الرخاء لا يعني الديمقراطية والعكس بالعكس
بيار أنطوان دالهموماي
ترجمة: محمد صدام
إنه لأحدُ الدروس الاقتصادية المُحزنة لربيع هذه السنة وصيفها: الرخاء الذي يُمكن أن يتمتع به بلد ما، لا يُلطـّف شيئا من طبائع حُكـّامه. فقد سجّلت كلّ من الصين وروسيا، في غضون الأعوام الأخيرة، نتائج نموّ قياسية. غير أنّ هذا لم يمنع الأولى من قمع مظاهرات التبتيين قمعا عنيفا والثانية من إرسال قنابلها على جورجيا.
فنحن إذن بعيدون كل البعد عن العالم المثاليّ والكمالي لنهاية تاريخ كان يحلم بها البعض، حيث يقود تحسين مستوى عيش سكان بلد ما، وكذلك تطوير مبادلاته التجارية والانفتاح على الراساميل الأجنبية، حكومة ذاك البلد على أن تكون تلقائيا أقلّ استبدادية وأكثر مسالمة.
بل يبدو على عكس ذلك، أنّ تراكم الثروة الوطنية يرافقه استفحال الشعور بالقوة والجبروت لدى القادة والحكام. ففي موسكو تتصاعد الغطرسة العسكرية بنفس النسق الذي تتراكم فيه عائدات البترول والغاز من العملة الصعبة، وكلما زاد سعر برميل النفط في الارتفاع أحسّ الكرملين نفسه أكثر قوّة ورغبة في إظهار ذلك لبقية العالم.
وأيّ عقوبات يُمكن أن تخشاها بكين، بخصوص تصرّفها في التبيت، عندما تكون هي المُموّل البنكيّ للولايات المتحدة، عبر 1500 مليار دولار من احتياطي الصرف، يُستثمر معظمها في قروض الاستدانة للخزينة الأمريكية؟
إذا كان الرخاء الاقتصادي لا يُحوّل نظام حكم إلى نظامٍ أقلّ تسلطية، فإنّه لا يبدو أنّ للديمقراطية – وهذا أكثر تخييبا للآمال – وقعا إيجابيّا على نسبة النمو. على أية حال، كانت تلك هي خلاصة ما يقارب عشر بُحوث جدّية أجريت حول الموضوع. لا يجب أن ننخدع بأنّ العالم شهد خلال الفترة القريبة الماضية توسّعا اقتصاديا لا سابق له وبأن نسبة البلدان الديمقراطية لم تكن أرفع مما هي عليه اليوم (64 بالمائة حسب المنظمة غير الحكومية Freedom House ). فكما يلاحظ ذلك “دانيال كوفمان” Daniel Kaufman مدير برنامج الإدارة الرشيدة بالبنك العالمي “لا يوجد هناك رابط سببيّ (مباشر) وواضح بين الديمقراطية والنمو”.
كل الحالات يُمكن لها أن تظهر داخل الدول النامية: نموّ قويّ ونظام تسلطيّ (فيتنام – الصين)، نموّ قويّ ونظام ديمقراطيّ (بوتسوانا – الشيلي)، نموّ ضعيف ونظام تسلّطي
ّ(كوبا – الكنغو)، نموّ ضعيف ونظام ديمقراطيّ (المجر – السينغال).
إنّ التفوّق الحقيقيّ الوحيد للبلدان الديمقراطية في ما يتعلق بالنموّ – وهذا ما أكّد عليه عالم الاقتصاد الأمريكيّ “جوزيف سياغل” Joseph Siegle – يتمثّل في كون نموّها أقلّ قابلية للتبخّر والتلاشي. بعبارة أخرى، عندما يُُسيّر بلد بطريقة ديمقراطية يكون أقلّ عرضة لكارثة اقتصادية (فترة انحسار قويّ أو تضخّم مفرط) من بلد نظامه تسلطيّ.
ففي أمريكا اللاتينية أدّى النسق الديمقراطيّ الجاري منذ تسعينات القرن الماضي إلى انخفاض مُلفت لمثل تلك الكوارث: ففي حين سجّلت 36 حالة تضخّم سنويّ بنسبة تفوق المائة بالمائة خلال الثمانينات، لم تسجّل منها منذ سنة 1992 سوى 5 حالات فقط. ومن بين أسوء نتائج النمو السنويّ الثمانين المسجّلة منذ سنة 1960 نجد 5 حالات لا غير محسوبة على دول ديمقراطية.
ونجد أخيرا أنّ البَلـَدين اللذين يشهدان اقتصادا منهارا ولا يمكن وصفهما بأنهما في طريق النمو- هما دكتاتوريتان: كوريا الشمالية التي تنتقل من مجاعة إلى أخرى والزامبيبوي التي فاقت نسبة التضخّم فيها المليون بالمائة. حكومة منتخبة في إطار نظام ديمقراطيّ تكون قد سقطت واطردت من الحكم قبل وصول الأمور إلى تلك الدرجة من التدهور والتعفن. ورأينا – حديثا – كيف أن نمُوّا رَخـْوًا بعض الشيء كان كافيا لإسقاط مثل تلك الحكومات.
” بيار أنطوان دالهموماي ” Pierre-Antoine Delhommais
صدر المقال بصحيفةلو مند
موقع الآوان