البحث عن هدنة
جورج علم
سرّع موقف الرئيس بشّار الأسد من وتيرة الاتصالات لأخذ طرابلس باتجاه الهدنة بدلا من المواجهة. لقد ولّد موقفه شعورا بالخوف والقلق من مستقبل آت على المدينة يحمل في طياته الكثير من المستجدات التي قد تبررعودة نفوذ سوري يستطيع الامساك بزمام الامور، لذلك تكثّفت الاتصالات لوأد الفتنة، وتحقيق هدنة طويلة تكون المصالحة مدخلا لها.
وما جاء في »وثيقة طرابلس« مهم وحيوي، لكن السؤال: أين الوثيقة السوريّة ـ السعوديّة الأشمل والأفعل التي تؤمن المناعة والاستمرارية لتلك المتداولة بين الأفرقاء المحلييّين؟.
وعندما ذهب السفير السعودي الدكتور عبد العزيز خوجة الى طرابلس في محاولة للمّ الشمل، قيل يومها بأن المهمة التي بدأها لم تكتمل، وذهب رئيس »تيار المستقبل« النائب سعد الحريري ليكمل ما بدأه من خلال الانفتاح على الجميع، والإصرار على وضع »الوثيقة« موضع التنفيذ لإنجاز المصالحة.
إلاّ ان هذه قد لا تكون كافية، والأسئلة هنا ليست دائما برسم الداخل الضيّق الأفق، بقدر ما هي برسم الخارج الرحب، سواء أكان من الذين أسهموا في » طبخ« اتفاق الدوحة ودوزنته وتدوير زواياه، او من الذين استحسنوه بداية، والان يسعون الى الانقلاب عليه؟.
وفي بعض الصالونات الدبلوماسية حديث عن ان المصالحة مرشحة لأن تصمد إذا ما تم الاعتراف بالآخر أي كان على الساحة الطرابلسية، وإذا ما احترمت التنوعات السياسية أيا كانت أحجامها والأوزان، وإذا ما صدقت النوايا ولم تستغل الهدنة على انها الوقت الضائع للمزيد من التعبئة.
وهناك من يقول بأن قوى ١٤ آذار تريد المصالحة، وتريد الهدنة لأنها تعرف بأن أجواء التصعيد ستؤدي الى المزيد من الخسائر، وتعرف بأن المستجدات الآقليمية لا يمكن ان تسوي ما بين كفتي الميزان على المستوى المحلي.
وتدرك الموالاة بأن الرئيس الأسد حصر كلامه بالظاهرة الاصولية المتشددة، متجاوزا سابق الاشتباكات بين بعل محسن وباب التبانة، وبين الأحجام السياسية التقليدية وتلك التي تحاول ان تفرض نفسها على الشارع قبيل بدء الانتخابات، فهل ستعالج المصالحة هذه الهواجس وكيف؟. إن المستقبل كفيل بتوفير عناصر الإجابة.
ويحاول التعاون القائم بين مصر وبعض أعضاء اللجنة العربية الخاصة بلبنان من دول مجلس التعاون الخليجي تطعيم جهود المصالحة من خلال الإيحاء بأن ما تشهده عاصمة الشمال إنما هو توطئة للوصول الى طاولة الحوار الوطني في القصر الجمهوري. وبهذا المعنى كانت طرابلس تجيد دائما دور ساعي البريد، فعندما كان الحوار يتعثر في الدوحة كانت تشتعل خطوط التماس التقليدية بين بعل محسن وباب التبانة، وعندما كان يمارس أسلوب التذاكي من قبل البعض في تطبيق بعض بنود اتفاق الدوحة كانت تنشط سياسة الرسائل الساخنة في عاصمة الشمال، والآن هناك محاولات عربية لإخراج المدينة من أتون الفتنة بوضع »وثيقة طرابلس« موضع التنفيذ، لتبريد الساحة توطئة للدخول الى قاعة الحوار.
وفي كل الاحوال يبقى عامل الوقت مهم فهو الذي سيحكم على جدية المساعي وشفافية النوايا خصوصا من قبل المعنيين المباشرين بالمصالحة، وهو الذي سيحدد ساعة الصفر لانعقاد طاولة الحوار ولكن هل تكون وشيكة او في المستقبل القريب؟.
لا شيء يوحي بذلك والرئيس العماد ميشال سليمان يستعد للتوجه الى الامم المتحدة في ٢١ الجاري حيث سيلقي كلمة لبنان أمام الجمعية العامة للمنظمة الدولية في ٢٣ منه، ثم يتوجه إثر ذلك الى واشنطن في زيارة رسمية… هذا يعني ان لا طاولة للحوار قبل المغادرة، وعندما يعود تكون قد انقضت أسابيع ولو قليلة على »الاختبار« في طرابلس المصالحة، وهذه مهلة من شأنها ان تكشف معدن المصالحة فإما ان تصمد وتستمر، وإلا فإن الرياح الخارجية ستكون عاتية لتفرض تغييرا ومتغيرات!.