صفحات سورية

الذروة النفطية وإمبريالية الطاقة

null
جلال المسدّة
إن خصائص العسكرة والامبريالية على عتبة القرن الواحد والعشرين، يمكن ممايزتها عن أشكالها السابقة بمحاولات المصالح المسيطرة على الاقتصاد العالمي المتحكم بمصادر تزويد النفط العالمية المتناقضة. وبدأً من العام 1998 بدأت مجموعة من المبادرات الإستراتيجية على مستوى الطاقة في دوائر الأمن القومي في الولايات المتحدة رداً على: (1) تجاوز عتبة 50 بالمائة من استيراد النفط الأجنبي في الولايات المتحدة، (2) انتهاء مصادر النفط الاحتياطية. (3) تركز نسبة أعلى من احتياطي العالم المتبقي في الخليج الفارسي/ العربي (4) المخاوف المتزايدة من الوصول لذرة نفطية.
ردود فعل القوى الاقتصادية المسيطرة على أزمة التزويد النفطي العالمية كانت بتأسيس ما سماه مايكل كلير في كتابه “الدم والنفط” بـ”إستراتيجية الاحتكار القصوى”. وهذا يستدعي أن تقوم القوة العظمى الإمبريالية المتمثلة بالولايات المتحدة، مدعومة بالدول الرأسمالية التابعة بالسعي لمد سيطرتها على احتياطيات النفط العالمية واضعة قدرتها على رفع الإنتاج متى شاءت كهدف نصب عينيها. ضمن هذا المنظور، يأتي احتلال واستعمار أفغانستان (المدخل الجيوسياسي للوصول غرباً إلى حوض بحر قزوين المليء بالنفط والغاز الطبيعي). مباشرة بعد هجمات الحادي عشر من أيلول. واحتلال العراق العام 2003. والتصاعد المطرد للنشاط العسكري الأمريكي في خليج غينيا في أفريقيا (حيث نرى واشنطن نفسها في منافسة حادة مع بكين). والتهديدات المتزايدة الموجهة الآن نحو إيران وفنزويلا، كل هذه مؤشرات على مرحلة جديدة وخطرة من إمبريالية الطاقة.
جيوسياسية النفط:
في نيسان العام 1998 بدأت الولايات المتحدة ولأول مرة باستيراد بترولها الذي تستهلكه. اجتياز هذه العتبة أشار إلى نمو سريع جداً في الاعتماد الأمريكي على النفط الأجنبي. وفي نفس الوقت ظهرت مخاوف من أن العالم سوف يصل قريباً إلى ذروة إنتاجه وتأكدت هذه المسألة عبر السنوات السابقة من خلال أسعار شراء العقود المؤجلة. وكان من المؤشرات ذات الأهمية في تنبيه الحكومة الأمريكية مقال نشرته Scentific American لآذار العام 1998 تحت عنوان “نهاية النفط الرخيص” والتي توقعت أن إنتاج النفط العالمي سوف يصل ذروته خلال عشر سنوات. مما جذب انتباه كافة الوكالات الأمريكية المعنية بشؤون الطاقة مثل وكالة الطاقة القومية (IEA) والتي لم توافق على محتوى المقالة وجادلت بأن مخطط التزويد النفطي العالمي لن يصل ذروته قبل العام 2008-2009 مما أجل وصول العالم إلى تلك الذروة لعشر سنوات إضافية. هذا الحد نفسه كان غير بعيد عن إعادة صياغة استراتيجيات دول المنظومة الإمبريالية كافة لدفع الخطر القادم.
الاستجابة كانت على شكل صياغة سياسة تدخل مباشر في إدارة وتطوير مصادر النفط العالمية، ويترافق ذلك مع استبدال الاقتصاد السياسي الحالي حول السيطرة القومية على النفط من خلال الشركة العامة. والتي نشأت مع فورة تأميم المصادر الطبيعية في العالم الثالث بسياسة تسيطر من خلال الشركة المتعددة الجنسيات، والمستوطنة في الدول الرأسمالية على إمدادات النفط العالمية . وعلى صعيد إستراتيجية التزويد طويلة الأمد، وضح تقرير وكالة الطاقة في الولايات المتحدة في العام 2001 الحاجة إلى مضاعفة إنتاج النفط في الخليج الفارسي/ العربي انطلاقاً من العام 1999 وحتى 2020 لتلبية الطلب العالمي. لا يمكن بالطبع تلبية هذه الحاجة الطموحة من دون إدخال “أو ما يعرف بمبادرة” مئات الشركات المنتجة، الأمر الذي لا ترغب به دول مثل إيران والعراق وحتى النظام في العربية السعودية. وإنتاج العراق الأقصى العام 2001 لم يتجاوز 34% مما كان عليه العام 1979. بينما هبط إنتاج إيران حوالي 37% منذ العام 1976. كلا البلدين وضعا في منظور الإنتاج أدنى من المطلوب نتيجة الاستثمار المتدني الناتج عن العقوبات المفروضة. وقدرت IEA أن على الخليج الفارسي/ العربي استثمار نصف تريليون دولار في تجهيزات وتقنيات جديدة لاستخدام دولار في تجهيزات وتقنيات جديدة لاستخدام النفط بحلول العام 2030 لملاقاة معدلات الإنتاج العالمي.
وظهر السلوك الأمريكي تجاه هذه الحاجات على عدة مستويات. عسكرياً كانت القضية المركز دعم استقرار نظام العربية السعودية في وجه إشارات عدم الاستقرار المتنامية، وإجراء تغيير للنظام في العراق، وتطبيق أقصى الضغوط على إيران. والشخصيات الرئيسية في إدارة بوش مثل دونالد رامسفيلد وبول ولفوفيتز كانوا يدفعون باتجاه احتلال العراق حتى قبل الانتخابات الرئاسية. حالما وقعت هجمات سبتمبر قادت “الحرب على الإرهاب” الولايات المتحدة لفتح كافة الجبهات النفطية ووضعها في دائرة المستهدف. ومن وجهة نظر جيوسياسة النفط، يكون احتلال العراق وإزالة صدام حسين من الحكم دعماً لاستقرار وأمن نفط الشرق الأوسط، والدفع باحتمال فورة في إنتاج هذا البلد للنفط وتأمين أرضية إستراتيجية لسيطرة أمريكية سياسية عسكرية اقتصادية على الخليج. فسيطرة الولايات المتحدة الإستراتيجية على الشرق الأوسط ونفطه هو تأسيس لقرن أمريكي جديد.
في السنوات الخمسة الماضية منذ الاحتلال الأمريكي للعراق، تعمقت أزمة التزويد العالمي بالنفط بدلاً من حلها. فتوقعات زيادة إنتاج العراق النفطي التي درست قبل الحرب اقترحت بأن رفع العقوبات يمكن له زيادة إنتاج نفطها الخام خلال عقد واحد من معدل عام 1979 البالغ 3.5 مليون برميل يومياً إلى 6 مليون برميل.
على الأرض هبط إنتاج العراق السنوي في عام 2007 بمقدار 13% عن الإنتاج عام 2001، حيث انخفض من 2.4 إلى 2.1 مليون برميل في اليوم . وازداد إنتاج النفط الخام في الخليج الفارسي ككل بمقدار 2.4 مليون برميل في اليوم بوسطياً بين العامين 2001 و2005 وعاد يهبط بمقدار 4% بين عامي 2005-2007. مترافقاً مع أزمة النفط العالمية.
بدأ الأمريكيون بالإقرار أن عدم الاستقرار في الأقاليم المصدرة هو واقع لا يمكن الهروب منالصحراوية الوحيدة بالطريقة التي كانت تقترحها الشركة الأمريكية. الوضع أسوأ بكثير في بلدان عدم الاستقرار كالجزائر وإيران والعراق وحتى في إفريقيا وبحر قزوين. وجنوب مريكيا التي أقنعت الأمريكيين بأنها لم تعد أكثر استقراراً من الشرق الأوسط أما النفط الروسي فهو في حالة نزاع بين القومية والشركة الفاسدة مدخلاً كافة دول المنظومة السوفييتية السابقة والمنتجة للنفط في حرب مع الغرب . الغرب بدوره قدم تقريراً للولايات المتحدة باسم اتحاده حول الواقع النفطي التقرير ألمح طوباوياً إلى ضرورة تخفيض الولايات المتحدة لاستهلاكها، لكنه لم يغفل دور العسكرة الأمريكية في حماية أقاليم الاحتياطي وخاصة الخليج الفارسي حيث طلبت القوى الأوربية من الولايات المتحدة بشكل مباشر التدخل لمنع أي اضطراب وعنف اجتماعي وعلى أي مقياس ضامنين لطرف الأمريكي التأييد والمباركة.
ولا يقل أهمية على هذا التقرير. تقرير آخر تحت اسم “تقرير سياسات نيسان2007” نشره معهد جيمس بيكر للسياسة العامة حول “الدور المتغير لشركات النفط القومية في أسواق الطاقة العالمية”. أكد التقرير أن شركات النفط القومية اليوم تتحكم بـ 77% من احتياط النفط العالمي، بينما الشركات الغربية المتعددة الجنسيات تتحكم بما دون 10% منه ، وصرح التقرير بأن هذه المعادلة هي مركز إدارة تزويد النفط العالمي والتي لا بد من تغييرها. يقول التقرير “إذا ما كانت الولايات المتحدة تريد حقاً البقاء في عالم يفضل طريقتها ويخضع لقوتها العظمى”. لقد صرح معهد بيكر بأكثر مما يجب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى