مخاطرة ساركوزي

ساطع نور الدين
لا يمكن الادعاء ان لزيارة الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي اليوم الى دمشق هدفا لبنانيا، مثلما لا يمكن الزعم ان لبنان سيسقط من جدول اعمال تلك الزيارة المثيرة للجدل في بيروت. كانت الازمة اللبنانية شرطا الزاميا لتطبيع العلاقات بين باريس ودمشق. لكن كلتا العاصمتين تعتبر الان انه جرت الاستجابة بشكل او بآخر لهذا الشرط الذي ظل عائقا فعليا طوال السنوات القليلة الماضية.
يصعب القفز الى الاستنتاج ان ساركوزي قرر العودة الى التقليد الغربي والدولي القديم الذي كان يرى ان طريق بيروت تمر عبر دمشق، وكان على أي زائر كبير للعاصمة اللبنانية ان يحصل على الضوء الاخضر من العاصمة السورية، وان يرجع اليها في طريق عودته الى بلاده. لكن الزيارة الرئاسية الفرنسية تترك هذا الانطباع، وان كان ليس ثمة شيء يدعمه، بل ربما كان هناك الكثير من الدلائل اللبنانية التي تبرر لباريس الانفتاح على سوريا بعد طول انقطاع.
هناك خلاف جوهري بين القوى الخارجية المعنية بلبنان حول تقييم اوضاعه الداخلية. وليس من الصعب العثور على اجتهادات عربية ودولية تعتقد ان الحرب الاهلية ما زالت خطرا داهما، وهي تتعارض مع باريس في قراءتها الايجابية لما شهدته الازمة اللبنانية من تطورات امنية وسياسية طوال الاشهر الخمسة الماضية. لكن زيارة ساركوزي لدمشق لا تمثل استخفافا فرنسيا بهذه الاجتهادات ولا تحديا لها، بقدر ما تشكل مسعى خاصا للبحث عن بديل غير العزلة والحصار لسوريا الذي لم يثبت جدواه.
وهناك تقدير بان لبنان لم يكن حجة فرنسية جدية، بل كان مجرد ذريعة تنتهي اليوم عندما يتضح ان ساركوزي موجود في دمشق وفق لائحة اولويات مختلفة عن كل ما روج في الفترة الماضية من حرص على الاستقرار والاستقلال اللبناني، وعن كل ما تم التوصل اليه بين اللبنانيين منذ اتفاق الدوحة الى اقامة العلاقات الدبلوماسية اللبنانية السورية، التي لا تزال باريس تصر على اعتبارها انجازا باهرا، مع انها هزار جامح.
لكن جدول الاعمال الثنائي السوري الفرنسي، لا يخلو ايضا من الهزار . كان الرئيس السوري بشار الاسد شديد الوضوح عندما اعلن في باريس وبالتحديد عندما شارك في مؤتمر الاتحاد المتوسطي وفي احتفالات العيد الوطني الفرنسي، ان ساركوزي لا يفك العزلة عن سوريا، بل هو يفك عزلة فرنسا نفسها. وكانت الرئاسة الفرنسية شديدة الوضوح ايضا عندما ابلغت دمشق بان ساركوزي لن يقوم بزيارته الرسمية اذا لم يتم الافراج عن ١٢ معتقلا سياسيا في السجون السورية… ما زالوا حتى اللحظة خلف القضبان ولن تتاح لهم او لاسرهم مقابلة الرئيس الفرنسي لشكره على جهوده لاطلاقهم.
هي مخاطرة حسب تعبير ساركوزي نفسه في خطابه الاخير امام السلك الدبلوماسي الفرنسي، لكنها يمكن ان تثمر بعض الصفقات الاقتصادية التي تضمنها قطر وتشهد عليها تركيا ومن يقف وراء هذين البلدين اللذين لا يحبان المخاطرات.
السفير