حرب القوقاز اللبنانية
ساطع نور الدين
صار الكلام علنياً عن أن طرابلس هي اوسيتيا الجنوبية التي ستستدعي في مرحلة تدخلاً عسكرياً سورياً مباشراً لحماية أحيائها العلوية، وللحؤول دون امتداد مثل هذا الصراع المذهبي الخطير الى الداخل السوري. وصار الاستنتاج حاسماً بأن نتيجة هذا التدخل لن تكون مختلفة كثيراً عن نتائج الحرب الروسية الأخيرة على جورجيا… لكنها لن تصل الى حد المس بالاستقلال والسيادة والوحدة الوطنية كما جرى في القوقاز.
لم تصبح معركة طرابلس المفتوحة منذ اسابيع، والكامنة منذ سنوات، مبرراً كافياً لاشتعال الحرب الأهلية اللبنانية مرة أخرى، لكنها كانت ولا تزال شرارة يمكن ان تزيد في اشتعال ذلك الحريق الإقليمي الهائل الذي ينتشر في مختلف انحاء العالم العربي والإسلامي، كما كانت ولا تزال تساهم في تأجيج الصراعات العربية مع سوريا وإيران طبعاً… وهو ما يعني ان ما يجري في عاصمة الشمال لا يخضع لأي من الحسابات المحلية، ولا يندرج في أي سياق سياسي داخلي، ولا يمكن ان ينضبط على إيقاع اتفاق الدوحة وخطواتها الإجرائية التي يجري تنفيذها ببطء وتعثر.
المعركة شأن خارجي، يكاد يخرج عن سيطرة أي فريق داخلي، برغم انها تدور بين قوى لبنانية وعلى ارض لبنانية… بعيدة عن المركز، وعن خطوط التماس المستحدثة بين الطوائف والمذاهب اللبنانية. وهي بعبارة اخرى تقلق سنّة سوريا وعلوييها أكثر مما تخيف سنّة لبنان وعلوييه… وتتردد أصداؤها في مختلف العواصم العربية والإسلامية أكثر مما تصل الى بيروت بالذات.
الطرف السنّي الذي يقاتل في أحياء طرابلس لا يختصر الطائفة السنّية في بقية الأنحاء اللبنانية وإن كان يعبر الى حد ما عن اضطرابها الداخلي نتيجة القمع والاضطهاد الذي تعرضت له في الفترة الماضية على يد خصومها في الداخل والخارج، وأدى الى خسارتها عدداً من رموزها ومواقعها، وأهمهم الرئيس رفيق الحريري، الذي جرى اكتشاف انتمائه المذهبي فقط بعد اغتياله.
الطرف العلوي الذي يحارب في طرابلس أيضاً ليس له امتداد يذكر في الداخل اللبناني، وليس له اتصال مع قرية الغجر الحدودية الجنوبية التي لا يدرك كثيرون انها علوية. والأهم من ذلك ان هذا الطرف لا يرتبط بالطائفة الشيعية ولا يقيم علاقات وثيقة معها، لكنه يرث الحذر والتشكيك التاريخي المتبادل بين اتباع المذهبين اللذين يزعم البعض أنهما متقاربان… مع أن كلاً منهما على استعداد للتكيف مع السنّة اكثر من استعداده للتعايش مع الآخر، وهو ما ساهم في الالتباس الدائم حول انخراط العلويين مع المعارضة، برغم انهم لا يكنّون الود للموالاة.
الاستنفار السعودي والمصري الأخير لاحتواء ازمة طرابلس، يعبر من جهة عن الخوف من ان تتعرض المدينة لكارثة أسوأ بكثير مما تعرضت له بيروت في ايار الماضي، في ضوء موازين القوى التي لا تميل بأي حال من الاحوال لمصلحة السنّة، كما لا تخدم أياً من أهدافهم السياسية في مقارعة سوريا التي قرأت حرب القوقاز بطريقة خاصة جداً… لم يقصدها حتى الروس انفسهم.
السفير