سوريا المفتاح
غاصب المختار
أدركت فرنسا، ومعها أوروبا، متأخرة أن سوريا هي مفتاح المنطقة وقلبها النابض فعلاً، حتى لو كانت كل دول العالم ضدها وتمارس عليها منذ سنوات طويلة حصاراً وتضييقا وابتزازاً وتهديدات، بل إنها تعرضت لأكثر من عدوان عسكري اسرائيلي وربما أميركي، من أجل زحزحة هذا المفتاح ووضعه في غير القفل الخاص به. وهذا القفل هو قرار السلم والحرب في المنطقة، يعني قرار الاستقرار التام والنهائي، ومن دون هذا المفتاح ستبقى المنطقة مقفلة على المجهول.
ومهما تأخرت الولايات المتحدة في إعلان اعترافها الصريح بأهمية دور سوريا في المنطقة، فإنها ستضطر عاجلاً أم آجلاً الى الإقرار بذلك، بل إن كل تأخير سيشكل ضرراً إضافياً على دول المنطقة ويزيد مآسي شعوبها، ومن ضمنها »شعب اسرائيل« المدلل، الذي خيضت من أجل رفاهه كل الحروب منذ أكثر من ستين عاماً، ولم تحقق له هذه الحروب ما ينشده من أمان واستقرار، فدفع مثل غيره من شعوب المنطقة ثمن السياسة الأميركية العمياء، خاصة خلال حرب تموز .٢٠٠٦
والمفارقة أن هذا المفتاح لم يصدأ بعد، وما زال في أحسن حال صالحاً للعمل في كل الظروف، وثبت أن سوريا وشعبها ما زالا صمام أمان حقوق الدول والشعوب العربية، حتى لو تراجعت الانظمة عن حقوقها في كامل أراضيها وسيادتها الحقيقية، وبقي لبنان ومقاومته وفلسطين ومقاومتها، والفضل الاكبر بذلك يعود الى الدعم السوري، ولبعض الدول التي تساند حقوق الشعوب.
دليل أهمية سوريا أن محادثات الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي في دمشق خلال اليومين الماضيين، شملت كل ملفات المنطقة، من العراق الى فلسطين ودارفور وصولا الى لبنان، إضافة الى موضوع التسوية السلمية في المنطقة ومفاوضات السلام غير المباشرة بين سوريا واسرائيل. وإذا كانت هذه الملفات تهم لبنان لأن استقراره النهائي مرتبط باستقرار المنطقة، فإن لبنان حصل من القمة الثنائية السورية ـ الفرنسية والقمة الرباعية السورية ـ الفرنسية ـ القطرية ـ التركية على ما يُمكن أن يُريح باله، لجهة تأكيد الموقف السوري وبضمانة عربية أوروبية، على دعم مسيرة استقراره وبناء دولته ومؤسساته، ومساعدة العهد الجديد برئاسة الرئيس ميشال سليمان وانطلاقته في كل خطواته الاولى.
وهذا التعهد السوري الجديد ـ القديم، لا تلزمه إضافة إجراءات عملية من قبل سوريا فقط، بل ايضا يلزمه صدق النيات من قبل بعض الاطراف اللبنانية لتحسين وتطبيع العلاقات، من دون ربط ذلك بأي أحلاف ومشاريع خارجية عربية أو غربية.
تطبيع العلاقات اللبنانية ـ السورية هو حاجة وضرورة لبنانية قبل أن تكون سورية، بمعزل عن أي استراتيجية أو أولوية اخرى لبنانية أو عربية أو غربية، وتصحيح العلاقات ممره تصحيح النظرة واتجاه البوصلة، وقد وضع الرئيس سليمان هذه البوصلة باتجاهاتها الصحيحة أمام الجميع ولمن يريد أن يرى ويسترشد الطريق الصحيح، خلال لقائه الرئيس السوري بشار الاسد، وقبل ذلك في القمة التي جمعته في باريس مع الرئيسين الاسد وساركوزي. فهل من يستخدم هذه البوصلة لتحديد مسار الطريق، أم تبقى العملية مجرد نكايات وتسجيل مواقف، إن لم نقل تسجيل نقاط في حسابات خارجية لا مصلحة للبنان فيها. فمفتاح استقرار لبنان هو سوريا ، وأي كلام آخر محض أوهام، والمساهم من العرب في تقريب المسافات بين لبنان وسوريا يكون وفياً فعلا لمصلحة لبنان.