لقاء دمشق بعد لقاء باريس
رضوان السيِّد
أتى الى دمشق كل من رئيس الجمهورية الفرنسية، وأمير دولة قطر، ورئيس الوزراء التركي، والدافع للقاء ـ بعد لقاء باريس ـ كما قال الرئيس الأسد في المؤتمر الصحفي مع الرئيس الفرنسي: البحث في عملية السلام واستمرارها وتحقيق نتائج من خلال المفاوضات. لكن ساركوزي أضاف لذلك موضوعين آخرين: معارضة فرنسا حصول إيران على السلاح النووي، وإمكان وساطة سوريا في ذلك. والحفاظ على سيادة لبنان واستقلاله واستقراره. وأضاف ساركوزي أن الرئيس الأسد وفى بالتزاماته تجاه لبنان من خلال انتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة اتحاد وطني، ولذلك كافأه الرئيس الفرنسي ـ كما وعده ـ بالزيارة!
في الأساس. للبنان مصلحة بإعادة توجيه السياسة السورية نحو استعادة الجولان؛ بدلاً من التعاقد مع الدول الكبرى والاقليمية على القيام بمقاولات وإنفاذ مهمات للمصالح المشتركة بين تلك الأطراف: إنما الذي يبدو أن النظام في سوريا ما أحدث قطيعة بين سياساته قبل الخروج من لبنان، وسياساته الحالية. فهو معروف بأنه ارتهن الرئاسة والحكومة في لبنان للحصول على مكاسب، تمثلت في انفتاح فرنسا عليه. وهو يثير الاضطرابات في شمال لبنان الآن، لكي يدفع السعودية ومصر الى الانفتاح عليه. وهذان الطرفان العربيان إنما قطعا الاتصالات بذلك النظام منذ مؤتمر القمة بدمشق من أجل تدخلاته ورهاناته بلبنان بالذات. فعساه ما دام قد استجاب لفرنسا ـ كما يقول الرئيس الفرنسي ـ في رئاسة الجمهورية وتشكيل الحكومة، يستجيب لها أيضاً في إيقاف تدخلاته بشمال لبنان، وسحب المسلحين الفلسطينيين الآتين من سوريا من على الأرض اللبنانية، وإيقاف تسليح الميليشيات التي يصطنعها بالداخل اللبناني.
أما المفاوضات (غير المباشرة) مع اسرائيل، فهي تأتي في السياق نفسه. فقد ظل النظام السوري، وطوال قرابة الأربعين عاماً يعارض المحادثات الثنائية أو المفاوضات بين اسرائيل وطرف عربي دون الأطراف الأخرى. وبالفعل فإن المفاوضات الثنائية فشلت أو حققت اتفاقيات سلام لا تخدم المصالح العربية. لكن الرئيس بشار الأسد يخوض الآن مفاوضات سلام غير مباشرة مع اسرائيل بوساطة تركية. وقد قال أمس انه لا يعارض انضمام أطراف أخرى (يقصد فرنسا) لرعاية المفاوضات! بيد ان هدفه الرئيس من وراء إجراء المفاوضات إنما هو دفع الولايات المتحدة لرعايته، كما سبق أن قال عدة مرات، فحتى في مسألة خطرة مثل استعادة الأرض المحتلة، يريد الرئيس الأسد استعادة الانفتاح الأميركي على النظام، رغم ان الاسرائيليين ما اشترطوا الرضا الأميركي للدخول في التفاوض معه!
وهكذا فإن السياسة السورية ما تغيرت ولا تبدلت، وبقيت سياسة علاقات عامة، وصفقات متبادلة، ولا فرق في ذلك بين الأمور الصغيرة والأخرى الكبيرة.
إنما لماذا جاء الرؤساء الى دمشق؟ يستطيع الرئيس الأسد أن يطمئن الى أن هؤلاء ما كانوا ليأتوا الى دمشق لولا ضوء أخضر أميركي. إذ الملحوظ أن كل التفاوض وعلى سائر المسارات تعطل أو تعثر، وعلى مشارف “التعطل” الأميركي بمناسبة الانتخابات الرئاسية. وكان الباحث الاستراتيجي الألماني فولكر بيرتس قد اقترح على الأميركيين والأوروبيين ـ بعد انتهاء رئاسة فرنسا للاتحاد الأوروبي ـ تكليف سولانا برعاية المفاوضات الشرق أوسطية بكافة مساراتها حتى الربيع القادم، حيث تستطيع الادارة الأميركية الجديدة أن تعود للاهتمام من جديد. لقد جاء الشباب إذن الى دمشق ليبلغوها بالرضى الأميركي، وبضرورة استمرار التفاوض مع اسرائيل. وفي مقابل ذلك ذكروا لها محاسن غير واقعية: الاسهام الايجابي في لبنان، والوساطة مع طهران على النووي! وكلا الأمرين ما كانا ولن يكونا ما دامت السياسة السورية لم تتغير!
يخشى الأوروبيون، وبعد أحداث جورجيا، أن يؤدي الجمود في المنطقة الى حروب صغيرة أو كبيرة. ولذلك يريدون استمراراً للمفاوضات السورية ـ الاسرائيلية، واستمراراً للاتصال بين المجتمع الدولي وطهران، واستمراراً للتفاوض الاسرائيلي ـ الفلسطيني. الأميركيون مصرون على الاستمرار في رعاية التفاوض الاسرائيلي ـ الفلسطيني. أما المسارب والمسارات الأخرى فالمطلوب من الأوروبيين (والأتراك) السير فيها بقدر الامكان، لتجنب مخاطر الجمود، ولهذه الناحية فإن الرئيس الأسد طمأنهم الى أنه لن يقطع التفاوض، وإنما تعطلت الجولة الخامسة لأن رئيس المفاوضين الاسرائيليين استقال، ورئيس الحكومة الاسرائيلية يريد أن يستقيل أيضاً!
ليس لدى النظام السوري مشروع، ولا استراتيجية. وإنما الأمر أمر مساومات على تبادلات، لا تراكم فيها ولا مصلحة بعيدة المدى. ولذا فإن على اللبنانيين والفلسطينيين والعراقيين أن يظلوا على حذر، أو ينزل بهم من النظام السوري ما سبق أن نزل طوال ثلاثين عاماً، وليس في مواجهة اسرائيل ولا الولايات المتحدة. ولا حول ولا قوة إلا بالله!
المستقبل