أين هو علي العبدالله؟
ميشيل كيلو
دأب علي العبد الله علي المطالبة بإخلاء سبيل ابنه عمر، المعتقل لدي مخابرات القوي الجوية مع مجموعة من شبان سوريين بتهمة العمل علي تأسيس تجمع شباب سورية . كان الشاب قد استدعي طيلة نيف وعشرين يوما إلي حرستا، أحد مقرات مخابرات القوي الجوية، دون أن يتم توقيفه، ثم قرر المحققون سجنه، فزار الأب المكان طالبا مقابلة ولده، وحين رفض طلبه، ترك له بعض الحاجيات (ثياب، نقود… الخ)، دون أن يعتقله أحد أو حتي يرفض استقباله أحد.
ثم فجأة أتت دورية في العاشرة صباحا إلي بيته في قطنا لاعتقاله. سألت زوجته الدورية عن السبب، فقيل له إنه مطلوب لساعات قليلة وسيعود إلي منزله. وأخبر هو نفسه الزوجة أنه سيرجع بعد قليل، ربما بعد الظهر، لأنه لا يذكر أنه فعل أي شيء. صحيح أنه كان في القامشلي، بمناسبة الذكري الثانية للمقتلة، التي تعرض لها المواطنون الأكراد في أيار من عام 2004، إلا أنه قصر حديثه علي الوحدة الوطنية والحوار والمصالحة والعمل السلمي، وما يتفق مع خطاب لجان إحياء المجتمع المدني ، التي هو عضو فيها. صحيح أيضا انه كان يوم 8 آذار مع ولده محمد في الاعتصام أمام قصر العدل القديم في دمشق، وكان أمام محكمة أمن الدولة قرب السبع بحرات، حيث أوقفه قاضي المحكمة الأستاذ فايز النوري حوالي نصف ساعة، بتهمة أن ابنه هتف بسقوط قانون الطواريء!. إلا أن أحدا لم يصدق أن علي العبد وابنه اعتقلا بهذه التهمة: الهتاف بسقوط قانون الطواريء، الذي كان قد قال هو نفسه للقاضي، الذي اتهمه بالهتاف ضد الدولة: ولدي لم يهتف ضد الدولة، بل ضد قانون الطواريء، الذي يهتف ضده الشعب السوري بأسره. ومما يؤكد أن سبب اعتقاله هو دفاع السلطة عن قانون الطواريء، الذي أعلن المسؤولون فيها مرارا وتكرارا أنه تم تجميدها، وأنها لن تطبق إلا علي حالات قصوي تمس بأمن الوطن لا النظام، وقيل في مؤتمر البعث الأخير إنه سيعاد النظر فيها من خلال قراءة جديدة لها تمنع تطبيقها إلا في حالات خاصة. والحق أن أحدا منا لم يصدق أن هتاف محمد العبد الله يشكل خطرا علي أمن الدولة يستوجب اعتقال والده، الذي لم يهتف، لكنه ناقش النوري، واعتقل بعد ظهر اليوم، الذي أخذوا فيه اباه. وكنا نظن أن الأب والابن سيعودان إلي بيتهما بعد ظهر اليوم ذاته أو في اليوم التالي، إلا أن هذا لم يحدث، وحدث ما كان من الصعب جدا تخيله: اختفاء علي العبد الله منذ صباح يوم اعتقاله في 23 من الشهر الماضي، فقد انقطعت أخباره ولم يعرف أحد، رغم الجهد المكثف، مكانه أو الجهة التي اعتقلته، وسمعنا كلاما مقلقا جدا حول إنكار أي فرع مخابرات علاقته بقضيته.
أين هو علي العبد الله؟ من المؤكد أن سيارة مخابرات أتت في دورية إلي منزله وأخذته تحت نظر وسمع أهله وجيرانه، ثم أخذت ولده محمد وابن أخيه، الذي كان يوزر بيت عمه، ثم ترك في أحد شوارع دمشق. ومن المؤكد أن أخباره انقطعت منذ قرابة نيف ونصف شهر، مع أن هذا لم يحدث حين اعتقل قبل نيف وعام بحجة قراءة رسالة من الأستاذ علي صدر الدين البيانوني في منتدي الأتاسي، واتهم بالانتساب إلي جماعة الإخوان المسلمين، فهل فعل هذه المرة شيئا يفوق في خطورته تهمة كهذه، عقوبتها في القانون 49 الموت؟
ماذا فعل علي العبد الله كي يعتقل ثلاثة من أفراد أسرته، التي لم يبق منها خارج السجن غير زوجته وابنته؟ وما الرسالة التي يراد إيصالها عبر اختفائه؟ ولأنه ليس هناك مسوغات تبرر ما حصل له ولولديه، فلا يبقي غير تخمين الأسباب، وهي في اعتقادي بعث رسالة إلي المعارضة من مختلف الأطياف، تعلمها أن النظام سيتصرف من الآن فصاعدا بصفته نظاما أمنيا صرفا، وأنه لن يقبل اليوم ما كان يقبل بالأمس، وسيذهب إلي أبعد حد يمكن ـ أو لا يمكن ـ تصوره، بما في ذلك الاعتقال الجماعي والإخفاء القسري وربما تصفية من يعارضونه، لأنه يشعر أن ظهره إلي الحائط، وأن هناك من يهدده جديا، بعد انشقاق الأستاذ عبد الحليم خدام والضربات التي سددها له وآخرها تشكيل جبهة الخلاص الوطني يوم 17 آذار الماضي في بروكسل، وما أثاره تسارع نشاط المسؤول الرفيع السابق من قلق في صفوفه.
لا يهم، عند وجود رغبة في إيصال رسالة كهذه، أن يكون علي العبد الله وولداه قد فعلوا أو لم يفعلوا ما يوجب اعتقالهم. إنهم أداة وحسب، من هنا خوفنا عليهم وقلقنا علي مصيرهم ومطالبتنا بإخلاء سبيلهم. ومن هنا أيضا إعلاننا أننا فهمنا الرسالة، وأنه لا حاجة بعد للاستمرار في اعتقال وإخفاء صديقنا وزميلنا،لا سيما وأنه ليس هناك من هدف آخر يبرر اعتقاله وإخفاءه.
الحرية لعلي العبد الله، ولولديه محمد وعمر. يسقط قانون الطواريء. لا للحكم الأمني في زمن الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان والمواطن