صفحات سورية

ساركوزي في دمشق بأعين مفتوحة على الأسد

إيلي الحاج
إيلي الحاج من بيروت: تكتسب  زيارة الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي لسورية اليوم من كونها أول عملية خرق للعزلة عن العالم الغربي التي عاناها النظام السوري إثر اغتيال رئيس الحكومة اللبنانية السابق رفيق الحريري عام 2005، وهي تعطي دمشق فرصة واسعة للإنخراط في صنع السياسة الإقليمية والإنفتاح مجددا على الغرب إذا أحسنت القيادة فيها الإفادة من الظروف المتاحة لها ، الأمر الذي تشك فيه دول غربية وعربية أيضاً، فضلاً عن فئات واسعة من الشعب اللبناني تحافظ على توجسها ، المبرر في نقاط عديدة، من خلفيات حزب البعث الحاكم في سورية تجعله يقرن موافقته على إعلان قيام علاقات دبلوماسية طال انتظارها أكثر من 60 عاماً مع الجار الصغير حجماً، بمواقف أخرى توحي تطلع سورية إلى تماهٍ في علاقتها بلبنان بعلاقة روسيا بجورجيا.
رغم ذلك يركب ساركوزي الرهان ويذهب إلى دمشق التي كان سلفه جاك شيراك راهن طويلاً على قيادتها الشابة قبل أن يقطع الأمل منها، لتبلغ خيبته من حكامها الذروة مع اغتيال صديقه رفيق الحريري بعبوة هائلة الحجم توقع الجبال، علماً أن دمشق لا تزال حتى اليوم تنفي علاقتها بهذه الجريمة . لذلك كان على الرئيس بشار الاسد أن ينتظر دون ملل تغييراً في الرئاسة الفرنسية،  عاملاً في الوقت نفسه على تحسين وضعه في لبنان حيث اضطر إلى إخراج جيشه منه بعد 30 عاماً من التدخل والإحتلال ، متكلاً هذه المرة على حلفائه القدامى والجدد بقيادة “حزب الله” الذين أخفقوا في ما مضى في منع تشكيل “المحكمة الدولية” لمحاكمة قتلة الحريري ورفاقه، لكنهم  يعدونه بترجيح الكفة السياسية في اتجاه قيادة الأسد من خلال الإنتخابات النيابية المقبلة عام 2009.
يدرك ساركوزي هذه الحقائق ويلاحظ أن القيادة السورية لا تزال تمارس سياسة كسب الوقت في انتظار جلاء نتائج الإنتخابات الرئاسية الأميركية وتراهن على متغيّرات دولية واقليمية لاح بعضها في الأزمة الجورجية – الروسية، واتضح له وللغربيين من التصريحات السورية الداعمة لروسيا  في ما تعتبره دول الغرب اعتداء على جورجيا أن هذه المواقف لا تتناسب مع الرغبات التي يظهرها الأسد في إجراء مفاوضات سلام جدية مع إسرائيل وفي دخول واشنطن على خط هذه المفاوضات. ولعل ما آلم ساركوزي في تصريحات الأسد أن الرئيس الفرنسي كان قد قدم شخصيا  مبادرة لإنهاء حرب جورجيا باعتبار أن بلاده تترأس حالياً الاتحاد الاوروبي الذي لا يقبل احتلال روسيا لجورجيا، وأنه كان شخصيا قدم خدمة لا تقدر بثمن إلى بشار الأسد بدعوته إلى القمة الأوروبية- المتوسطية التي انعقدت في باريس، حيث حل ضيفاً مميزا ونجماً إعلامياً في احتفالات العيد الوطني الفرنسي في 14 تموز/ يوليو الماضي. ويومها انتقد كثيرون في فرنسا ساركوزي لدعوته الأسد ” ذي النزعة الديكتاتورية”  حتى من داخل حزب الرئيس الفرنسي، لكنه واصل الرهان والإنفتاح على الرئيس السوري الشاب.
وكان ساركوزي اتبع مع الأسد أسلوب “العصا والجزرة” ، إذ أعلن خلال زيارة  للقاهرة قطع الإتصالات  الثنائية مع سورية متهما إياها بإعاقة انتخاب رئيس جديد للبنان، ومشترطا لاعادتها حدوث تقدم إيجابي في هذا البلد ، أمنيا وسياسياً ، محكما بذلك الربط بين تطور العلاقة الفرنسية مع سورية واضطلاع سورية بدور ايجابي في لبنان عبر من تسميهم “حلفاء” لها فيه.
والواقع أن الإنتقادات لسياسة الانفتاح على الأسد تجاوزت الداخل الفرنسي إلى الأميركيين وأصدقاء فرنسا العرب الذين يستندون في موقفهم هذا إلى حال عدم ثقة مزمن بالنظام السوري ورغبته في التكيّف مع الحقائق السياسية الجديدة، وفي الإضطلاع بدور ايجابي في المنطقة، سواء في لبنان أو العراق أو فلسطين، لكن ساركوزي الذي يعترف بوجود ضغوط عليه لوقف انفتاحه على الاسد، رد على ذلك بإشارة فيها التبرير والتباهي الى انجازات ونتائج حرزتها سياسته وفي مقدمها التقدم في لبنان مع عودة الحياة الى مؤسساته الدستورية بعد انتخاب رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان وتشكيل حكومة الوحدة الوطنية وخصوصاً إعلان سورية موافقتها على إقامة علاقات دبلوماسية مع لبنان، وتحسن  الأوضاع الأمنية إلى حد كبير في هذا البلد الذي يهم فرنسا كثيراً ، لاعتبارات تاريخية وثقافية وسياسية يطول شرحها .
وانطلاقاً من رصيده لدى النظام السوري يتطلع ساركوزي إلى دور لفرنسا في رعاية المفاوضات الاسرائيلية – السورية  على غرار ما تفعل تركيا في غياب الدور الأميركي في هذه المسألة تحديداً.
لكن منتقدي سلوك ساركوزي يواصلون هجومهم على سياسته ويقولون أنها تفتقد المبررات ، فالمفاوضات الاسرائيلية – السورية التي تتطلع فرنسا الى الإضطلاع بدور فيها، باتت في حكم المجمدة عمليا ليس بسبب الأزمة السياسية في اسرائيل وسقوط رئيس حكومتها إيهود أولمرت فحسب،  والقيادة السورية لا تزال تحت المراقبة الاوروبية  في انتظار تغيير واضح ونهائي في سلوكها سواء في لبنان أو المنطقة ككل.
في أي حال يلاحظ أن ساركوزي الذي يزور دمشق إيفاء لوعد قطعه للأسد اذا ما التزم اقامة علاقات دبلوماسية مع لبنان، يبدو حذرا ومتريثا في مزيد من الانفتاح على سورية في هذه المرحلة، ولا يعطي العلاقات مع قيادتها دفعا عمليا ،بدليل خلو وفده من رجال المال والأعمال والاقتصاد وكبار المستثمرين، وطغيان الطابع السياسي على الزيارة، وتقدم الدور الاقليمي لكل من البلدين على مسألة العلاقات الثنائية، وبروز موضوع القمة الرباعية بندا أساسيا ومتقدما في برنامج الزيارة. قمة يشارك فيها الى الاسد وساركوزي رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان بصفته وسيطا في المفاوضات السورية – الاسرائيلية وأمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني بصفته راعيا للوفاق اللبناني ولاتفاق الدوحة الذي أنهى أزمة سياسية كانت قد تمادت في لبنان وتحوّلت أمنية بفعل انفلاش مفاجىء لحليف دمشق الرئيسي “حزب الله” في أيار / مايو الماضي.
ولكن يبقى ضرورياً انتظار النتائج . ومن المبالغة وصف اتجاهات ساركوزي السياسية بأنها مجرد استعراض تمثيلي يتقنه، خصوصاً أن بجانبه وزيراً للخارجية هو برنار كوشنير الذي بدأ مهماته في الشرق الأوسط منذ السبعينات شديد السذاجة لكنه اكتسب خبرة، خصوصاً في قضية لبنان تجعله لا ينفك يدعو منذ مدة إلى إبقاء كل الأعين مفتوحة باستمرار. فالتعامل مع النظام السوري يقتضي الحذر والتنبه، ثم المزيد من الحذر والتنبه.
ايلاف

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى