صفحات سورية

“باي باي” سيدي الجنرال

null
سعد محيو
هل نقول وداعاً لبرويز مشرف؟
أجل. ف “مدة صلاحية” دوره، التي تُحدد في الخارج الأمريكي كما في داخل المؤسسة العسكرية الباكستانية، انتهت على الأرجح، ولم يبق الآن سوى تنظيم عملية خروج “مشرّفة” من جنّة السلطة.
هذه الحصيلة لن تكون مفاجئة ولن تسقط كصاعقة في سماء صافية، بل هي بدأت تتبلور منذ أوائل العام الحالي حين اكتسح حزبا المعارضة الرئيسيان “حزب الشعب” (التابع لآل بوتو) و”الرابطة الإسلامية” (التابع لنواز شريف) الانتخابات الأخيرة. وهو تطور لم يكن ليحدث لولا أن واشنطن أضاءت كل الألوان الحمر والصفر في وجه الجنرال برويز مشرف لحمله على الرضوخ والاحتكام إلى أقلام الاقتراع.
أيام مشرف في السلطة باتت معدودة، وهو يعرف ذلك. ولأنه يعرف، أطلق العنان مؤخراً للسانه، قائلاً إن “الأمريكيين أثبتوا مراراً وتكراراً أنهم حلفاء لا يعتد بهم”.
وهذا صحيح بالطبع. فبرويز جاء العام 1999 إلى السلطة بانقلاب عسكري على الحكم الديمقراطي بموافقة أمريكية ولأهداف أمريكية محددة: الانضمام إلى الحرب العالمية ضد الإسلام الراديكالي، وإعادة تشكيل الدولة والمجتمع الباكستانيين لخدمة هذا الغرض. تصوّر واشنطن آنذاك كان أن مشرف سيسير على خطى كمال أتاتورك في الداخل، مما سيضع ثاني أكبر دولة إسلامية في العالم في خط الهجوم الأول ضد غلاة الإسلام المعترضين على سياساتها “الإسرائيلية” وشرق الأوسطية.
لكن مشرف فشل في تنفيذ هذه المهمة، برغم كل صنابير الدعم المالي والعسكري التي فتحتها له إدارة بوش منذ أحداث سبتمبر/ أيلول 2001. فهو لم يتحوّل إلى كمال أتاتورك آخر، بل جعل باكستان دولة فاشلة.

هذا التطور دفع بالعديد من المحللين الغربيين إلى القول إن سياسة واشنطن في باكستان هي أهم فشل استراتيجي لها في آسيا منذ حرب فيتنام والهند الصينية. فالأصولية في باكستان صعدت بدل أن تهبط. والتنامي الأصولي فيها خرج، أو يكاد، عن السيطرة، ليس فقط في المناطق الحدودية القبلية التي تعمل كملاذ آمن لطالبان و”القاعدة” وبقية التيارات المتطرفة، بل أيضاً في إسلام آباد والمدن الكبرى الأخرى. كما أن الاتحاد الباكستاني نفسه بات في مهب الريح ككيان سياسي.
كل هذه العوامل دفعت سياسيي واشنطن إلى محاولة التنصّل من الفشل، عبر الإلقاء باللائمة على كبش الفداء المتمثّل بالرئيس- الجنرال برويز. ولأن موازين القوى غير موجودة أصلاً بين طرفين أحدهما سيد والآخر تابع، لن يكون من الصعب الاستنتاج بأن رأس السيد الجنرال سيتدحرج قريباً، سواء سريعاً أو بالتقسيط.
لكن، ما البديل؟
الحكم الديمقراطي هو الآن اللغة الأكثر رواجاً في واشنطن. لكن، وبالتساوق معه، هناك لغة أخرى تدعو إلى مغازلة ما يطلق عليهم الآن في الغرب اسم “الإسلاميين الجدد” في العديد من المناطق العالم.
والسياسيون والمحللون الأمريكيون واثقون من نجاح توجهاتهم الجديدة، لأن أسلافهم تمكّنوا في السابق (ومنذ نهاية الحرب العالمية الثانية) من إبرام عقد قران ناجح مع أسلاف الأصوليين الحاليين، ضد الحركتين القومية العربية والماركسية.
لكن مهلاً. هذا الرهان على “الإسلاميين الجدد” قد يتناقض في مرحلة ما مع الرهان الحالي على الخيار الديمقراطي الأقرب إلى العلمانية منه إلى التدين. وحين يحدث ذلك، ستغرق باكستان مجدداً في لجج عنف قد لا تخرج منه سالمة هذه المرة.
هل يعي صنّاع القرار في واشنطن حقيقة هذا الخطر؟
لا أحد يعرف. لكن، حتى لو كانوا يعرفون فهذا لن يجعلهم يرمشون ولو للحظة، لأنهم قادرون في كل حين على الإنحاء باللائمة على كبش باكستاني جديد، كما يفعلون الآن مع مشرف.
“باي باي” سيدي الجنرال.
الخليج

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى