صفحات الحوار

رياض الترك: إقامة نظام ديمقراطي في بلدنا هو ضمانة الاستقلال والوحدة الوطنية

null


الأثنين/24/كانون الأول/2007 النداء: www.damdec.org

عادل الحامدي ، وكالة قدس برس 23/12/07

أشاد سياسي سوري معارض بتصريحات الرئيس الأمريكي جورج بوش المؤيدة لمطالب نشطاء إعلان دمشق، واعتبر ذلك عملا مساعدا للقوى الديمقراطية كي تستمر في العمل من أجل إحداث تغيير ديمقراطي لم يعد بمقدور منطقة الشرق الأوسط أن تعيش بدونه.

ورفض عضو أمانة تجمع إعلان دمشق رياض الترك في تصريحات خاصة لـ “قدس برس” اعتبار التحية التي وجهها الرئيس جورج بوش لتجمع إعلان دمشق ومطالبته للنظام السوري بإطلاق سراح من تبقى منهم معتقلا، تدخلا في الشؤون الداخلية، وأكد أن ذلك “عمل إنساني نبيل” لا يملك أي مدافع عن حقوق الإنسان إلا أن يحييه، لكنه جدد رفضه التام لأي تدخل عسكري أمريكي في الشؤون السورية، وطالب المجتمع الدولي بأن يكون قوة خير لدعم الحركات الديمقراطية لتنجز التغيير بيدها.

ونفى الترك ـ الذي يعتبر واحدا من أبرز السياسيين المعارضين المعاصرين، إذ أنه قضى نحو عقدين من الزمن في سجن انفرادي بسبب معارضته لسياسات نظام البعث في سورية ـ أن يكون قد تحول عن أفكاره اليسارية إلى الليبرالية، واتهم الحركات الشيوعية العربية بأنها انجرت وراء صراع سياسات دولية كان للحزب الشيوعي الروسي تحديدا دور كبير في صياغتها، وأكد أن الحرية تمثل جوهر الأطروحة الشيوعية.

وأشار الترك إلى أن الحركات الشيوعية نقلت مقولة “الدين أفيون الشعوب” خطأ عن كارل ماركس، وأكد أن الدين مسألة جوهرية تدخل في عمق الإنسان ورؤيته إلى الوجود والخلود.

وفي ما يلي نص الحوار مع السيد الترك، الذي أجراه “عادل الحامدي” من أسرة وكالة قدس برس في لندن:

س) ما هو ردك على التحية التي وجهها الرئيس الأمريكي جورج بوش إليكم في إعلان دمشق، باعتباركم مجموعة شجاعة ومطالبته للنظام السوري برفع القيود عنكم؟.

ـ أنا شخصيا أرحب بمثل هذا التصريح بصرف النظر عن السياسة الأمريكية في المنطقة التي جانبت مسألة الديمقراطية التي لم تكن أساسية في علاقات واشنطن مع الأنظمة العربية، وظلت الشعوب العربية تعيش مقهورة من قبل أنظمة دكتاتورية.

وقد كانت هنالك نظرة أمريكية سادت في سبعينيات القرن الماضي، عن أن الاستقرار يمكن أن يتحقق في منطقتنا عبر دعم أنظمة استبدادية، لكن التجربة أثبتت غير ذلك، حيث أكدت أن الحكام العرب لم يعيروا أي اهتمام لمصالح شعوبهم، ونشاط المطالبين بالديمقراطية والتغيير السلمي يصطدم بهذا العائق دائما، من هنا فإن أي تضامن يعطي دفعة للمشردين والقابعين في السجون، لا بد أن نرحب به بصرف النظر عن قائله، إن كان جادا أو تأثر بهذه الاعتقالات، لأنه قام بعمل إنساني نبيل، بهذا المعنى أرحب بتصريحات بوش وأتمنى أن تنعكس هذه على سياساته تجاه شعبنا والشعوب العربية، لأننا نعتقد أنه لا يمكن حل قضايا المنطقة بالعنف، فالعنف صنو الاستبداد. من هنا نفهم معنى التعاون مع أناس يريدون بناء مجتمع ديمقراطي.

نحن نختلف مع أمريكا في سياساتها تجاه العراق وأفغانستان رغم أنهم أزالوا نظاما سقيما عن الشعب العراقي، لكن بقاءهم في العراق وطريقتهم في إدارة علاقاتهم بالشعب العراقي قادا إلى أضرار كبيرة اتجهت إلى تفتيت المجتمع وتشجيع الصراعات الطائفية. وما نراه نحن في تجمع إعلان دمشق أنه إذا كان للمجتمع الدولي دور في التغيير الديمقراطي فهو أن يكون وسيطا وداعما لا غير، وأن يترك للشعوب أن تجد حلها مع الاستبداد.

