ما الذي يحرّك المجتمع العربي ؟
د.رشيد الحاج صالح
إن المتأمل للواقع السياسي والاجتماعي العربي المعاصر سرعان ما يلاحظ معاناة هذا الواقع من غياب «الحراك السياسي» وسيطرة حالة من الركود العام وانسداد أفق التغيير.ولقد أدى غياب ذلك الحراك السياسي إلى مجموعة من المشاكل زادت من آثاره السلبية وعقدت الوضع السياسي العربي. ويأتي على رأس تلك المشاكل عزوف غالبية فئات المجتمع عن المشاركة الفعالة في الحياة السياسية إما بشكل اختياري أو بشكل إجباري، بالإضافة إلى انشغال المجتمع بمشكلات أيديولوجية زائفة، وصعود «الانتماءات الوسطوية» كالانتماء للقبيلة أو الطائفة أو العائلة وذلك على حساب الانتماء للوطن، ناهيك عن الشعور بأن حالة الركود تلك هي حالة طبيعية على المجتمع أن يتكيف معها.
إن مثل هذا الوضع يدفعنا إلى تحليل الآليات التي تنتج حالة الركود وترسخها والعوامل التي تمنع المجتمع العربي من إحداث التغيير المرجو، والتحرر من حالة التراجع الحضاري والسياسي التي يعاني منها المجتمع العربي. ونحن في هذا السعي نريد أن نركز على النقاط التالية:
أولاً : إن الذي يحرك أي مجتمع هو حاجاته ومطالبه وليست الأيديولوجيات والشعارات السياسية المزيفة. لذلك فإن عملية تحريك المجتمع وإخراجه من حالة الركود الآسن لابد أن تمر بتلك الحاجات والمطالب. إذ لا بد من إقناع فئات المجتمع العربي بأن لها مصالح واسعة يمكن أن تجنيها من عملية التغيير. أما الشعارات الأيديولوجية الدينية والسياسية وشحذ الهمم وإشعال العواطف وإيهام الناس بأن العدو على الأبواب فقد تبين أنه ليس لها آثر كبير، لأنه ليس لها آثر واقعي محسوس بل يقتصر أثرها على الوضع العاطفي الانفعالي، ناهيك عن استخدام هذا الإيديولوجيات في السيطرة على المجتمع وإخضاعه لمصالح معينة دون أن ينتبه لذلك.
إن الانتقال من التفكير الأيديولوجي الذي يلهي الناس بمشاكل مزيفة إلى التفكير الاجتماعي الحاجاتي والمطلبي هو عمل إيجابي يساعد على دفع عملية التفكير بالتغيير نحو الطريق الصحيح. فالتفكير الايجابي الذي يحاول استيعاب الواقع وفهم المشاكل يفيد المجتمع أكثر من التفكير السياسي الأيديولوجي الذي ينشر ثقافة الانتماءات والتحزب واستحضار الماضي.
ثانياً: يجب التركيز على من له مصلحة في عدم التغيير؟ إذ من الواضح أن الفئات الحاكمة تقف ضد التغيير بكل قوة لأنها هي المستفيد الأكبر من حالة الركود. وأكثر من ذلك، أن سياسات تلك الفئات الحاكمة هي التي أرست حالة الركود السياسي والاجتماعي وأجهضت العوامل التي يمكن أن تساعد على بناء حراك سياسي ايجابي وفعال يشرك كل فئات المجتمع في بناء مجال سياسي يستجيب لمختلف المشاكل.
ثالثاً: إن عدم وجود استقرار سياسي في المنطقة عامل له دور كبير في عدم التفكير في التغيير داخل المجتمع.. فغياب الاستقرار يشوش على فئات المجتمع ويدفعها إلى الخوف من بعضها، الأمر الذي ينشر روحاً سلبية تحبذ إبقاء الأوضاع على حالها حتى يفرجها الكريم. وهذا واضح في حالة لبنان اليوم.
رابعاً : أن غياب «التنمية البشرية» أضعف الروح الوطنية للناس وهمّش فئات واسعة وحصر تفكيرها في هموم المعيشة اليومية، وهذا يصب في النهاية في مصلحة النظام السياسي العربي.. مما يدفعنا للتأكيد على أن غياب التنمية أو عدم جديتها هي عملية مقصودة وليست صعوبة لا يمكن التغلب عليها.
خامساً: إن الفئات والقوى التقليدية في المجتمع تقف في وجه التغير ولا تحبذه، وذلك للمحافظة على المكانة التي تحتلها في المجتمع . فرجال الدين وشيوخ العشائر وأصحاب الامتيازات العائلية لا يحبذون التخلي عن مكانتهم، كما أنهم يهتمون بمصالحهم أكثر من اهتمامهم بمصالح المجتمع ككل.
والآن كيف يمكن إيجاد إستراتيجية كلية تساعدنا على إيجاد أفق ايجابي للتفكير في مختلف القضايا السابقة.
إن الديمقراطية هي الفاعلية المشتركة التي تستطيع التفاعل مع كل المشكلات السابقة.. وهي مدخل للتفكير في مختلف الحلول الممكنة التي تسمح بإخراج المجتمع من حالة الركود السياسي. فالديمقراطية هي مطلب اقتصادي وسياسي واجتماعي، والمجتمعات الديمقراطية مجتمعات تتمتع دائماً بحراك سياسي ايجابي فعال يتكيف مع كل المشاكل.. ولذلك لابد من إقناع مختلف فئات المجتمع بأهمية الديمقراطية التي تساعد على تلبية حاجات كل الناس. فالديمقراطية مطلب حاجاتي أكثر مما هي شعار سياسي.
إن الديمقراطية هي السبيل لتحريك مجتمعاتنا!
كاتب من سورية