غطرسة فرنسية في دمشق!
ساطع نور الدين
لم يتضح ما إذا كانت العجرفة الفرنسية الشهيرة هي التي دفعت الرئيس نيكولا ساركوزي الى تعمد الوصول الى العاصمة السورية عند الخامسة والنصف من عصر يوم الخميس، اليوم الرابع من شهر رمضان، والتوجه الى القصر الجمهوري على الفور لعقد لقاء مع الرئيس السوري بشار الاسد امتد من السادسة والنصف وحتى السابعة والنصف، اي بعد ثلث ساعة على موعد الافطار، تبعه على الفور مؤتمر صحافي مشترك دام حتى الثامنة والربع، موعد صلاة العشاء، والانتقال بعده الى احد مطاعم دمشق القديمة لتناول عشاء علني لا يقع ضمن مواقيت شهر الصوم، بل ضمن جدول مواعيد الوجبات اليومية في فرنسا.
ولم يُعرف ما إذا كانت الغطرسة الفرنسية هي التي جعلت الرئيس ساركوزي يبدي ضيقا ظاهرا للعيان من وجوده في العاصمة السورية، ويحرص على الايحاء بأنه لا يقوم بزيارة ود وصداقة الى البلد الذي سبق ان زاره قبل سنوات عندما كان وزيرا في حكومة الرئيس السابق جاك شيراك، بل هو يؤدي واجبا، وينفذ التزاما سابقا، لا يستدعي حتى توزيع الابتسامات ولا العبارات والحركات الحميمة التي تتسم بها ايضا الشخصية الفرنسية عندما تزول الحواجز النفسية… ولا يتطلب طبعا اصطحاب زوجته المثيرة كارلا بروني في مثل هذه الزيارة الاستثنائية، بل مخابرتها من هاتفه الخلوي الذي كان يحمله في جيبه، فور دخوله الى السيارة الرسمية اثر انتهاء المؤتمر الصحافي.
ولم يتبين ما اذا كان الصلف الفرنسي هو الذي جعل ساركوزي يبدو طوال الوقت متأففا، متعجلا في جلسات المحادثات الرسمية للقمة التي لم تستغرق سوى ساعتين، وحريصا على ابراز نقاط الخلاف مع القيادة السورية اكثر من نقاط الاتفاق، وعلى طرح المطالب والشروط اكثر من تقديم العروض والحوافز لإنهاء الازمة في العلاقات بين البلدين، بما فيها الصفقات الاقتصادية التي قيل انها كانت احد اهم اهداف الزيارة، ثم ظهر انها كانت مجرد تمديد لعقود سابقة لا تخرق العقوبات الاميركية، وتؤكد الالتزام بها.
ولم يظهر ما اذا كان التكبر الفرنسي هو الذي دفع ساركوزي الى الايحاء اكثر من مرة ان دمشق لا تزال قيد الامتحان، والى التأكيد ان زيارته بحد ذاتها هي مكافأة مشروطة لسوريا على حسن سلوكها لا تحظى بموافقة الادارة الاميركية، وان القمة الرباعية مع الرئيس الاسد وامير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني ورئيس وزراء تركيا رجب طيب اردوغان هي مجاملة عابرة تسببت له بالكثير من الاحراج، وأجبرته على توجيه التحية العلنية الرقيقة مرتين، ومن دون مناسبة، الى الرئيس المصري حسني مبارك والملك السعودي عبد الله بن عبد العزيز..
ولم يعرف ما اذا كان الاستعلاء الفرنسي هو الذي دفع ساركوزي الى الظهور بمظهر النادم على زيارة دمشق ، او الحريص على خفض اهميتها اكثر مما كان مرتقبا، ورفع ثمنها اكثر مما كان متوقعا.. لكن الرسالة وصلت الى الكثير من العواصم التي كانت تراقب سلوكه المريب في العاصمة السورية.