتباطي، وأحيل الى محكمة عسكرية قضت بسجنه 10 سنوات!!!.
وعلى هذا المنوال يتوقع البعض ان يعيد النظام بعد اغتيال سليمان شيئاً من الاعتبار لربيع دمشق حتى يبيعها النظام للرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي قبل او مع زيارته المرتقبة الى دمشق بعد عدة اسابيع، ثم ليقول بأن الذي كان يفرض هذا المناخ القاسي من القمع هو محمد سليمان.. وها قد رحل، فلتتحرر بعض الأقلام، ولتتلقط بعض الأنفس بعض الهواء النقي.
هل هذه مؤشرات الى ان قتلة محمد سليمان ارادوا بالتخلص منه اصابة عدة عصافير بحجر واحد، بموته وتحميله مسؤولية الكثير من جرائم النظام.. ثم افلات المجرمين المشاركين من العقاب؟.
قد لا يكون مطلوباً الإجابة على هذا السؤال او غيره في هذه المسألة.. لكن الاضاءة على سيناريوهات اسباب القتل، ستؤدي ليس الى استنتاج او معرفة إسم القتلة، بقدر ما تشير الى طبيعة الجرائم او التصفيات التي ارتكبها ويرتكبها نظام بشار الاسد.. ذلك ان القاعدة الثابتة في ظل هذا النظام وسلفه الأب تقول: ان أي شأن سياسي او أمني خصوصاً او حزبي او عسكري لا يمكن ان يتم إلا بمعرفة ومصادقة بل وأحياناً كثيرة بطلب الرئيس.. حتى قتل شخص بمكانة محمد سليمان..
فما هي هذه السيناريوهات؟
السيناريو الاول: ان يكون الصراع قد بلغ اشده بين ماهر الاسد وآصف شوكت كل من جهة وبين محمد سليمان للدور المهم الذي يقوم به هذا الضابط على حساب دوريهما وهما من اركان الاسرة الحاكمة، فتمت تصفيته او تسهيل قتله، او بيع قتله.. وكل لسببه او أسبابه.
السيناريو الثاني: ان تتم تصفيته لمصلحة اسرائيل كما تمت تصفية عماد مغنية، ذلك ان انباء كثيرة سربت عن دور محمد سليمان في تهريب السلاح وخاصة الصواريخ التي يصل مداها 70 كلمتراً الى حزب الله، حيث زرع الحزب بعضها قرب قضاء صور لتصل الى تل ابيب او ما قبلها قليلاً.
السيناريو الثالث: ان يكون محمد سليمان وراء تصفية عماد مغنية وبطلب مباشر من الاخوين بشار وماهر الاسد بعد ان قدم لهما سليمان اثباتات عن دور عماد مغنية في نشر التشيع الفارسي في صفوف الضباط العلويين، والتي نتج عنها اعتقال العشرات منهم جهزت ملفاتهم من مكتب محمد سليمان نفسه.
السيناريو الرابع: ان تكون ايران هي التي قتلت محمد سليمان لدوره في تصفية عماد مغنية الذي كان رجلها الاول في المنطقة ومعلماً لحسن نصر الله، وبقية ضباط فيلق القدس التابع للحرس الثوري الايراني وفرقته المعروفة في لبنان باسم حزب الله.
واذا كنا نشرنا بعد قتل مغنية وبلع ايران لعملية بحجم التخلص من رجلها الاول في المنطقة القاعدة التي تقول ان الحي عند الفرس في السياسة ابقى من الميت، بمعنى انها لن تعاقب بشار على قتله مغنية، فإن القاعدة الاخرى عند الفرس هي ان من يرتكب خطأ ضدهم لا بد من معاقبته مهما طال به الزمن لأن ميتهم لا يموت، وبعد مرور ستة اشهر على قتل مغنية وبعد ثبات التحالف الاستراتيجي مع الاسد لا بأس بقتل محمد سليمان المسؤول عن قتل مغنية وأثناء زيارة بشار الاسد الى طهران.. هل عرفتم الآن معنى القول بأن الايرانيين يذبحون خصومهم بالقطنة دليل على طول البال فكيف إذا كان المذبوح بشار الأسد قابعاً في أحضانهم.
السيناريو الخامس: ان النظام الاسري ورغم مكانة محمد سليمان داخله، لم يستطع ان يصمد امام ضغوط الاسرائيليين والاميركان والفرنسيين بطلب تحسين سلوك النظام لا إسقاطه لإعادة احتوائه وفك عزلته، وانه لم يجد امامه من يضحي به دون ان يبدو الامر كذلك الا رجلاً قد لا يعرف السوريون عنه كثيراً، لكن اجهزة الاستخبارات هذه في اسرائيل وأميركا تعرف تماماً من هو محمد سليمان، ويكاد طلب هذه الاجهزة بتصفية محمد سليمان والاستجابة السورية لذلك، اسطع دليل على ان هذا النظام يحسن سلوكه.. وفق ما تريده اميركا واسرائيل.
السيناريو السادس: ان يكون محمد سليمان متورطاً بشكل او بآخر في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري في بيروت يوم 14/2/2005 وبقية الجرائم التي تلتها، فتمت تصفيته حتى لا يفضح الكثير من الاسرار التي ترسل النظام الى الجحيم اذا تم كشفها (تحدث عضو جبهة الخلاص الوطني السورية التي يرأسها نائب الرئيس السوري السابق عبدالحليم خدام زهير سالم بهذا المعنى في اول تعليق له على اغتيال سليمان).
وأمام هذا السيناريو السادس مرحلة اختبار ستشهد او لا تشهد استدعاء المحقق الدولي في جريمة اغتيال الحريري القاضي الكندي دانيال بلمار لمحمد سليمان الى التحقيق، فحسب موقف بلمار يتحدد مصير هذا السيناريو.
السيناريو السابع: ان يكون حزب الله رد وبعد ستة اشهر على اغتيال قائده الامني عماد مغنية بقتل من يعتقد بأنه قاتله، سواء لمصلحة اسرائيل، او بسبب جموح مغنية ومد يده الى الامن السوري لتشييع بعض ضباطه لمصلحة الفرس.
نعود الى القواعد لنقول:
ان افضل توقيت لتصفية وقتل أي انسان مهما كان دوره او موقعه، هو اللحظة التي يكثر فيها اعداؤه وخصومه والمستفيدون من قتله حتى يضيع اسم وهدف القاتل او القتلة، ووفق هذه القاعدة يتصرف نظام بشار الاسد.
فهو بعد قتل عماد مغنية سارع اولاً الى اعلان العملية وهدفها ثم تعهد بلسان وزير الخارجية وليد المعلم (وليس وزير الداخلية بسام عبد المجيد) بكشف الجريمة ومرتكبيها خلال ايام.. كان هذا منذ 182 يوماً او 23 اسبوعاً او ستة اشهر.. واندفع حسن نصر الله الى اتهام اسرائيل بتصفية مغنية وتعهد بحرب مفتوحة ضدها ثم بلع لسانه بعد هذا التعهد.. وها هو يتحمل احدى سيناريوهات قتل محمد سليمان.
والنظام السوري صمت صمت القبور بعد قتل محمد سليمان لأنه لم يعد قادراً على توجيه أي اتهام لاسرائيل بجرائم القتل التي تحصل على ارضه، حيث تملك اسرائيل الادلة الكافية التي يكفي نشرها لفضح النظام ساعة تشاء.. ولأن النظام السوري يعيش آمال شهر العسل مع العدو الصهيوني، تحت الرعاية التركية – الاوروبية، ولأن النظام السوري يفتح الباب على سلوكية جديدة يبيعها للغرب ليعود الى نظام الوصاية على لبنان بشكل او بآخر.
فإذا لم توجه التهمة الى اسرائيل فمن هي الجهة المستفيدة اذن، من قتل المستشار الامني والعسكري لرئيس الجمهورية.. الرجل الثاني في النظام؟
واذا لم تكن اسرائيل هي القاتلة وقد اعلنت بلسان المتحدث الرسمي باسم رئيس الوزراء الصهيوني مارك ريحيف: ((اننا لم نفعلها، هذا خروج على القواعد (هناك قواعد متفق عليها بين اسرائيل ونظام عائلة الاسد) بالطبع الاغتيالات تحدث (هل هذه اشارة الى قتل عماد مغنية؟) لكن اغتيال عميد في الجيش السوري في بلده اقرب الى اعلان حرب، ونحن لا نريد حرباً مع سوريا، نحن مشغولون بالحديث معهم)).
اذا لم تكن اسرائيل هي القاتلة.. فمن يجرؤ على قتل الرجل الثاني في نظام بشار؟ ارجو اعادة قراءة السيناريوهات السابقة بعد حذف سيناريو اسرائيل.. بناء لرغبة النظام السوري
الشراع