دولتان لبنانية وسورية
ساطع نور الدين
ربما لم يكن سهوا ان يسقط من البيان الختامي للقمة اللبنانية السورية في دمشق الاسبوع الماضي، أي ذكر للمقاومة. لعله كان المقصود الايحاء بان ثمة علاقة بين دولتين مستقلتين، تبنى من جديد على اسس مختلفة، بعيدة كل البعد عن تلك الخطوط العسكرية والامنية التي حكمتها على مدى ثلاثة عقود.
لكن المقاومة التي تحتل موقعا علنيا في الخطاب الرسمي اللبناني والسوري على حد سواء، لن تتأثر حتما بهذه الهفوة البسيطة، التي تعبر عن حاجة بيروت ودمشق الى تحييد ذلك القاسم المشترك العميق بينهما، في هذا الوقت بالذات الذي يتطلب المزيد من العقلانية… ولا ينبئ بتباعد طارئ بين الدولتين او بينهما وبين المقاومة نفسها، كما هي الحال مثلا مع فكرة المفاوضات مع اسرائيل التي يرفضها لبنان، سواء كانت مباشرة او غير مباشرة، وهو ما جرى التعبير عنه صراحة في المؤتمر الصحافي للقمة.
مع ذلك، فإنه لا يمكن للبيان الختامي ولا للمؤتمر الصحافي ان يشكلا اساسا للتكهن بان الدولتين تتجهان نحو نوع من الافتراق حول مثل هذه القضية الجوهرية التي طالما كانت محور العلاقات الثنائية وحجتها الرئيسية منذ مطلع السبعينيات وحتى اليوم… في ظل غياب اي عناصر اخرى للتقارب او التكامل بين النظامين السياسيين المتعارضين، الى حد التناقض.
غير ان هذا الموقف افقد القمة بعض المصداقية امام الجمهور اللبناني والسوري الذي لا يمكن ان يلتقط بسهولة تلك الاشارة الرسمية الثنائية الموجهة الى الخارج، وسيفترض ان هناك ازدواجية في الخطاب او في المعايير.. او ربما سيشتبه في ان الدولتين قررتا البحث عن قواسم مشتركة اخرى لتنظيم العلاقات بينهما، من دون العودة الى الشعبين ومن دون الدخول في تفاصيل الخلاف في كلا البلدين حول خيار المقاومة بالتحديد.
يمكن القول ان المقاومة لم تُذكر فقط لانها ليست نقطة خلاف او جدل، ولانها اساسا من المسلمات او من الثوابت بين الدولتين، برغم ان احداهما تعتبرها نقيضا لها، والثانية ترى انها مكملة لها. لكن الاستنتاج المرجح هو ان المقاومة ما عادت بالنسبة الى الدولتين والنظامين والشعبين ايضا مدخلا رئيسيا وحيدا للنقاش، بعدما تحررت الارض وعاد الاسرى، ولم يبق سوى اشكالية مزارع شبعا التي تحرج البلدين اكثر بكثير مما تشغل العدو.
بناء على هذا المعيار الذي قد لا يكون دقيقا جدا، يصبح الحكم على القمة اللبنانية السورية باعتبارها خطوة اولى نحو تكريس مسؤولية الدولتين عن تنظيم العلاقات المستحيلة بين البلدين، وانهاء دور الاجهزة والهيئات الخاصة، السياسية والامنية، في هذا المجال، من دون ان يعني ذلك ابدا ان السفارتين اللتين سيجري افتتاحهما قريبا في كل من بيروت ودمشق هما الخيار الافضل والانسب.
يمكن ان تنتظم العلاقات وحدها اذا ما تخلت الدولتان عن الكثير من الاحكام المسبقة، والتجارب الماضية، وقررتا التواضع، والتوصل الى ذلك التوازن الدقيق، بين حقوق الدولة وواجباتها: تجربة القمة مع المقاومة والمفاوضة، مثال بسيط.
السفير