تقرير مجموعة «غولد مان»: الاقتصاد العالمي سيبقى كما هو… برغم التغيّرات
سركيس أبوزيد
يواصل الاقتصاد العالمي تراجعه يوما بعد آخر، ولم تنجح حتى الآن جميع الإجراءات الاقتصادية والسياسية التي اتخذتها الدول الغنية والمؤسسات المالية الدولية الداعمة لها في وقف هذا التراجع أو الحد منه، أو حتى توقع نهاية معقولة له في ظل حالة الاضطراب السائدة.
وعلى الرغم من أن تغير توقعات النمو الاقتصادي سواء بالنسبة للاقتصاد العالمي أو لأي من اقتصاديات الدول الأخرى؛ نظرًا للتغيرات الاقتصادية التي تطرأ على عالم الاقتصاد المتشابك بدرجة كبيرة، فإن الأحداث التي شهدها العالم منذ الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) 2001 وما تبعها من ردود فعل جعلت من العسير على أي خبير أو حتى مؤسسة متخصصة – مهما كانت درجة كفاءتها – أن تقدم تقديرات صحيحة، أو أن تقلل من هامش الخطأ المحتمل.
ففي الاعوام الأربعين الماضية، كان هناك خيبة أمل في التوقعات الكبيرة لدى الناس حول الدول الافريقية المستقلّة حديثا في الستينيات، في مقابل نمو اقتصادي مرتفع ومفاجئ لمعظم دول آسيا في الثمانينيات والتسعينيات.
وقد شهد القرن الماضي ارتفاعا كبيرا في ثروة الدول العربية المصدرة للنفط، في مقابل انخفاض في معدل النمو الايراني المتوقع بعد ثورة العام 1979، بالإضافة الى انهيار الاتحاد السوفييتي، وامتداد الاتحاد الاوروبي الى شرقي اوروبا.
قلة من المحللين الاقتصاديين توقعوا ايا من ذلك، تماما كما لم يتوقعوا العولمة والانترنت وارتفاع اليورو.
فالتاريخ لا يمشي على سكك حديد متساوية، ولم يكن مثبتا ان اي من هذه الأشياء ستحدث، حتى ولو كان بعضها لديه احتمال اكثر من غيرها. وهذا الأمر ينطبق على العلاقة بين الحاضر والمستقبل ايضاً، دون ان يغير ذلك انه لا يمكن توقع شيء يمكن ان ينطبق على هذا المستقبل.
فقد وضعت مجموعة «غولدمان ساكس» تقريرا حول توقعاتها للاقتصاد العالمي حتى العام 2050، في محاولة لصياغة خريطة جديدة للاقطاب الاقتصادية التي ستطغى على الاقتصاد العالمي حتى ذلك الوقت، فدحضت كل التوقعات بتغير الخريطة الاقتصادية العالمية مقدمة اسباب كثيرة يمكن ان تحول دون ذلك، على الرغم من صعود بعض الدول النامية على سلم هذا الاقتصاد وهبوط بعض الدول الكبرى عنه.
وتعتبر مؤسسة غولدمان ساكس بنكاً استثمارياً أميركياً عالمياً يقدم استشارات مالية واقتصادية للحكومات والشركات الكبرى وبلغت ايراداتها للعام الماضي نحو 47 مليار دولار.
الدول الأربع في خارطة اقتصاد المستقبل
لقد خرج فريق «غولدمان» الاقتصادي بمفهوم “BRICS” بريكس: أي الدول الاربع: برازيل، روسيا، الهند والصين، التي ستتقدم لتسيطر على الاقتصادات الضخمة في العالم. كما قام هذا الفريق بإضافة الدول الاحدى عشرة المتوسطة والنامية مثل تركيا، اندونيسيا والمكسيك، التي ستنمو بشكل سريع لتأخذ مكان أسلافها الأغنياء، في الجيل الجديد.
وبالعودة الى العام 2006، فقد توقعت مجموعة «غولدمان» ان الصين ستتخطى الاقتصاد الاميركي في اوائل الـ2040، بالترافق مع الاقتصاد الهندي الذي سيكون قريبا من الركب. ولكن اليوم، وضعت غولدمان مجموعة جديدة من التوقعات، فأشارت الى ان الاقتصاد الصيني سيتغلب على الاقتصاد الاميركي في حوالي العام 2025، وليس في الـ2040، بحيث سيكون اكبر بمرتين من العام 2025. اما اقتصاد الهند، فسيكون أصغر بقليل من اقتصاد الولايات المتحدة. فيما ستكون اقتصاد البرازيل، روسيا، اندونيسيا والمكسيك، اكبر من اقتصاد بريطانيا. واشارت مجموعة «غولدمان» الى ان الاقتصاد التركي في العام 2050 سيكون أكبر من اقتصاد اليابان، فرنسا، وحتى ألمانيا، كما ان اقتصاد نيجيريا والفليبين سيكون أكبر من اقتصاد كندا وايطاليا.
هذا بالاضافة الى أن كوريا، ايران والسعودية ستملك اقتصادات أكبر من اقتصاد اسبانيا.
أما بالنسبة للدخل الفردي في بعض هذه الدول، فقد أشارت مجموعة «غولدمان» الى ان التغيرات المتوقعة في نصيب الفرد من الدخل الوطني لن تكون بحلول عام 2050 جذرية. ففي هذا السياق، ستتنافس كلّ من الولايات المتحدة وبريطانيا على المركز الأول كما هو الوضع الآن، وستكون كندا وراءهما بقليل. وسيكون الكوريون أكثر ثراءً من اليابانيين بحيث سيجني الفرد فيها 80000دولار او 40000 جنيه استرليني في السنة مقابل 63000دولار حاليا، وستبقى الصين في طليعة دول شرقي آسيا مع 50000 دولار للفرد في السنة، وهذا الرقم يعتبر حاليا اعلى بقليل من نصيب الفرد في الولايات المتحدة وبريطانيا.
النفط… والمناخ وتوقعات المستقبل
وتطرح مجموعة «غولدمان» تساؤلا حول كيفية امكان توافق تلك التوقعات مع ما هو معروف عن موارد الطاقة العالمية، الأغذية، وغيرها من السلع الاساسية، فضلاً عن التغيرات المناخية؟
كما تقدم مجموعة «غولدمان» مجموعة من التوقعات حول بعض المفاجآت بناء على معطيات والمرحلة الحالية.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه بشكل طبيعي هو: ما الأشياء التي يمكن ان تعرقل هذه الصورة الواعدة بمستقبل اغنى، تضيق فيه الفجوة بين العالم الفقير والعالم الغني بشكل كبير، (ما عدا افريقيا)؟
تشير مجموعة «غولدمان» الى ان مجرد النقص في النفط او غيره من السلع الاساسية، لن يغير كثيرا في النظام الجديد، رغم أنه من الممكن ان يقلل معدل دخل الفرد (ما عدا في الدول المصدرة للسلع الاساسية). ذلك ان الاضطرابات السياسية المحلية قد تقف في طريق تقدم بلدان محددة، مثلما كان وضع ايران في ثمانينيات القرن الماضي، او روسيا في التسعينيات، ولكن ذلك لن يغير الصورة العالمية المتوقعة ككل. لكن سبباً واحداً معروفاً ومجهولاً في آن معاً يمكن ان يؤثر، هو تغير المناخ على نطاق واسع، حيث من الممكن ان يوقف نمو بعض البلدان اكثر من غيرها، مع الإشارة الى ان البلدان التي من الممكن ان تتضرر هي تلك التي تتسلق سلّم النمو بسرعة.
كما ان التغيرات المناخية المتوقعة قد تضر الدول الواقعة في المناطق المدارية ودون المدارية اكثر من تلك الموجودة في مناطق المناخ المعتدل نسبيا والتي لن تعاني كثيراً من هذه التغييرات المحتملة.
من جهة أخرى، سوف تعاني دول مثل تركيا، المكسيك، اندونيسيا، الهند وايران من انخفاض في مستوى سقوط الامطار وبالتالي انخفاض في الانتاج الغذائي. كما أن الصين، رغم انها في معظمها في مناطق ذات حرارة معتدلة، سيكون عليها ان تناضل في وجه ذوبان الجليد من على هضبة التبت التي تغذي معظم انهارها.
والملفت هو أن البلدان التي تعاني أقل من غيرها من التغير المناخي مثل الولايات المتحدة، كندا، بريطانيا، فرنسا، المانيا، روسيا واليابان، هي نفسها التي تنتج الجزء الأكبر من انبعاثات الغازات الحرارية التي تسبب الاحتباس الحراري العالمي الحالي. ولكن ذلك يعني ايضا بأن النظام العالمي الجديد في العام 2050، لن يكون مختلفاً كثيراً عن النظام الموجود اليوم، بحسب توقعات مجموعة «غولدمان».
من هنا، يمكن القول ان تقدم مجموعة «غولدمان»، تقدم نقطة انطلاق للتفكير في المستقبل، وليس خارطة له، فالمستقبل العالمي غير مضمون ولا يمكن تنبؤ ما يمكن ان يحصل في الاربعين سنة القادمة، فيما نحن نعيش في عالم التغيرات المتسارعة والمتلاحقة يومياً.
كاتب من لبنان