وضمن هذا التحليل نرى أن الحلقة الرئيسة لنهوض الشعبين العراقي واللبناني، وشعبنا في سورية هو أن خروج المحتل الإسرائيلي والأمريكي، وفي نفس الوقت رحيل الاستبداد وإعطاء فرصة لمجموعات الديمقراطيين أن تحل تناقضات شعبها.

وعلى أساس هذا الفهم نقف مع لبنان الذي يشهد تدخلا سوريا وإيرانيا في شؤونه ويمنعه من انتخاب رئيس جديد لحل أزمات لبنان. ومن هذه الزاوية أشكر الرئيس جورج بوش على تضامنه مع شعبنا وأدعو أن يكون جوهر تدخله في المنطقة مساعدة الحركات الديمقراطية لتصبح قوة داخلية للتغيير الديمقراطي، لأن هذا العصر ليس عصر الدكتاتوريات، ونحن نريد لمنطقة الشرق الأوسط الاستقرار الذي لا يجلبه الاحتلال كما لا يجلبه أيضا استمرار الاستبداد.

س) ألا تخشى أن يكون مصير سورية هو نفس مصير العراق، ومن العراقيين من تحدثوا قبل الغزو عن التغيير الديمقراطي لكن الذي جرى على أرض الواقع هو صراع طائفي مرير؟.

ـ كلامي هذا لا يعني أننا نؤيد سياسات أمريكا في الشرق الأوسط، فنحن ندرك أن سياساتها لم تكن في صالح شعوبنا، ولم تكن بوارد الضغط على إسرائيل ومساعدة الفلسطينيين لإقامة دولتهم المستقلة، ولا نعتقد في الوقت ذاته أن سورية إذا تحررت فإنها سوف تتجه إلى الفوضى، لأننا نرفض تماما أن تأتي جيوش الرئيس بوش لتحررنا، فنحن ضد التدخل العسكري وضد الضغوط المتزايدة على بلادنا بما فيها الضغط الديبلوماسي.

ومع ذلك نحن نعتقد أن مأساة سورية والبلدان العربية آتية في الجوهر من سياسات أنظمتنا الداخلية، فهي التي أضعفت شعوبنا وجرأت الخارج على التدخل في شؤوننا.

إذا استطعنا أن ننال دعما سياسيا من المجتمع الدولي ومؤسساته في سياق نضالنا من أجل الديمقراطية، فإن هذا سيقوي معنويات مجتمعنا في مواجهة الاستبداد، ونحن عندما ندعو إلى الخلاص من الاستبداد نطرح مسألة الحرية لمجتمعنا بصرف النظر عن مكوناته، وندعو أيضا لحل عقلاني، لكن لا ننكر أن هناك متطرفين قد يخلقون الفوضى، لكن الفوضى لا يجلبها إلا الاحتلال والاستبداد. ونحن عندما ندعو للخلاص من الاستبداد فإننا لا نطمع في أن نكون حاكمين، فنجن رواد في تجمع إعلان دمشق، رواد الحرية لنا وللقوى الديمقراطية ولشعبنا، إذ أنه في ظل الحرية تنتطم الحياة على نحو أفضل، هذه هي طروحاتنا التي ترتكز على أن القوى الرئيسية للتغيير هي قوى الداخل، لكن تضامن قوى الخير معنا يساعدنا على إنجاح هذه المشاريع.

س) هل تريد أن تقول بأن أمريكا قوة خير؟.

ـ أنت تكونُ جاحدا إذا جاءكَ إنسان وساعدك على التخلص مما تعانيه، ثم تقول له اذهب عني!، نحن عندما نرحب بتضامنه معنا، فهذا لا يعني أننا نرحب بكل سياساته.

ولتوضيح الصورة لا بد من الحديث عن النظام السوري، حيث أن من يشتم أمريكا صباحا مساء إما خشية من النظام أو خدمة له، وتأمل معي كيف يتكتك النظام مع أمريكا. ونحن نعتقد أنّا في عصر لم نعد نستطيع فيه أن نبتعد عن المجتمع الدولي وننعزل في جزيرة لا نتعاطى مع مؤثرات الخارج، فالداخل والخارج مترابطان، هذه حكمة التاريخ لكن المسألة الأساسية هي أن العلاقة مع الخارج لا بد أن تنطلق من الداخل.

ونحن نعتقد أن مصلحة بلادنا في الظروف الحالية أن تتخلص من نظام مستبد فاسد، ومصلحة بلادنا أن تُحمى وحدتها الوطنية من أجل ضمان الاستقلال والخلاص من الاستبداد وإقامة نظام ديمقراطي يعبر فيه الجميع عن رأيه، هذا هو جوهر سياسة إعلان دمشق، وليس صحيحا أننا نهمل المسائل الوطنية والاجتماعية، إن من يهمل الجولان ومصالح شعبه هو النظام الاستبدادي والتحالف القديم الذي كان بين هذا النظام وأمريكا في السبعينيات عندما كانت أمريكا تنظر إلى الأنظمة الاستبدادية على أنها سبيل الاستقرار، وقد تبين أنه استقرار كاذب، لأن الاستقرار يصنعه نظام ديمقراطي يحل مشكلاته مع جيرانه بالحسنى، وأن تكون له سياسة عقلانية مع الخارج مبنية على احترام الاستقلال وعلى المصالح المشتركة مع أي بلد خارجي كأمريكا وفرنسا، وهذا لا يمكن أن يتحقق إلا بحسن جوار مع محيطنا العربي، إذ كيف يكون لي أن أقيم حلفاً مع إيران وأهمل دولا عربية مثل مصر والأردن والسعودية، أو أن أتوجه إلى تركيا، فهذه دول لها مصالح دولية كبرى قد تصبح عبئا على بلدي.

ثم إنه على أي نظام أن يحدد أولوياته وأفضلياته، وهذا لا يتحقق إلا بسياسة عقلانية سليمة وسياسة خارجية تقوم على حسن الجوار، فنحن في سورية لدينا خلافات دائمة مع جيراننا كأننا لا نعيش إلا في ظل الأزمات، وكان حافظ الأسد عندما يتعرض لأزمات يصدرها إلى الخارج، لهذا نحن نريد لحكامنا أن يتعلموا ويعودوا إلى شعوبهم، إنهم يمنعوننا حتى من الاجتماع، لقد حاصرونا لأننا اجتمعنا بضع عشرات لم نفعل شيئا يعكر صفو الأمن أو يزعج أحدا غير أننا تحدثنا فيما أتحدث فيه الآن، فكيف تريد مني أن لا أرحب بتصريح إنسان يطالب بحريتي؟.

س) هل تريد أن تقول إن النظام في سورية يتعامل مع الولايات المتحدة الأمريكية لكنه يرفض لكم أن تتعاملوا معها؟.

ـ السياسات الدولية تتغير حسب المصالح، فقد التقت المصالح السورية ـ الأمريكية أيام حافظ الأسد في لبنان، حيث دخلت سورية إلى لبنان تحت غطاء عربي وأمريكي وإسرائيلي، وهذا ما عبر عنه الشهيد كمال جنبلاط، نحن لنا مصلحة في أن تسود الحرية في سورية، والنظام له مصلحة في البقاء، وهذا البقاء لا يمكن أن يقوم إلا على أسس سليمة وليس على أساس وجود قوى حاكمة تريد السيطرة، فقد تبين الآن أن الأنظمة الاستبدادية العربية أضعفت شعوبها وقادتها إلى الدمار، فهل تريد من أمريكا أن تدعم نظاما سائرا إلى نهايته؟.

س) ماذا تقصد بذلك؟.

ـ الأمريكيون التقت مصالحهم مع النظام السوري سابقا، الآن هناك بعض التناقضات بينهما، وهي تناقضات يمكن حلها على حساب شعبنا. صحيح أن مسألة العلاقة مع الولايات المتحدة الأمريكية كقوة كبرى تاريخيا لم تكن في مصلحة الشعوب، لكن ليست سياسات الدول الكبرى خاطئة على طول الخط وضد شعوبنا، ولا شك أن الاحتلال هو سر الفوضى بيننا وبينهم، حيث أن أمريكا لا تسير في طريق إعطاء الفلسطينيين حقوقهم، ولذلك فالمطلوب من حكامنا أن يسيروا بسياسات سليمة لدعم الشعب الفلسطيني الذي لا يهتمون به أصلا بقدر ما يهتمون ببقائهم، وهنا تضيع حقوق الحركات الديمقراطية.

وعليه أقول: إن الأنظمة الاستبدادية فشلت وشاخت ولا بد من الخلاص منها، وأنا أحدد علاقتي بالخارج بمدى دعمه لشعبي للخلاص من ذلك. وأسأل هنا ببراءة: ماذا سيكون الموقف لو عقد النظام صفقة مع أمريكا، هل سيسمح لكاتب أن ينتقد ذلك؟، لهذا نحن عندما نتجه إلى الخارج فإننا ندرك أهميته على أنه عالم متنوع فيه الاستعماري وفيه الديمقراطي وغير ذلك، لكن النظام يريدنا أن نعيش في عزلة برفعه لتهم الخيانة ضدنا.

س) ألا تشعر بأنك بهذه الطروحات ربما تعبر عن تحول جذري في أفكارك من الاشتراكية أو الشيوعية إلى الليبرالية؟.

ـ أنا ما زلت من أنصار أن نأخذ بيد الطبقات الفقيرة التي تعيش حياة صعبة، وأنا من أنصار العدالة الاجتماعية، وجوهر المطالب التي طرحتها الحركات الشيوعية هي مطالب عادلة لكن للأسف معظم الحركات الشيوعية في العالم العربي انجرت وراء سياسات دولية كان يتلاعب بها الاتحاد السوفياتي والحزب الشيوعي السوفياتي تحديدا، الآن العالم تغير، وأنا لم أغير مبادئي، حيث ما زلت أطالب بالحرية، وأعتقد أن ماركس الذي كان متمردا على الإقطاع كان يطالب بالحرية، لذلك لا بد علينا أن نفهم جوهر مبادئه، فأنا لم أغير جوهر فكري: إنني كنت وما زلت أناضل من أجل الحرية التي يحجبها الاستبداد ويتهددها الاحتلال الأجنبي والعدوان الصهيوني، أنا من أنصار قيام حياة سليمة هادئة، يستطيع مجتمعنا في ظلها أن يحل قضاياه بطرق ديمقراطية سليمة.

هل هذه هي ليبرالية أم طريق لحماية الاستقلال الوطني والعدالة الاجتماعية؟، أنا أفهم الليبرالية ليس من منطلق رجعي قديم، وليس بمعنى الحرية الفردية البحتة، فنحن لا نزال بلدا متخلفا، والاستبداد زادنا تخلفا، والمستعمرون لا يريدون لنا أن نتقدم، وجوهر التقدم لا ينطلق إلا من الحرية، لذلك ندخل إلى جبهة عريضة، وإلى تعاون مع القوى الخيرة في الخارج، وهذه ليست عمالة وليست ليبرالية، وإنما هي توفير لشروط النهضة لبلداننا كي تلتحق بالركب الحضاري، لأننا نعتقد أن الحفاظ على مقولة الشرق شرق والغرب غرب هي دعوة للعزلة لا نقبلها.

س) ضمن هذا الفهم هل غيرت موقفك من الدين، ولم تعد من اليساريين الذين يتحدثون عنه باعتباره أفيونا للشعوب؟.

ـ تهمة الحديث عن الدين باعتباره أفيونا للشعوب هي تهمة موجهة لكارل ماركس، وهي غير صحيحة، ولم يقبلها ماركس. ويمكن أن ننظر بعيون الواقعي: هل استطاع الاتحاد السوفياتي أن يمحو الدين من المجتمع؟، وماذا نرى في المجتمعات التي كان يحتلها؟، مقولات استئصال الدين مقولات طوباوية، فالتدين مسألة تدخل في جوهر وعمق الإنسان وفي رؤيته إلى الوجود والخلود، لذلك كانت خطيئة الشيوعيين في الماضي إنكارهم لذلك.

ان الدين هو إحدى المكونات التي تعطي للإنسان مادة لإزالة القلق والحصول على الراحة وتفسير ما يعجز عن تفسيره. لكن مشكلة العلمانيين والمتدينين هي مشكلة الرؤية إلى الكون ومحاولة اكتشافه التي لا يمكن أن تتم إلا بطريقة علمية.

وقد فتح الدين الإسلامي مجالا كبيرا بفصله بين العقائد، وبين النظر إلى الحياة وتفسيرها حسب الزمان والمكان، وهذه مسائل فقهية تعلمناها في كلية الحقوق، لكن للأسف حُمل القرآن بأوجه عديدة، ولذلك علينا أن نجتهد بما يلائم عصرنا، على أساس النظر إلى الدين والمتدينين من منظور طبيعي، لكننا لا نستطيع إلا أن نكون علمانيين في تفسير الحياة والظواهر التي تشهدها، وبالتالي نستطيع أن نتقدم بتقدم العلم، وضمن هذا نفهم مقولة أن “الدنيا دار بلاء وابتلاء” على أن نقوم بعملنا جيدا ونجتهد لإعطاء تفسيرات تتلاءم والعصر. ولذلك نحن بهذا المعنى مع حرية المعتقد ومع حرية الضمير، وهذا يساعد على تلاقي العقائد المختلفة بدل أن تتصارع، وهو ما يفتح الباب لعلاقات إيجابية مع الشعوب للاستفادة من ثقافاتهم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى