ما يحدث في لبنان

في انتظار النفط، آبار الأخوة وحدود السيادة

غسان تويني
حظنا كبير، نحن والأشقاء السوريين، الآبار التي حفرت، خطأ أو سهواً في الجانب اللبناني من حدود دير العشاير ليست آبار بترول، بل مجرّد مياه لا نشك في أنها غير عكرة، ولكن… مين بيعرف شو بيصير؟ كل شيء ممكن يتعكّر بسرعة هذه الايام في العلاقات (الاخوية!) بين البلدين.
المهم انقضت بسلامة وسجّل الحكم السوري نقطة علينا اذ ما ان تبلّغ الأمر حتى كلّفت دمشق الأمين العام للمجلس الاعلى السوري – اللبناني ابلاغ بيروت، بشخص رئيس الجمهورية اللبنانية ان الاوامر صدرت بوقف الحفر ريثما يتسنى للحكومتين ان تبحثا في الأمر، في اطار الاتفاقات المعقودة، ويجري الحسم اذذاك في جنسية المياه، والارض، وهل هي لبنانية حقاً أم سورية أم مجهولة الهوية؟!!
• • •
وكم نأسف لأن المراجع اللبنانية لم تأخذ باقتراحنا من اسبوعين وتبلّغ دمشق، عبر الامين العام إياه، رغبتها في دعوة المجلس الاعلى للنظر في جدول أعمال محدد مع جردة بكل القضايا العالقة بين البلدين والتنويه بأن عقد الاجتماع في بيروت يفسح في المجال للرئيس بشار الاسد لرد الزيارة لنظيره – وندّه – اللبناني… بدل مخاطبته من علو قمة دولية اقليمية في شأن مسألة أمنية محض لبنانية، أو هكذا كان يمكن اعتبارها لولا ان الأمن في الشمال اللبناني، و”طرابلس الشام” بصورة خاصة، يعني سوريا ذهاباً واياباً، أي بتعبير واضح صريح، أن عناصر تهديده نعرف جميعنا من أين تأتي، والى اين يمكن ان تعود، هي وسواها…
• • •
المطلوب الآن ان نمتنع عن الاستمرار في المناظرة التي فتح الرئيس الأسد بابها، وان نكتفي بالرد عليه، في اطار المجلس الاعلى وبواسطة الأمين العام السوري – اللبناني نفسه، إننا نشكره على تحذيره إيانا من الخطر الذي هو به أعرف، وعلى اقتراح ارسال قوة لبنانية مهمة الى طرابلس (وكأنه بذلك “يأذن!” متجاوزاً حدود السيادة) ومبادلته الاقتراح باقتراح مضاد هو أن نؤلف قوة مشتركة لضبط الحدود الشمالية بالذات فتمنع التسلل، أي تسلل، التسلل المستمر الآن من سوريا الى لبنان، والتسلل المحتمل في الاتجاه المعاكس من لبنان الى سوريا فتتعهده هذه الى ان يكمّل تجواله المعلوم لديها الى العراق او فلسطين…
ومن الضروري ان نذكّر الحكومة السورية، بل سيادة الرئيس الأسد شخصياً، بأننا ننتظر “على أحرّ من الجمر” (كما يقال في اللغة العامية السورية واللبنانية) ترسيم هذه الحدود بالذات دولياً على أمل الوصول بالترسيم الى شبعا ومزارعها الخ…
• • •
… والآن بمنتهى الجدّية: من المفيد، بل الضروري ان يدرك لبنان وتدرك سوريا ان هذه الحدود باقية لن تزول سواء جرى ترسيمها اليوم أو غداً أو بعد سنة… فالمطلوب – اليوم قبل غد، وهذه السنة قبل السنة المقبلة – المطلوب اشاعة اجواء ايجابية يجري التعايش في ظلها حتى لا تتكاثر آبار المياه من جانبَي الحدود. وقد يصحّ إذذاك المثل الدارج: “مَن حفر حفرة لأخيه وقع فيها”. ولهذا المثل تفسيرات عدة، وإمكانات “تشطير” لامتناهية… فلنتحاشَ التجربة.
ومن يدري ربما اكتشف واحدنا او آخر بئر نفط (أو غاز!!!) وبادر، بحسن نية، الى حفرها قبل ان يتسنى له اعلام “الأمين العام” بالأمر واستئذانه. فماذا يحدث إذذاك؟
• • •
تحاشيا لمثل هذه المفاجآت، نقترح على رئيس الحكومة ان يطلب من وزارة الصناعة والنفط غير المرهقة بكثرة الأعمال، وخصوصاً المنتجة أو القابلة لأن تصبح كذلك، أن تستخرج من محفوظاتها ملفين جديرين بأن ينظر فيهما بعد إعلام الشقيقة سوريا، او اقتراح تأليف لجنة مشتركة للنظر فيهما.
1 – ملف التنقيب عن النفط في منطقة سحمر ويحمر البقاعيتين، المتاخمة لسوريا. وقد جرى التنقيب أواخر الاربعينات وأوائل الخمسينات من القرن العشرين (1948 – 1950) وتأسست شركة مساهمة لبنانية لإكمال التنقيب والاستثمار، ثم طوي الأمر. وقيل إن بعض الدراسات الدولية أثبت أن كلفة استخراج النفط واستثماره تفوق المردود الممكن.
2 – ملف التنقيب في عرض طرابلس وبعض الجزر هناك، وقد سارت الحكومة في الأمر وعيّنت موعداً لتلقي العروض الدولية وحدّدت التاريخ في أيلول 1976، إلا أن إحدى جولات الحرب التي كانت متوقفة في حال هدنة نشبت في ذلك اليوم وبالذات في طرابلس، مما صرف النظر عن الأمر. ومرت السنون وتوالت العهود والجولات والنظر لا يزال مصروفاً، من غير ان ينظر أحد في المصادفة وما يمكن ان يكون وراءها!؟
وقيل إن السبب هو ان الدراسات أثبتت(؟!) أن هذا النفط هو ذاته النفط الذي تستخرجه سوريا.
وبعد، فلأننا نعرف ان الرئيس بشّار  ونظامه قد بلغا درجة من البراعة الديبلوماسية جعلته شخصياً يسجل انتصاراً لا يستهان به في فرنسا وربما في الروسيا كذلك (على رغم الغاء صفقة الصواريخ فور اعلان خبرها أو الاشاعة!)…
لأننا نعرف براعته الديبلوماسية – الاعلامية المتزايدة، ننصحه بكل تواضع بالتأني قبل اطلاق النصائح والتعليمات يميناً ويساراً على نحو يجعل بعض حلفائه الجدد، كفرنسا مثلا، يتساءلون ما اذا كان فعلاً وحقاً قادراً على احترام الشرعية الدولية لحدود السيادة اللبنانية، وتالياً التقيد بما يلتزمه والصدق في وعوده… أو يدوم ذلك نصف نهار لا اكثر، بدليل عدم صدور البلاغ التقليدي الذي كان منتظراً وطبيعياً عن القمة الرباعية التي بدت لفترة كأنها تغيّر وجه التاريخ في المنطقة، والجغرافيا كذلكّ! مفهوم؟
النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى