صفحات سوريةمازن كم الماز

من القمع الموجه ضد إعلان دمشق إلى إعادة بنائه كائتلاف واسع

null
مازن كم الماز
يلفت النظر تركيز قمع النظام على إعلان دمشق والأحزاب الكردية بطريقة انتقامية واضحة، لم يكتف النظام بمن سبق أن اعتقلهم من أعضاء المجلس الوطني لإعلان دمشق بل يواصل اعتقال شخصيات جديدة من أعضاء المجلس الوطني، فيما تذكر طريقة اعتقال مشعل التمو بأيام القمع الصارخ التي كانت فيها أجهزة الأمن تتصرف “بحرية” مطلقة تجاه السوريين، عدا عن تشديد الرقابة على كل من يحاول الاتصال بالشبكة العالمية، المكان الذي ما زال خارج محظورات النظام، هذا يجري في وقت يخرج فيه النظام تدريجيا خارج الحصار الذي فرضته عليه إدارة بوش في عملية مقايضة تدريجية لطلباتها، بينما الشعب السوري يتعرض لظروف بالغة السوء بحثا عن ضروريات حياته، قد يكون النظام اليوم بوارد القيام ببعض المبادرات سواء على الوضع الاقتصادي أو السياسي مع تراجع إحساسه بالخطر المباشر الذي في طريقه للزوال شبه التام، هذا لن يعني تغييرا كبيرا في خيارات النظام بل سيكون محدودا بأهداف التخفيف من آثارها وتجميلها خاصة فيما يتعلق بسياساته الليبرالية الاقتصادية وموقفه القمعي التهميشي ضد المجتمع وأي حراك مستقل.
على الطرف الآخر رغم الصمود الصلب لأعضاء إعلان دمشق المعتقلين فإن الواقع قد تجاوز شكل وصيغة الإعلان في لحظة ولادته ومن ثم لحظة انتخابات المجلس الوطني لإعلان دمشق، النظام بعقابه القاسي الذي خص به إعلان دمشق والحركة الكردية يريد من جهته أن يطيح بأية إمكانية لحراك مستقل ومؤثر خارج سيطرته ومن جهة يريد أن يسرع عملية اختفاء الإعلان كقوة هامة في المشهد السياسي مبقيا على قوى أقل حدة في مواجهته لغرض الاستفادة منها في مناوراته المقبلة. لذلك أزعم أنه من الضروري اليوم مراجعة إعلان دمشق لإعادة بنائه كائتلاف واسع للمعارضة كخطوة أولى على طريق تحوله إلى جبهة تغيير شعبية، ليس فقط أن العوامل التي استند إليها الإعلان قد اختفت عمليا بل إن المرحلة القادمة تتطلب مقاربة مختلفة تماما تقوم على إعادة نظر عميقة في مقاربة القوى التي وجهت الإعلان وأصبحت تعتبره فيما بعد كرافعة لوجودها ودورها السياسي، أول نقاط هذه المراجعة أن المعارضة ليست كتلة مغلقة جامدة قائمة خارج الواقع الاجتماعي واليومي للشعب السوري، إنها ليست قيادة “جاهزة أو مسبقة الصنع”، وليست “البديل الجاهز” عن النظام، إنها تمثل قوى واقعية، تمثل الجزء المهمش المستغل المقهور من الشعب السوري، وهو ما يمثل غالبية الشعب السوري، أن مشروعها ليس مجرد سلطة بديلة بل هو مشروع نضالي تغييري، كما أن من الضروري التخفيف بكل جهد ممكن من نخبويته وتحويله إلى مشروع جماهيري عبر وسائل عمل ونضال شعبية يومية قد تكون أقل إثارة في بداية الأمر لكنها ستمهد الطريق نحو حراك شعبي مستقل فعلي يتجاوز قمع النظام ولاءاته في وجه المجتمع.
من الضروري جدا هنا تجاوز الصورة النخبوية للمعارضة التي تجعلها تقتصر على المنشقين عن النظام (خدام) أو العائلة الحاكمة (رفعت) أو الإخوان رغم أنهم قوة سياسية أساسية أو النخبة إلى حالة نهوض شعبي متنوع وديمقراطي، إن الوضع الحالي يتركنا نحن، من يجد نفسه متمايزا عن برنامج وأطروحات الإعلان الليبرالية خاصة ومن يريد في نفس الوقت أن يعبر بقوة ليس فقط عن رفضه واستنكاره للقمع الموجه بشكل خاص ضد إعلان دمشق خاصة بل يحلم بإمكانية استعادته كائتلاف عريض واسع يضم كل القوى التي تعارض وحدانية النظام وقمعه وتهميشه للمجتمع.
إن طبيعة المشروع الفوقية والنخبوية ومقاربته التجريدية المنفصلة عن الواقع الاجتماعي تجعل منه طوباويا بالفعل بعد أن تراجعت بشدة قوة العوامل التي استند إليها وأصبحت عملية التغيير الديمقراطي من جديد قضية مجتمع مهمش ولا سيما قضية فئاته وطبقاته الأدنى في مواجهة نظام شمولي يقوم على نهب هذا المجتمع وسحق تلك الفئات والطبقات، وإن كان هذا لا يقلل من نقطتين أساسيتين: أولا أنه كان محاولة هامة لتجميع القوى المعارضة على اختلافها رغم إصرار القوى التي تعرف نفسها بالليبرالية على استفرادها به، ومن جهة أخرى لا يعني هذا حلا لأزمة النظام الأخرى والأهم بزعمي وهي التناقض بينه وبين من ينهبهم ويهمشهم.
يجب التأكيد أنه من الممكن على الرغم من كل التناقضات إعادة تشكيل الإعلان وبسرعة وفق صيغة ائتلافية أوسع ما يمكن على التوازي مع بدء نقاش حر و”منفتح” بين كل أطراف المعارضة عن مساحة الاتفاق في صيغة وشكل البديل والوسائل النضالية الموصلة إليه، ليس في سبيل إعادة ترميم القيادة البديلة عن النظام أو حتى إعادة تشكيلها بل في اتجاه تحرير المجتمع بكل فئاته وطبقاته، خاصة أكثرها تهميشا واستغلال، من قمع النظام وواحديته الفتاكة…
كاتب سوري

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى