المحكمة الدولية والزيارة الفرنسية لدمشق
رندة تقي الدين
منذ ان قرر الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي ان يراهن على اخراج سورية من عزلتها والعودة الى التحاور معها، وهو ما تبلور خلال قمة باريس التي عقدها مع نظيره السوري بشار الأسد، ثم الآن عبر زيارته لدمشق، تبخر الحديث في الاعلام اللبناني والعالمي عن موضوع المحكمة الدولية وأعمال لجنة التحقيق الدولية في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه.
وهذه الصدفة لا تعني قطعاً ان نهاية عزلة سورية لها علاقة بالتراجع أو تناسي المحكمة. فالمحكمة أصبحت أمراً لا مفر منه، واللجنة الدولية ورئيسها دانيال بلمار، مستمران في عملهما. ومن المتوقع ان ينتهي في نهاية السنة، عند تقديم تقريره الى مجلس الأمن. ومن يعتقد بأنها زالت مع الانطلاقة الجديدة بين باريس ودمشق يخطئ.
والأكيد ان عدم الحديث عن هذه المحكمة الآن أصبح أمراً إيجابياً لأنه ابتعد عن التجاذبات السياسية، ولو ان اغتيال الحريري والاغتيالات الأخرى التي تبعتها كانت كلها جرائم سياسية.
والمحقق الدولي سيخرج بنتائج ملموسة ويطلب محاكمة من يعتبرهم مسؤولين عن الجرائم التي أودت بحياة الحريري ورفاقه وكل الأبرياء الذين سقطوا شهداء بعده. ويراهن ساركوزي على فتح صفحة جديدة مع سورية حول لبنان مع عدم التخلي عن المحكمة الدولية. وهو يريد من سورية ان تضع برنامجاً زمنياً لتحركاتها يظهر ان نيتها تغيرت حيال لبنان.
فتم الاعلان عن تبادل علاقات ديبلوماسية، وساركوزي يريد ان يقترن هذا الاعلان ببرنامج زمني لترسيم الحدود بين البلدين والاعتراف بلبنانية مزارع شبعا، كما يريد خطوات ملموسة على صعيد حقوق الانسان والمفقودين اللبنانيين في السجون السورية.
وطموح ساركوزي كبير في انفتاحه والانطلاقة الجديدة مع سورية، التي يريد منها ان تعمل على اقناع ايران بأن نهجها في تطوير برنامج نووي عسكري غير صالح وغير مقبول. وتعتبر فرنسا ان سورية تحدثت مع ايران حول الموضوع وانما من دون التوصل الى نتيجة. وتوقعات ساركوزي كبيرة وقراره التحاور مع سورية رهان يخوضه لأنه على قناعة بأن من لا يحاول لا يحصل على شيء.
وساركوزي في سياسته المبنية على القطيعة مع ما سبقه، كما يحب ان يذكر تكراراً، راغب في ان يختبر بنفسه ما قاله له شركاؤه في العالم العربي، من ان لا جدوى من الحوار مع سورية.
ومع انه عازم على الاستمرار في هذه المحاولة، فإن السؤال هو ما إذا كان سيتمكن من الحصول عما يريده.
فسورية أكدت أكثر من مرة أنها لا تريد شروطا على صعيد العلاقات مع فرنسا، وهي، بحسب أكثر من مراقب، أدركت ان لبنان عامل اساسي في الصفحة الجديدة الفرنسية – السورية، لكن ساركوزي يريد أفعالاً ولن يكتفي بالوعود.
والقمة الرباعية التي تعقد في دمشق بمبادرة سورية لن تغير في المسعى الفرنسي، لكنها ستعطي زخماً لخروج سورية من عزلتها، عبر حضور ساركوزي الذي يرأس الاتحاد الأوروبي حالياً، والرئيس الدوري للقمة الخليجية امير قطر ورئيس حكومة تركيا الذي يرعى المفاوضات غير المباشرة بين سورية واسرائيل.
إلا أنه طالما بقيت علاقة سورية مع دول عربية اساسية سيئة، فإن القمة الرباعية لن تؤدي الى تسوية مشكلة رئيسية وهي عودة الثقة العربية بنهج سورية، في ضوء بروز تغيير فعلي على هذا الصعيد. وساركوزي سيختبر ذلك بنفسه، ومن خلال رهان ينطوي على مجازفة في حال عدم نجاحه.
لكنه كما قال للرئيس اللبناني ميشال سليمان، عندما التقاه في باريس، ان على «الرئيس ان يقدم على مجازفات وان يعمل ويتحرك». كما ان ساركوزي شجع سليمان على الدخول بدوره في مفاوضات مع اسرائيل على غرار سورية. والمستقبل سيظهر ما إذا كانت ديبلوماسية ساركوزي رهاناً ناجحاً.
الحياة – 03/09/08