ميشيل كما عرفته
كان أول لقاء مباشر جَمَعني بميشيل كيلو قبل أسابيع من وفاة الرئيس حافظ الأسد، مع مجموعة من المثقفين للتأسيس لنشر ثقافة المجتمع المدني كمدخل للانتقال إلى نظام ديموقراطي. وقد كان حضور ميشيل متميزاً، وكانت الروحية التي سادت الحوار هي استخدام أنجع السبل السلمية والعلنية لتحقيق الهدف، بعيداً عن العقل الثوري الانقلابي.
استمرت اللقاءات الأسبوعية لأكثر من ثلاثة أشهر، عقدنا العزم فيها على تأسيس جمعية أصدقاء المجتمع المدني في سوريا. إلا أن الرفض القاطع لفكرة الإصلاح وحرية العمل السياسي دفعنا إلى البحث عن أشكال بديلة. وعند مناقشة فكرة إقامة منتدى للحوار في منزلي، تقدم فيه المحاضرات بشكل دوري من بعض المفكرين والسياسيين والحقوقيين، يتبعها حوار حر ومفتوح، لاقت الفكرة ترحاباً شديداً لدى الجميع على أن تدير نشاطات المنتدى لجنة منتخبة تضع البرامج وتحدد المواضيع وتختار المحاضرين.
ولمحدودية معرفتي بأكثرية المشاركين، طلبت الاحتفاظ لنفسي بحق الفيتو على قرارات اللجنة، نظراً إلى تحملي كامل المسؤولية عن لقاءات سياسية تُعقد في منزلي، في ظل سريان حالة الطوارئ وغياب الحريات السياسية.
رفض ميشيل فكرة إعطاء حق الفيتو لأحد، حرصاً على العمل الجماعي، وخوفاً من وضع سقف لنشاط المنتدى. وخرجنا من الاجتماع من دون اتفاق. وعندما افتتحت المنتدى بمبادرة شخصية، فاجأني تعاون ميشيل ودعمه اللامحدود، ومساهمته الفاعلة في التحضير لعمل المنتدى وتوسّطه لدى الأستاذ أنطوان مقدسي ليقدم المحاضرة الأولى في سلسلة محاضرات المجتمع المدني.
وقد كان ميشيل من أوائل الحاضرين ومن أكثرهم إسهاماً في إغناء الحوار، ما ساعد الآخرين على التخلّص من عقدة الخوف والمشاركة بكل جرأة في الحوار، وطرح أفكارهم ومواقفهم. وبعد حوار دام ساعات، أجرى ميشيل مقابلة مميزة مع قناة «الجزيرة» التي كانت تغطي المحاضرة، حول ثقافة الحوار الوطني، ما أسهم في تسليط الضوء على تلك التجربة الفريدة في وقتها، وأعطاها زخماً محلياً وعالمياً، وجعل منها خطوة هامة في إطلاق ما سمي وقتها «ربيع دمشق». وقد استمرت إسهامات ميشيل النشطة في إغناء المنتدى حتى يوم إغلاقه.
خلال وجودي في السجن، علمت أنّ ميشيل وبعض قوى المعارضة الأخرى، تمكّنوا من إنجاز صيغة لجمع قوى المعارضة الديموقراطية، على اختلاف توجهاتها، في عمل مشترك، تُوِّج بصدور وثيقة إعلان دمشق الذي كان لي الشرف أن أكون أحد الموقعين الأوائل عليه. وبعد خروجي من السجن ولقائي ميشيل في نشاطات إعلان دمشق، كان لافتاً عمق إيمانه بهذا المشروع الوطني، وما كان يبذله من جهود متميزة في سبيل إنجاحه إلى أن اعتُقل في أيار (مايو) 2006.
كان ميشيل من أكثر المتحمسين لتقديم الدعم والمشورة والتشجيع، في كل ما قمت به من نشاط في الحقل السياسي. وعندما تلوح صورة ميشيل في ذاكرتي، تكون مقرونة بمدى ما لمسته من إيمانه العميق بواجب العمل من أجل الحرية والديموقراطية، كهدف حيوي للشعب السوري، مقدماً الكثير من التضحيات بعيداً عن المصالح الشخصية.
إن ميشيل أحد أهم رموز المعارضة، لما يتمتع به من إمكانات فكرية ومعرفة سياسية، وطاقاتها الفاعلة… وإنّ تغييبه عن العمل السياسي بسجنه لمدة ثلاث سنوات، بهدف إضعاف المعارضة، خير دليل على ذلك. إلا أنّه استطاع بصموده ومعنوياته العالية، رغم ما يعانيه من مشاكل صحية، إعطاء المعارضة المثال والقدوة الحسنة، وشحذ عزمها وتصميمها على تحقيق التغيير .
* نائب سوري سابق،
رئيس مكتب الأمانة العامة في إعلان دمشق